وأخيرًا وبعد نحو شهر من القتال المستمر، أعلنت القوات العراقية “تحرير” مدينة الفلوجة من قبضة تنظيم الدولة الإسلامية، حيث أعلن رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي الانتصار بعد حلول ليل الجمعة بفترة وجيزة.
خبر طال انتظاره لدى أنصار القوات العراقية المدعومة بمقاتلي الحشدين “الشيعي” و”السني” وطائرات ومستشاري التحالف الدولي، فبعد معارك عنيفة شهدتها مدينة “الأشباح” ورمز الصمود أمام الاحتلال الأمريكي وأمام المد الفارسي، قال الجيش العراقي في بيان له “إن الشرطة الاتحادية رفعت العلم العراقي فوق مبنى البلدية وإنها تواصل ملاحقة مقاتلي تنظيم الدولة”.
تصريحات الجهات الرسمية العراقية المنتشية بالنصر الذي لم يتحقق بعد، فندها وزير الدفاع الأمريكي آشتون كارتر بعد ساعات معدودة، حيث أكد أن القوات العراقية استعادت فقط جزءًا من مدينة الفلوجة وأن الأمر ما زال يتطلب مزيدًا من القتال.
سيناريو مسلسل “تحرير الفلوجة” لم يكن جديدًا بل كان منتظرًا، وكان من المتوقع أن تشهد معركة الفلوجة كرًا وفرًا ومفاجآت عديدة يخبئها تنظيم الدولة وذلك استنادًا إلى عدد من الحجج والمعطيات التي نشرتها وسائل الإعلام ومراكز الدراسات الغربية والتي ارتكزت أساسًا على تغيير تكتيك القتال المتبع في معركة الفلوجة بالإضافة إلى الطبيعة السكانية للمدينة والحاضنة الشعبية التي يتمتع بها التنظيم داخلها.
بعد أيام من انطلاق عملية “كسر الإرهاب” أعلنت قيادات عسكرية عراقية أن المدينة ستسقط كاملة في قبضتها خلال ساعات بعد تطويقها من كل الجهات، لكن هذه الساعات طالت وأصبحت أسابيع طويلة، ولولا مساعدة طائرات التحالف لربما فشلت العملية الضخمة منذ أسبوعها الأول.
في معارك الفلوجة التي انطلقت في 23 من شهر مايو الماضي، سقط مئات القتلى والجرحى من الطرفين واقترف بحق المئات من المدنيين والنازحين جرائم حرب وثقت بعضها الكاميرات في حين ظل بعضها الآخر في طي الكتمان وإن كان غير خافيًا على القيادة العراقية.
حوالي 40 ألف مقاتل من القوات العراقية النظامية ومن الميليشيات الشعية والسنية، عجزوا رغم الحصار الخانق المفروض على المدينة منذ أكثر من عامين على اقتحام المدينة وإنهاء المعركة من دون الاستعانة بطائرات التحالف الدولي التي احتارت هي الأخرى وقررت في بعض الأحيان قصف أرتال الحشد الشعبي لمنعه من التقدم نحو المدينة السنية إلا أنها فشلت في ذلك في النهاية.
4 أسابيع من القصف الجوي والبري والاشتباكات المباشرة والشحادة الدبلوماسية، عجزت عن إنهاء المعركة بشكل رسمي، فالمدينة إلى الآن لم تسقط بشكل رسمي بحسب تصريح وزير الدفاع الأمريكي آشتون كارتر وكل ما في الأمر تقاسم للسيطرة بين القوات والميليشيات العراقية وتنظيم الدولة الإسلامية.
معركة الفلوجة التي زادت من إنهاك الميزانية العراقية وكشفت للعالم جرائم الحشد الشعبي الموثقة بالصوت والصورة، أثبتت بما يدع مجالاً للشك أن المشروع الفارسي في العراق بقيادة حيدر العبادي وبأوامر مباشرة من “مستشاره” الجديد قاسم سليماني لم يعد أمرًا خافيًا على أحد، فالعراق أصبح حديقة خلفية لإيران وربما لا نستغرب مستقبلاً إذا ما رأينا مرشد الثورة علي خامنئي يعين ويعزل حكام العراق الجدد.
آخر الأخبار المتوفرة والتي نشرتها أغلب وسائل الإعلام العالمية بخلاف وسائل الإعلام الموالية للقوات والميليشيات العراقية، تقول إن المعارك على أشدها في أحياء مدينة الفلوجة التي مازال بعض مقاتلي “الدولة” يسيطرون عليها بعد أن تجاوز عدد النازحين يوم الخميس 68 ألف شخص وفقًا لبيانات الأمم المتحدة التي قدرت في الآونة الأخيرة أن عدد سكان الفلوجة 90 ألف شخص وهو نحو ثلث عدد سكان المدينة في 2010.
معارك السيطرة على مدن العراق مازالت متواصلة ومن المتوقع أنها ستتواصل لأشهر أخرى لعدة أسباب يطول المقال بذكرها وبشرحها، لكن من المؤكد أنه في مقابل هذا العراك بين تنظيم الدولة الإسلامية والدولة العراقية، سيكون هنالك عراك آخر مشتعل بين الدول العربية وفي مقدمتها الخليجية مع جمهورية إيران الفارسية التي تسيطر اليوم على مرأى ومسمع من الجميع على 4 دول عربية هي على التوالي لبنان، العراق، سوريا واليمن.
قصة الفلوجة مازالت لم تنته بعد ومن المنتظر أننا سنسمع وسنقرأ وسنشاهد العديد من الأخبار والتقارير في الأيام القادمة، بل ومن غير المستبعد أنها ستسفر عن سقوط المدينة بشكل كلي في يد القوات والميليشيات العراقية، لكن وبعد هذا السقوط ينبغي علينا أن نطرح هذا السؤال هل يعادل تنظيم الدولة الكفة ويعيد هو الآخر السيطرة على الرمادي بعد أشهر قليلة من تحريرها خاصة وأن المعارك على أشدها في عدد من أحيائها؟ فلننتظر ونراقب.