يستمر النظام المصري في إشعال الحرب على المستشار هشام جنينة رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات السابق المقال من قبل الرئاسة بعد كشفه مستندات رقابية توضح حجم الفساد الكبير الذي وصلت إليه البلاد في السنوات الأخيرة، الأمر الذي دفع السيسي لتشكيل لجنة من المقربين للتحقيق في ادعاءات جنينة ترأسها أحد ألد خصومه.
خلصت اللجنة إلى ما تمناه السيسي وهو زيف ادعاءات جنينة، الذي تم تعيين نائبًا له قسرًا، وكذلك صدر تعديل بقانون من رئاسة الجمهورية يُعطي السيسي الحق في إقالة رؤوساء الأجهزة الرقابية المحصنة، وهي الإرهاصات التي سبقت عزل هشام جنينة من منصبه بالفعل رغم تحصينه بالدستور والقانون الداخلي للجهاز.
إشعال الحرب
تمسك جنينة بموقفه في كشفه لملف الفساد الأخير الذي أثار كل هذه الضجة، كما تمسك بعدم قانونية عزله، حيث طعن جنينة على قرار السيسي بإقالته.
اعتبر النظام هذه الخطوة تحديًا من جنينة، وبدأت الحرب عليه في شاشات التليفزيون قبل أن تنتقل لساحات القضاء، فانطلقت حملات إعلامية موالية للنظام تستهدف تشويه هشام جنينة ونزاهته، ثم فتحت قضايا قديمة بين وزير العدل السابق أحمد الزند والمستشار جنينة، حتى تطور الأمر إلى اتهامات صريحة لهشام جنينة بشأن تقرير الفساد الأخير تتحدث عن ترويجه لشائعات تضر بمصلحة البلاد، وكاد جنينة أن يُحبس على إثرها بعدما رفض الإفراج عنه بضمان مالي كي لا يعترف بهذه التهم الانتقامية من وجهة نظره، لكن ظروفًا عائلية تدخلت لإنقاذ جنينة من الحبس الاحتياطي.
مرحلة الانتقام
دخل النظام بعد ذلك في مرحلة الانتقام من هشام جنينة وكل ما يتعلق به، حيث خرج فجأة دون مقدمات، قرار من مجلس التأديب في هيئة النيابة الإدارية بمصر بفصل ابنة الرئيس السابق للجهاز المركزي للمحاسبات هشام جنينة من وظيفة معاون في الهيئة.
وجاء قرار الفصل بسبب تدوينة لها على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” اعتبرتها إدارة الهيئة سبًا وقذفًا لوزير العدل السابق أحمد الزند، وقد أرسل المجلس قراره إلى رئاسة الجمهورية للتصديق عليه.
بينما ذكرت شروق، نجلة المستشار هشام جنينة، رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات المقال، تفاصيل قرار عزلها من النيابة الإدارية، قائلة: “أثناء تواجدي بعملي فوجئت باتصال من إدارة التفتيش بالنيابة الإدارية بطلب حضوري لإخطاري علمًا بقرار السيد رئيس الجمهورية رقم 242 لسنة 2016 بفصلي من عملي دون إبداء أسباب وبغير الطريق التأديبي”.
وأضافت شروق: “علمت بأن هناك بعض الشائعات تروج من خلال بعض المواقع بأن السبب في قرار فصلي يرجع إلى ارتكابي أخطاءً فادحة في عملي وهو ادعاء كاذب وعارٍ تمامًا عن الصحة بشهادة رؤوسائي المباشرين”.
وتابعت شروق جنينة: “بعض الناس يروجون بأن فصلي تم بسبب بوست قمت بمشاركته على صفحتي الشخصية على فيسبوك منذ أربعة أشهر يتعلق بوزير عدل سابق وهو أمر تم التحقيق معي فيه ولم توقع أي عقوبة وقتها ثم أعقب ذلك اتخاذ وزير العدل الجديد قرارًا بحفظ كل الشكاوى المشابهة للشكوى المقدمة ضدي مما يجعلني أتساءل عن سبب استهدافي أنا وحدي بهذا الإجراء في هذا التوقيت”.
هكذا يتضح أن فتح هذه الملفات القديمة هي طريقة انتقامية من هشام جنينة في نجلته بعزلها هي الأخرى بطريقة مهينة على خلفية الخلاف بين والدها والنظام.
قائمة جديدة من الاتهامات بالعمالة لقطر
خرجت وسائل إعلام مصرية مؤخرًا معروفة بموالتها للنظام في حربه ضد المستشار هشام جنينة، واتهمته بتسريب معلومات ووثائق ومستندات خاصة ببعض جهات الدولة تضر بالأمن القومي المصري إلى القوات المسلحة القطرية.
الوثائق المدعاة تتهم رئيس الجهاز المركزي المعفي من وظيفته، بالتخابر مع الأجهزة القطرية، وذلك من خلال بعض مراجعي الجهاز الذين تم اختيارهم من مراقبي الوزارات الهامة وأبرزها وزارات الدفاع والداخلية والإنتاج الحربي والطيران والبترول والمؤسسات الصحفية وإرسالهم للعمل بالخدمة بالقوات المسلحة لقطر بامتيازات مالية مجزية عقب أحداث 30 يونيو 2013
وادعت وسائل الإعلام أن هذه الحالات مخالفة للقانون، وتمت دون الحصول على الموافقات الأمنية اللازمة، كما أنه جديرٌ بالذكر أن تلك الجرائم تصل عقوبتها إلى الأشغال الشاقة المؤبدة طبقًا لنص الماده 86 من قانون العقوبات، وهو ما يعني أن النظام أخذ قرارًا بالتنكيل بهشام جنينة تمامًا بإدراجه كخصم يجب معاقبته على طريقة الخصوم السياسيين.
ومؤخرًا خرجت جريدة اليوم السابع لتنشر بعض الوثائق الحصرية التي تقول إنها تعضد مجموعة من الجرائم عقوبتها السجن المشدد، وفي مقدمتها جريمة إلحاق عمالة بأحد الجيوش الأجنبية، وهي القوات المسلحة القطرية، دون الحصول على موافقات الجهات المختصة، وتسريب وثائق ومعلومات تضر بالأمن المصري إلى جهات أجنبية.
غالبية الوثائق تتحدث عن إعارات إلحاق مراجعين للوزارات السيادية بمصر للعمل بالقوات المسلحة القطرية، وهو إجراء شهير داخل الأروقة القضائية في مصر، اتهموا هشام جنينة بالموافقة عليه دون الرجوع للجهات الأمنية.
بهذا المنحنى قرر النظام اعتبار جنينة خصم سياسي يجب أن تلحق به تهمة سياسية تروج للرأي العام لتسهل التنكيل به في المرحلة المقبلة، ولا يوجد أفضل من الاتهام بالعمالة لدولة قطر، وهي نفس التهمة التي يُحاكم بها الرئيس السابق محمد مرسي وبعض معاونيه، وهو ربما ما يعني عدم فعالية التهم التي وجهت لهشام جنينة في بداية الأمر ليتم استداعاء هذه الحزمة السياسية من التهم التي ستدخل هشام جنينة في دائرة الخصومة السياسية، وهو ما سيسهل على النظام عملية تصفية الحسابات معه والتنكيل به، الأمر الذي قد يصل إلى سجنه مدة طويلة بتهمة العمالة.