في إجراء مفاجئ وغير متوقع، سمح مقاتلو تنظيم داعش في الفلوجة للأهالي بالخروج من المدينة، لتتدفق آلاف العوائل على شكل أمواج بشرية إلى منطقة النساف ومنها إلى منطقة عامرية الفلوجة.
قائممقام الفلوجة عيسى العيساوي قال أن خمسة آلاف عائلة وصلت إلى مخيمات النزوح التي لا تتسع سوى لألفي عائلة فقط، مشيراً إلى الثلاثة آلاف عائلة المتبقية تفترش رمال الصحراء الملتهبة، بلا ماء أو غذاء وسط ارتفاع كبير بدرجات الحرارة، متهماً الحكومة بعدم تقديم أي شيء لاحتوائها وإغاثتها.
رئيس لجنة الهجرة والمهجرين النيابية، رعد الدهلكي، لم ينكر أن الحكومة تقف مكتوفة الأيدي تجاه ما يعانيه النازحون، ليس في الفلوجة فحسب، وإنما في عموم العراق.
وأوضح الدهلكي: “لم يعد بإمكاننا مساعدة وإغاثة العوائل النازحة لنفاد الأموال المخصصة لدعمهم بعد تزايد أعدادهم في الآونة الأخيرة، مطالباً حكومة بلاده والمجتمع الدولي والمنظمات المعنية بحقوق الإنسان وشؤون اللاجئين بتشكيل وفود حكومية وسياسية من أجل جلب الأموال اللازمة من الدول المانحة لانتشال وإغاثة النازحين.
نازحون يفترشون العراء
“وضع العائلات النازحة في المخيمات مروّع” هذا ما قاله الأمين العام لمنظمة “المجلس النرويجي الأعلى للاجئين” يان ايغيلاند، الذي أشار إلى أن منظمته غير قادرة على تأمين أكثر من ثلاثة ليترات من المياه لكل شخص يومياً رغم الحاجة إلى عشرة ليترات مع ارتفاع الحرارة الى حوالي خمسين درجة مئوية، لافتاً إلى أنه يشعر بالقلق أيضاً من نفاد مخزون المنظمة من المواد الغذائية العاجلة التي لا تكفي لتغذية أكثر من 15 الف شخص ليومين فقط.
وكعادتها؛ لم تقف عشائر منطقة عامرية الفلوجة موقف المتفرج، فقد أعلن شيوخها النفير العام لإغاثة النازحين، لكن حجم الكارثة كان أكبر من طاقتهم، فما تحتاجه خمسة آلاف عائلة بأطفالها ونسائها وشيبها وشبابها، لا يمكن أن توفره غير حكومات أو منظمات كبيرة.
ولا ننسى أن هذه العشائر تحتضن منذ أكثر من عامين عشرات الآلاف من العوائل التي كانت قد نزحت من الفلوجة والرمادي إلى منطقتهم، وبالتالي فإن طاقة هذه العشائر مستنزَفة بالأساس.
وأمام هذه الكارثة التي يعيشها النازحون أطلق ناشطون وإعلاميون حملة كبرى على مواقع التواصل الإجتماعي تحت وسم #نازحو_الفلوجة_يستغيثون للفت أنظار العالم إلى حجم المأساة التي تحيط مَن فرّوا من جحيم حصار الحرب والحصار إلى جحيم الإهمال والتقصير.
منظمو الحملة أكدوا أن النازحين يعيشون أوضاعا إنسانية صعبة للغاية، في ظل الإهمال الحكومي الذي “غيّر ملامح حياتهم في السابق، ويعود اليوم ليعمّق جراحهم” بحسب وصفهم.
وأوضح الإعلامي أحمد العيساوي (أحد منظمي الحملة) أن نداءات الاستغاثة للحكومة المركزية والمنظمات المحلية والعالمية من أجل التدخل العاجل لإنقاذ أرواح العائلات التي فرّت من جحيم المعارك إلى جحيم الإهمال والتقصير، لم تلقَ آذاناً صاغية حتى الآن، مبيناً أن النازحين “ينقصهم كل شيء، الماء والغذاء والدواء والخيام”، داعياً العالم أجمع إلى ضرورة التدخل الفوري “لإنقاذ الآلاف من الهلاك”.
نازحون يغادرون الفلوجة
بدوره لخّص الناشط عمر الجميلي معاناة النازحين بقوله: للأسف هؤلاء فرّوا من حصار إلى حصار ومن معاناة إلى معاناة ومن موت إلى موت، فهم لم يجدوا سقفاً يحميهم، ولا خيمة تأويهم، ولا غذاءاً أو ماءاً يرويهم، ولا رعاية طبية تقيهم ولا جهة حكومية أو غير حكومية تغيثهم”.
ما أن نادى عناصر داعش عبر مكبرات على المدنيين المحاصرين داخل الفلوجة أن “اخرجوا من المدينة فوراً” حتى تسابقوا إلى خارجها، ظنّاً منهم أن حياة جديدة كُتبت لهم، لكن هذا الظنّ سرعان ما بدده يقين وجودهم في أماكن يحاصرها شبح الموت جوعاً وعطشاً من كل جانب، والسبب إهمال حكومتهم وعدم قيامها بترتيبات حقيقية لإيوائهم، رغم علمها بأن حركة نزوح كبيرة جدًا ستنطلق مع اليوم الأول لانطلاق المعركة.