كشفت صحيفة نيويورك تايمز تفاصيلًا جديدة حول الدور الذي قد تكون السعودية لعبته ضمن المؤامرة الإرهابية التي قادت إلى حوادث 11 سبتمبر لعام 2001، وذلك في تقرير نشرته يوم الجمعة تحت عنوان “إمام سعودي، خاطفان، ولغز متبقٍ لحوادث 11 سبتمبر”.
ابتدرت الصحيفة تقريرها، الذي حرره الصحفيان مارك مازيتي وسكوت شاين، بالإحالة إلى التحقيق الذي أجراه محققان أمريكيان من موظفي اللجنة المختصة بالتحقيق في حوادث 11 سبتمبر، مع فهد الثميري، المسؤول القنصلي السعودي السابق في لوس أنجلوس وإمام مسجد زاره الخاطفان المتهمان بتنفيذ العملية، داخل قصر فخم في الرياض أواخر إحدى الليالي في فبراير من عام 2004.
كان المحققان يظنان بأن ربط الثميري بالمؤامرة الإرهابية قد يساعد على إثبات تواطؤ الحكومة السعودية في الهجمات الدامية التي شهدتها أمريكا حينها، ولكنهما كانا على خطأ؛ فخلال المقابلتين اللتان استمرتا لأربع ساعات، نفى الثميري أي علاقة له بالخاطفين أو شركائهم المعروفين، وبعد مواجهته بسجلات الهاتف التي بدت متناقضة مع إجاباته، لم يقدم الثميري أية تنازلات، متذرعًا بأن السجلات خاطئة أو أن بعض الأشخاص يحاولون تشويه سمعته، وحينها كتب المحققون تقريريهم إلى رؤسائهم موضحين بأنهم يعتقدون بأن الثميري ربما كان يكذب، وذلك على الرغم من أن جميع التحقيقات الحكومية في هجمات 11 سبتمبر لم تجد أي أدلة قاطعة على أن الثميري – أو أي مسؤول سعودي آخر – قد ساعد في المؤامرة التي قادت إلى الحوادث الشهيرة.
ولكن بعد حوالي 15 عامًا من الهجمات على نيويورك وواشنطن، عادت مسألة التدخل السعودي في المؤامرة لتظهر إلى سطح المشهد مرة أخرى وسط الدعوات الجديدة التي تحث الحكومة الأمريكية للإفراج عن التحقيق المؤلف من 28 صفحة، الذي أجراه الكونجرس في عام 2002 حول الهجمات، والذي أخفت الحكومة الأمريكية نتائجه، التي تتحدث عن الدور السعودي المحتمل في المؤامرة، منذ فترة طويلة.
يشير المسؤولون الأميركيون الذين اطلعوا على التقرير بأنه ومن بين جميع خيوط التحقيق في هذا الجزء من التقرير، تبقى الأسئلة التي لم تلقَ إجابات حول السيد الثميري والخاطفين هي الأكثر إثارة للاهتمام؛ لذا، وإذا لعبت الحكومة الحكومة السعودية أي دور ضمن الحوادث، وهو الأمر الذي ما زال البعض يؤمن به، فإن هذا الدور قد مر على الأرجح من خلال الثميري.
أسفرت حقيقة عدم توصل سنوات من التحقيق لأية براهين دامغة على أي تورط سعودي رسمي بالمؤامرة إلى قول البعض، لا سيما الحكومة السعودية، بأن الإصرار على إقحام السعودية بالأمر هو نوع من التخمين الجامح والمؤامرة المحاكة ضد المملكة، حيث أشار وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، خلال مؤتمر صحفي في أمريكا يوم الجمعة، بأنه تم مراجعة الأدلة في تقرير الـ28 صفحة بشكل شامل، موضحًا بأن “التحقيقات كشفت زيف هذه الادعاءات”.
في ذات السياق، أشار جون برينان، مدير وكالة الاستخبارات المركزية، خلال مقابلة لع مع قناة العربية المملوكة للسعودية، بأنه وعلى الرغم من تأييده لضرورة إفراج الحكومة الأمريكية عن تقرير الـ28 صفحة، إلا أنه ” لا يجب على الأشخاص أن يأخذوا هذا التقرير كدليل على التواطؤ السعودي في هذه الهجمات، فالتحقيقات الأميركية في حوادث سبتمبر، خلصت إلى أن الهجمات كانت من عمل تنظيم القاعدة وأسامة بن لادن وآخرين من أمثاله، كما قال برينان.
ولكن بالنسبة للبعض، فإن جميع الأدلة المكانية تشير إلى حقيقة لم يتم الكشف عنها، حيث يقول ريتشارد لامبرت، الذي أشرف على التحقيق في اتصالات الخاطفين من منصبه كعميل مساعد مسؤول عن مكتب سان دييغو التابع لمكتب التحقيقات الفيدرالي في العام الذي تلا وقوع الهجمات: “إنها إحدى تلك القضايا التي تمتلك عددًا ضخمًا ومثيرًا للقلق من المصادفات”.
