ترجمة وتحرير نون بوست
هز مسؤولو وزارة الخارجية المؤسسة الدبلوماسية الأمريكية هذا الأسبوع بمذكرة داخلية تحث جيش الولايات المتحدة لتدخل عسكري ضد الحكومة السورية بهدف الضغط على الرئيس بشار الأسد لقبول وقف إطلاق النار واكتساب أرض عليا ضمن المحادثات المستقبلية بشأن الانتقال السياسي.
ولكن تقف أسباب كثيرة خلف عدم احتمالية هذا التدخل، ليس أقلها غموض الهدف العسكري والمخاطر التي قد تحيق بجنود الولايات المتحدة، أما أهمها فهي معارضة الرئيس باراك أوباما لهذا التدخل.
حتى الدبلوماسيين الذين وقعوا على عريضة التدخل لم يشيروا إلى وجوب تدخل قوات الولايات المتحدة للإطاحة بالأسد من السلطة فورًا أو لتجريده من الأراضي التي يسيطر عليها لصالح الجماعات المعارضة، وهي الأهداف الأكثر نموذجية لأي حملة تدخل عسكرية، بل بدلًا من ذلك، تشير الوثيقة إلى أن تدخل الولايات المتحدة العسكري يهدف إلى الضغط على الرئيس السوري في المفاوضات الدبلوماسية التي فشلت مرارًا وتكرارًا حتى الآن.
تدخل الولايات المتحدة العسكري في سوريا من شأنه أن يُغرق واشنطن في صراع دموي وقاتل ولا يمكن التنبؤ بنتائجه، حيث تضم المعارضة السورية عشرات التشكيلات المسلحة التي تتصارع على خطوط الصدع العرقية والطائفية، فضلًا عن شمولها لمنظمات إرهابية كتنظيم الدولة الإسلامية، ناهيك عن تدخل القوات الجوية الروسية، القوات الإيرانية، والوحدات شبه العسكرية التي تقاتل إلى جانب الأسد؛ مما أحال سماء البلاد وأرضها إلى مسرح مزدحم يغص بآلاف اللاعبين.
فضلًا عما تقدم، يبدو بأن الأولويات الأميركية تقبع في مكان آخر؛ فعلى الرغم من دعوته الأسد إلى التنحي منذ خمس سنوات وحتى الآن، ما زال أوباما يركز بأولوياته على هزيمة الدولة الإسلامية في سوريا وليس على تغيير النظام، حيث تسعى إدارته للحفاظ على الدولة السورية والجيش السوري بغية تأسيس حكومة انتقالية في المستقبل قادرة على استعادة النظام وترسيخه واستكمال المساعي في محاربة داعش، ومن الواضح بأن الإدارة الأمريكة تروم المساعدة الروسية والإيرانية في هذه الجهود.
بناء عليه، إليكم هنا نظرة على ما دعا إليه مسؤولو وزارة الخارجية الأمريكية المتخبطة والسبب الذي يحذونا للقول بأن هذه الدعوات لن تغيّر من السياسة الأمريكية تجاه سوريا.
مقاومة البيت الأبيض
تم تسريب المذكرة السرية عير قنوات رسمية معارضة لسياسة الإدارة الأمريكية الحالية، حيث تم توقيع المذكرة من قِبل 51 مسؤول معظمهم من المستوى المتوسط ممن يعملون ضمن وزارة الخارجية على السياسة الأمريكية ضمن سوريا، ونقلت صحيفة نيويورك تايمز ووول ستريت جورنال اقتباسات من النسخ التي استحصلتا عليها أو شاهدتاها من المذكرة.
تعبّر الوثيقة عن إحباط واضح تجاه الاستجابة الموجهة للبيت الأبيض للصراع السوري الذي أزهق أرواح ما لا يقل عن نصف مليون شخصًا، وساهم في ابتدار أسوء أزمة للاجئين في جميع أنحاء العالم.
“المبرر العقلاني والأخلاقي لاتخاذ خطوات لإنهاء حالات الموت والمعاناة في سوريا، بعد خمس سنوات من الحرب الوحشية، هي واضحة ولا يرقى إليها الشك”، نقلت صحيفة النيويورك تايمز قول الوثيقة.
يجدر بالذكر بأن تلك المشاعر حول الوضع السوري ليست بجديدة ضمن أروقة وزارة الخارجية الأمريكية، حيث مارس وزيرا الخارجية الأمريكيان الأخيران، هيلاري كلينتون وجون كيري، الضغوط للتدخل في سوريا، وكذلك فعل وزير الدفاع السابق ومدير وكالة المخابرات المركزية السابق، ولكن رغم ذلك، يبقى القول الفصل في هذا الموضوع بيد القائد العام للجيش والقوات المسلحة، الذي لم يتحول عن موقفه المعارض للتدخل حتى الآن.
عندما تجاوز الأسد “خط أوباما الأحمر” في عام 2013 من خلال استخدامه للأسلحة الكيميائية في النزاع، تراجع الرئيس الأمريكي عن تهديده بتنفيذ ضربات للرد على ذلك، وربما ساعدت الفوضى الجارية في ليبيا، التي تدخلت ضمنها الولايات المتحدة للإطاحة بالديكتاتور معمر القذافي في عام 2011، على جعل أوباما أكثر تحفظًا في هذه المسألة.
“لا يوجد أي خيار جيد”، قال أوباما خلال زيارته للمملكة العربية السعودية في أبريل المنصرم، موضحًا بأن أي خطة بديلة لا تتضمن تسوية سياسية تخاطر بإطالة أمد الحرب لسنوات.
