أثمرت زيارة الملك المغربي محمد السادس إلى الصين في مايو/ أيار العام الماضي بنية توسيع العلاقات الاقتصادية بين البلدين ورفع التبادل التجاري وخلق توازن في علاقات المغرب الدولية وتنويع مصادر الدخل لمواجهة التقلبات الاقتصادية الحاصلة في الاقتصاد العالمي، حيث تم على هامش الزيارة توقيع مذكرات اقتصادية وثقافية وسياسية وإنسانية. شمل مجال التعاون والشراكة؛ قطاع تصنيع السيارات والطيران والبنية التحتية والصحة والأمن الغذائي، وتسعى الصين من خلال تعزيز علاقاتها التجارية مع المغرب جعلها قاعدة صناعية لها لتصدير منتجاتها إلى افريقيا وأوروبا، كما أن الصين ترى بالمغرب أنه منطلق طريق الحرير البحري الجديد فالمغرب تعد حلقة الوصل القارية بين كل من افريقيا والشرق الأوسط وأوروبا.
وجاءت خطوة المغرب برفع التأشيرة عن الصينين لتعزز العلاقات أكثر وتحفز المجموعات السياحية الصينية لزيارة المغرب حيث تخطط المغرب أن تجذب 100 ألف سائح صيني بحلول عام 2020 من الطبقة المتوسطة ممن يرغبون باستكشاف العالم فالصين تعد أول مصدر للسياح في العالم، إذ زار العالم في العام 2014 أكثر من 100 مليون سائح صيني أنفقوا حوالي 163 مليار دولار، وتأتي خطوة إلغاء التأشيرة لتحقيق هدف المغرب في استقطاب نحو 20 مليون سائح بحلول عام 2020 مقارنة بعشرة مليون سائح زاروا المغرب السنة الماضية 2015، فطلب الحصول على التأشيرة يحتاج من فوج سياحي مدة ثلاثة أسابيع لاستصدارها، وهذا يعد عائقًا أمام المجموعات السياحية وداعيًا لإلغاء المغرب كوجهة سياحية، كما أن السائح الصيني يجد نفسه مضطرًا أن ينزل ترانزيت في أحد البلدان بسبب غياب رحلات مباشرة بين الصين والمغرب وهو عائق آخر تحاول المغرب التوصل إلى حلول تيسيرية للحؤول دون صعوبة السفر بين البلدين.
والجدير بالذكر أن قطاع السياحة في المغرب يشكل ما نسبته 6 إلى 7% من الناتج المحلي الإجمالي وتتطلع الحكومة المغربية لتنويع الأسواق السياحية من خلال التوجه إلى الصين وتركيا وروسيا والهند وعدم الارتهان للأسواق التقليدية وخصوصا السوق الفرنسية التي تمثل 35% من السياح الوافدين إلى المغرب.
الصين ستنشئ منطقة صناعية في المغرب
أعلن عن المشروع خلال زياة الملك المغربي إلى الصين حيث تم توقيع عدد من الاتفاقيات التي كرست توسيع الشراكة الاستراتيجية بين البلدين بين وزارة الصناعة المغربية ورئيس المجموعة الصينية، ومن المتوقع أن يتم إنشاء المنطقة الصناعية والسكنية لتحتضن الشركات الصينية التصديرية في المغرب بهدف التصدير إلى افريقيا وأوروبا والاستفادة من اتفاقيات التبادل التجاري الحر لدى المغرب مع العديد من البلدان والمناطق الاقتصادية حول العالم، ومن المخطط أن تضم المدينة السكنية سكانًا يقدر عددهم بنحو 300 ألف نسمة، وستضم المنطقة مشروعات تختص بالنسيج والطيران والسيارات علمًا أن المجموعة الصينية تنشط كذلك في مجالات الطاقة والمعادن والعقار والتأمين.
وسيقام المشروع على مساحة تتراوح بين ألف وألفين هكتار وقدرت أحد المصادر أن هذا المشروع سيحتاج استثمارات بنحو 10 مليارات دولار، ومن المتوقع أن تتمتع المنطقة بميزات ضريبية معينة وتعامل كالمنطقة الحرة لتعزيز تنافسية الشركات العاملة فيها، ويذكر أن المنطقة مخصصة للشركات الصينية التي ستعتمد على مدخلات إنتاج محلية وستعمل على إحداث الآلاف من فرص العمل للعمالة الوطنية.
المغرب والارتهان للاتحاد الأوروبي
تدهور عجز الميزان التجاري المغربي بسبب الركود الحاصل في أوروبا بعد الأزمة المالية العالمية التي ضربت أوروبا 2008 ويدعو مراقبين منذ فتر المغرب لتقليص الاهتمام بأوروبا وتنويع علاقاتها الاقتصادية من خلال البحث عن شركاء تجاريين في كل من آسيا والبلدان العربية، والتخفيف من حدة العجز التجاري الذي بدأ يتفاقم مع مرور الوقت.
وبالفعل بدأت المغرب بتنويع مروحة خياراتها بين دول العالم والتخلي قليلا عن اعتمادها على أوروبا وهو ما يؤكده العديد من المسؤولين المغاربة أن استراتيجية التنويع تسير بخطى ناجحة، فصادرات السيارات ارتفعت إلى نحو 4 مليارات دولار سنويًا كما أن حصة أووربا من الصادرات المغربية تراجعت من 70% في العام 2009 إلى 67% في العام 2014.
بينما هناك آراء أخرى تشير أن العجز التجاري المغربي ليس سببه الاعتماد على أوروبا فقط بل يعود أيضًا إلى مشكلة هيكلية في الاقتصاد ترتبط بطبيعة العرض التصديري الغير متنوع للمنتجات المغربية وفقدان القيمة المضافة العالية في النوع التصديري، حيث تشكل صادرات المغرب من المنتجات الخام ونصف المصنعة والمنتجات الغذائية نسبة 50%. وبحسب مكتب الصرف المغربي يظهر أن مبيعات الغذاء في العام 2014 بلغت 3.6 مليارات دولار والمنتجات الخام 1.8 مليار دولار والمنتجات نصف المصنعة 4.9 مليارات دولار والمنتجات المصنعة المخصصة للاستهلاك 5.8 مليارات دولار بينما بلغت مشتريات المغرب أرقاما أعلى جعلت العجز التجاري يبلغ نحو 19 مليار دولار في العام 2014. وقد أقر المغرب موازنة العام المالي الحالي 2016 وفيها خفض للعجز بمقدار 3.5% من 4.3% في العام الماضي 2015.
ويشير العديد من الخبراء الاقتصاديين أن المغرب يملك قدرات اقتصادية كامنة تمكنه من تحقيق معدلات نمو عالية إلا أن المشاكل الهيكلية التي يعاني منها الاقتصاد المتمثلة باعتماد الاقتصاد على نموذج النمو الاقتصادي من خلال الطلب الداخلي والنموذج الاقتصادي المتبع تحول دون ظهور تلك الطاقات، والحل يكمن بالعودة إلى التصنيع وتغيير النموذج الاقتصادي وهو ما تسعى إليه الحكومة المغربية من خلال الشراكات الاستراتجية مع الصين لإنشاء مناطق صناعية تستطيع من خلالها توسيع قاعدة إنتاجها الصناعية إلى جانب الاعتماد علىتنويع مصادر الطاقة بالاعتماد على مشروعات الطاقة النظيفة للتخفيف من فاتورة الطاقة.