ترجمة وتحرير نون بوست
يأتي شهر رمضان هذا العام في وقت حذرٍ وترقبٍ بالنسبة للمسلمين الأميركيين؛ فالصيام هذا العام بدأ قبل نحو أسبوع ونصف من اليوم، أي قبل أن يرتكب المواطن الأمريكي المولود لأبوين مهاجرين أسوأ حادثة إطلاق نار في تاريخ الولايات المتحدة في نادي “بالس” لمثليي الجنس في أورلاندو، وقبل أن يبث دونالد ترامب ردة فعله تجاه هذه المأساة من خلال تكرار اقتراحه لحظر زيارة المسلمين للولايات المتحدة وإلقائه اللوم على المسلمين لفشلهم في إيقاف الهجوم.
في الوقت عينه، تستعد إدارة أوباما لاستقبال المسلمين الأميركيين في البيت الأبيض للاحتفال بعيد الفطر، ربما للمرة الأخيرة.
سيمثّل احتفال البيت الأبيض هذا العام بشهر رمضان الذكرى السنوية الـ20 للتقليد الذي ابتدرته لأول مرة السيدة الأولى آنذاك هيلاري كلينتون في عام 1996، ومنذ ذلك الحين، استمر كل رئيسي أمريكي، جمهوريًا كان أم ديمقراطي، بإقامة هذا التقليد.
يرجع أول تاريخ موثق لاستضافة البيت الأبيض لحفل إفطار في رمضان لأكثر من 200 عامًا خلت، عندما استضاف الرئيس توماس جيفرسون المبعوث التونسي سيدي سليمان يوم 9 ديسمبر من عام 1805، لمناقشة قضية القرصنة في البحر الأبيض المتوسط، وحين أُبلغ من قِبل المبعوث بصيامه برمضان، أمر جيفرسون بتأجيل موعد تقديم خدمات الطعام لغروب الشمس حتى تتوافق مع العرف الإسلامي.
أصبح الإفطار الذي يستضيفه البيت الأبيض التجمع العام الأكثر أهمية ضمن البلاد لإيصال أصوات المسلمين وغير المسلمين، حيث استمر ثلاثة رؤساء للولايات المتحدة باتباع هذا التقليد بغية تعزيز الوحدة والتفاهم المتبادل ما بين الأديان، وفي أعقاب الفظائع التي شهدتها أورلاندو نهاية الأسبوع الماضي، يبدو الاحتفال بهذه المناسبة أكثر أهمية من أي وقت مضى بغية مساعدة الأمريكيين لاستيعاب الوجه الحقيقي السلمي للدين الإسلامي.
ولكن على الجانب الآخر، من الصعب علينا أن نتصور بأن يستمر الرئيس ترامب بهذا التقليد، وبعكسه، يصعب علينا التفكير بأي شخص مسلم سيوافق على حضور الإفطار إن وافق ترامب على استضافته في البيت الأبيض؛ فإذا فاز ترامب بالانتخابات الأمريكية في نوفمبر المقبل، فهل من الممكن أن يكون إفطار هذا العام هو الأخير الذي سيستضيفه البيت الأبيض لسنوات قادمة؟
تشير التقديرات إلى وجود حوالي 3.3 مليون مسلم يعيشون في الولايات المتحدة، ويمارسون عباداتهم ضمن حوالي 2500 مسجد منتشرين في جميع الولايات الـ50، كما يوجد أكثر من مليون مسلم أمريكي يحق لهم التصويت، مما يعني بأن أصواتهم تحقق تأثير قويًا خاصة ضمن الولايات المتأرجحة (التي لا تحتوي على أغلبية سياسية جمهورية كانت أو ديموقراطية) مثل ميشيغان وأوهايو وفرجينيا.
إقرأ تغطية نون بوست الخاصة بالانتخابات الأمريكية
ولكن كل ذلك لم يمنع ترامب من بث خطابه الذي يستهدف الدين الإسلامي، والذي يمكن نعته في أحسن الأحوال بأنه يثير حالة من التوجس العميق؛ فحتى الآن، تعهد ترامب بإغلاق بعض المساجد ووضع بعضها الآخر تحت المراقبة، كما تعهد بإصدار بطاقة هوية خاصة بالمسلمين، وناقش إنشاء قاعدة بيانات فيدرالية لتتبع ورصد المسلمين المقيمين في الولايات المتحدة، وبالطبع، تعهد بمنع المسلمين من دخول البلاد.
مع انتشار أنباء الهجوم في أورلاندو، أدلى ترامب بفورة رد فعله الأخطر حتى الآن، مهنئًا نفسه على تويتر لكونه مصيبًا حول “الإرهاب الإسلامي”، ومكررًا دعوته لحظر المسلمين من دخول الولايات المتحدة، على الرغم من أن القاتل هو مواطن أميركي المولد يفتقر لأي صلات معروفة مع المتطرفين الأجانب، وفي يوم الإثنين المنصرم، وسّع ترامب دائرة حظره لتشمل جميع البلدان التي تتمتع بتاريخ في ارتكاب العنف ضد الولايات المتحدة وحلفائها، وهو تصنيف يشمل العالم بأسره تقريبًا.