“لقد كان الرئيس واضحًا دائمًا حول عدم قناعته بأي حل عسكري للأزمة في سوريا، ومازال الأمر على حاله” قالت المتحدثة باسم البيت الأبيض جنيفر فريدمان يوم الجمعة المنصرم.
مصائر مجهولة
بصرف النظر عن عزمه لهزيمة داعش، تتضمن إستراتيجية أوباما لحل الأزمة السورية ثلاثة مراحل: إجبار الأسد على وقف أطلاق النار والدخول في محادثات “الانتقال السياسي”، الضغط عليه للتنازل عن السلطة، ومن ثم توحيد جيشه والقوى المعارضة المعتدلة للانضمام معًا والعمل ضمن جهود مكافحة الإرهاب.
ولكن بعد خمس سنوات من الحرب الأهلية، لم تبدأ سلسلة الحل في سوريا بعد؛ فالقتال يحتدم على الأرض رغم العديد من اتفاقات وقف إطلاق النار الجزئية بين الحكومة وجماعات المعارضة السورية، ولذلك، يقول معارضو سياسة إدارة أوباما، لن يشعر الأسد بضرورة وقف القصف والتفاوض، ما لم يتم الضغط عليه لذلك.
“العمل العسكري قد يدفع ويفرض العملية الدبلوماسية التي تقودها الولايات المتحدة بشكل أكثر قوة، مغيّرة تيار الصراع، وباعثة بإشارة واضحة للنظام ومؤيديه بعدم نجاعة أي حل عسكري”، جاء في الوثيقة.
ولكن إذا كانت الضربات الجوية الموجهة محدودة للغاية، فهل ستعمل حقًا على ترهيب الأسد للدخول في محادثات السلام أم ستجعله أكثر تصميمًا على الإمعان في خروقاته؟ وإذا كانت الولايات المتحدة تأمل في نهاية المطاف أن يتفاوض الأسد على رحيله، فما الحافز الجديد الذي تقدمه له؟
“التهديد بالضربات يجلب نتائج مذهلة” قال أندرو تابلر، الخبير في الشؤون السورية في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، مبديًا ترحيبه بما جاء في المذكرة، وتابع: “الأمر ليس غزوًا لسوريا ولا ابتدارًا لعراق آخر، الأمر يتعلق بمعاقبة الأسد لخرقه اتفاق وقف الأعمال العدائية، ويمكن لهذه المبادرة، إذا تم دعمها بالعزيمة اللازمة، أن تغير موقف الأسد التفاوضي المتنعت على نحو متزايد”.
تشير المذكرة أيضًا بأن تنفيذ هذا التدخل العسكري ضد نظام الأسد قد يعالج مشكلة نقص الدعم التي تشكو منها الأغلبية السنية في سوريا، مما يساعد الولايات المتحدة في أهدافها بعزل تنظيم داعش وهزيمته، حيث يقود السكان السنة المعركة ضد الأسد، الذي يتبع للأقلية العلوية الشيعية في سوريا.
ولكن إذا كان هنالك درس يمكن أن نتعلمه من ليبيا، فهو أن تدخل الولايات المتحدة لا يسفر دائمًا عن النتائج المرجوة؛ فبعد عام من الإطاحة بالقذافي، هاجم المسلحون البعثة الدبلوماسية الأمريكية في مدينة بنغازي، وحاليًا، لا تمتلك واشنطن أي وجود دبلوماسي داخل ليبيا.
روسيا
“لقد قلنا منذ بداية الأزمة السورية بأنه يجب أن يتم التدخل بشكل أكثر قوة”، قال وزير الخارجية السعودي عادل الجبير يوم الجمعة المنصرم، ولكن إذا كان التخطط للتدخل الأميركي في سوريا صعبًا منذ وقت مبكر من الأزمة، فلقد أصبح الآن أشد صعوبة بعد ابتدار روسيا لحملتها في النزاع منذ سبتمبر المنصرم.
مهاجمة قوات الأسد في الوضع الحالي، يخاطر بتصعيد الحرب بالوكالة مع موسكو، والتي قامت لأكثر من مرة باستهداف قوات المعارضة السورية المدعومة من الولايات المتحدة، ومن هذا المنطلق، ستتنامى فرص المواجهة غير المقصودة ما بين روسيا وأمريكا، إذا ما أنهى الجيشان التنسيق القائم بينهما الذي يقوم على تجنب قوات كل منهما حملة مكافحة الإرهاب المنفصلة التي يقودانها.
يقر معارضو السياسة الأمريكية الحالية بهذه المخاطر، ولكنهم مع ذلك يوضحون بأنه يتوجب على روسيا أن تكون جادة في سعيها لوقف العنف في سوريا والتفاوض على عملية الانتقال السياسي.
“لا أعتقد بأن ما جاء في المذكرة واقعي وناجع”، قال ستيفن بيدل، وهو أستاذ في جامعة جورج واشنطن قدّم عدة استشارات لقادة الولايات المتحدة حول الشرق الأوسط، وتابع: “إذا ما بدأنا باستخدام الضربات الجوية ضد النظام السوري، فمن المؤكد بأن روسيا ستزيد من وتيرة عملياتها ضد المعارضة المسلحة، ونظرًا لمشاركة روسيا العميقة في سوريا، فإن الرأي العام الأميركي لن يدعم التزام الولايات المتحدة بفرض التسوية من خلال القوة العسكرية”.
المصدر: ميامي هيرالد