بالإضافة إلى ذلك، وبدون الإتيان بأي دليل، اتهم ترامب المسلمين الأمريكيين بالخيانة، زاعمًا بأنهم يتآمرون بشكل دوري مع المتطرفين لإيذاء الأمة، يخفون الإرهابيين المحتملين عن السلطات، ويعرقلون التحقيقات الفيدرالية لمكافحة الإرهاب، ناهيك عن إلقائه باللوم على أوباما و”دوافعه الخفية” حول المجزرة، مشيرًا إلى أن أي شخص يعارض حظر المسلمين من دخول البلاد لا يمكن أن يكون صديقًا لمجتمع المثليين، وأخيرًا، احتفظ المرشح الرئاسي المثير للجدل بأقصى درجات كراهية الأجانب ليبثها تجاه والدي منفّذ عملية أورلاندو معتبرًا بأنه “في النهاية، السبب الوحيد لتواجد القاتل في أمريكا هو لأننا سمحنا لعائلته بالقدوم إلى هنا في المقام الأول”.
للأسف، يبدو بأن ترامب يتحدث باسم طائفة كبيرة من الأميركيين، حيث انقسم استطلاع للرأي أجرته صحيفة واشنطن بوست مع الإيه بي سي نيوز في مايو بالتساوي تقريبًا بين مؤيد لحظر ترامب المقترح للمسلمين، 43% من المستطلعين، واعترض 50% منهم على الحظر، بينما عبّر 7% من المستطلعين عن عدم انحيازهم لأي جانب في هذا الأمر.
لا مراء بأن الخطاب الصاخب المعادي للأجانب الذي يبثه ترامب أضّر بالمسلمين ومكانتهم في أمريكا؛ فعلى سبيل المثال، أظهرت تقرير نُشر مؤخرًا من قِبل مركز جامعة جورج تاون للتفاهم الإسلامي المسيحي زيادة ملحوظة في أعمال العنف ضد المسلمين في الولايات المتحدة بالتزامن مع حملة عام 2016، كما ظهرت ذات النتائج في دراسة مماثلة تمت بالتعويل على بيانات صادرة من مكتب التحقيقات الفيدرالي.
هذه الأسباب هي ما يجعل احتفالات إفطار البيت الأبيض مهمة للغاية؛ ففي بيان أصدره بمناسبة بداية شهر رمضان لعام 2016، أشار أوباما إلى هذه النقطة قائلًا: “مع احتفال الأميركيين المسلمين بشهر رمضان، أتذكر بأننا أسرة أمريكية واحدة، أقف بقوة مع المجتمعات الأمريكية المسلمة في رفض الأصوات التي تسعى إلى تقسيمنا أو تقييد حرياتنا الدينية أو حقوقنا المدنية، وأقف ملتزمًا بحماية الحقوق المدنية لجميع الأمريكيين بغض النظر عن دينهم أو مظهرهم”.
من موقعي باعتباري مسلمًا أمريكيًا ومهاجرًا، وجدت تصريحات أوباما ملهمة؛ فلقد حضرت العديد من الإفطارات التي أقامتها وزارة الخارجية الأمريكية، وأنا أعلم علم اليقين مدى أهمية وجوهرية انفتاح الحكومة الأمريكية تجاه المسلمين سواء في الداخل والخارج، فهذه المعايير يجب أن تبقى عنصرًا جوهريًا في نهج السياسة الخارجية للولايات المتحدة.
ومع اقترابي من اختتام عقدي الثالث في هذا البلد، وخاصة الآن في أعقاب مجزرة أورلاندو، أنا مقتنع بألّا مكان للانقسامات الكاذبة ما بين الأعراق والأديان في بلدي التي تبنيتها، والآن وإلى الأبد يجب أن يُنظر إلى أطفالي في أمريكا باعتبارهم متساوين في الحقوق والكرامة وحكم القانون، بغض النظر عمّن يشغل البيت الأبيض.
ولكن ترامب، وفقًا لتصريحاته التي أدلى بها، يرى الأمور على عكس ذلك تمامًا؛ فالحادثة المرعبة التي اجتاحت أورلاندو تؤكد على سعي تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) لخوض حرب ضد الولايات المتحدة وقيمها، بل إنه يرى نفسه كمنخرط مسبقًا في قلب هذه الحرب، وذلك كجزء من الانحرافات الدينية التي يبثها لمناصريه، ومن هذا المنطلق، وإذا ما انتُخب ترامب لمنصب رئيس الجمهورية، فإنه يَعِد بتزويد المنظمة الإرهابية بما تسعى إليه تمامًا؛ لذا، وفي رمضان من هذا العام، دعونا نأمل جميعًا ألّا تسنح له الفرصة لتقلّد هذا المنصب.
المصدر: واشنطن بوست