داخل ممرات مكتب التحقيقات الفيدرالي، لا تزال مؤامرة 11 سبتمبر قضية مفتوحة رسميًا، وفي الوقت الذي يوجد فيه اتفاق واسع حول الكيفية التي وقعت فيها الهجمات، إلا أن هناك بعض الجوانب من التحقيقات التي لا تزال مستعصية ودون حل.
يبدأ غموض القضية مع وصول السعوديان، نواف الحازمي وخالد المحضار، إلى مطار لوس أنجلوس الدولي في يوم 15 يناير من عام 2000، وهما الشخصان اللذان كانا من بين الخاطفين الذين اختطفوا طائرة الخطوط الجوية الأمريكية في الرحلة رقم 77 لتحطيمها، بعد حوالي العام ونصف العام من دخولهما البلاد، في مبنى البنتاغون.
بصرف النظر عن التفاني الجهادي المثبت لكلا الرجلين، يبدو من غير المرجح بتاتًا قدرتهما على البقاء وحدهما وبدون مساعدة على قيد الحياة وتخطيطهما لمؤامرة خلال عدة أشهر ضمن الولايات المتحدة، خاصة وأنهما لا يتحدثان اللغة الإنجليزية كما لا يتمتعان بأي خبرة للخوض في غمار الحياة الأميركية.
هذه الظروف الغامضة المحيطة بالرجلين جعلت من الضروري بالنسبة لمكتب التحقيقات الفيدرالي معرفة ما إذا كان الخاطفان قد تلقيا أي مساعدة بعد وصولهما إلى لوس أنجلوس، ولكن التدقيق والتحري الشامل للفنادق التي نزلا بها لم يكشف للمكتب أي دليل قاطع عن الكيفية التي أمضى بها الحازمي والمحضار أول أسبوعين لهما في الولايات المتحدة، ولكن بحسب بعض التقارير، زار الخاطفان مسجد الملك فهد في منطقة كلفر سيتي، وهو المسجد الذي كان الثميري إمامًا ضمنه، وأقاما في شقة قريبة مستأجرة من قِبل المسجد.
خلصت وثيقة صادرة عن مكتب التحقيقات الفيدرلي عام 2012، تم الاستشهاد بها في العام الماضي من قِبل لجنة مراجعة مستقلة، إلى أن الثميري “عيّن فورًا أحد الأشخاص لرعاية الحازمي والمحضار خلال فترة وجودهما في لوس أنجلوس”، وهي النتيجة التي أيّدت بشكل كبير استنتاجات لجنة الحادي عشر من سبتمبر حول التدخل السعودي، ولكن مكتب التحقيقات الفيدرالي بقي عاجزًا عن شغر الفجوات الزمنية الأخرى ضمن الجدول الزمني خلال فترة الأسبوعين الأوليين في يناير من عام 2000.
عندما عاد الخاطفان للظهور إلى العلن مرة أخرى في أوائل فبراير من ذات العام، تبين بأنهما كانا يتناولان الطعام في مطعم يسمى (Mediterranean Gourmet)، يقع بالقرب من المسجد، وهناك، التقيا بعمر بيومي، وهو مواطن سعودي يقبض رواتبه من الحكومة السعودية من خلال الهيئة العامة للطيران المدني في البلاد، حيث يُرجح بأنه كان مكلفًا من الحكومة بمهمة مراقبة المعارضين السعوديين في ولاية كاليفورنيا.
في وقت لاحق، أخبر بيومي مكتب التحقيقات الفيدرالي بأن لقاءه مع الخاطفين كان محض مصادفه، زاعمًا بأنه سمعهما يتحدثان العربية بلهجة خليجية ضمن المطعم وتوجه إليهما ليفتتح حديثًا معهما، ولكن المكتب يعتقد بأن بيومي كان قد التقى مع الثميري في المسجد قبل اجتماعه مع الخاطفين في المطعم، وتساءل المحققون فيما إذا كان الثميري قد رتب للقاء بينهم.
في ذلك الوقت، كان الثميري جزءًا من شبكة ممثلين عن وزارة الشؤون الإسلامية السعودية في أمريكا، تعمل على تمويل بناء المساجد، تدريب رجال الدين، وتنشر المذهب الوهابي، وخلال حديثه في الرياض في عام 2004، تحدث الثميري باعتزاز عن السنوات الست التي قضاها في لوس أنجلوس، مشيدًا بالطقس اللطيف والشعب الودود، وموضحًا بأن وظيفته ضمن القنصلية السعودية والمسجد القريب منها كانت تتمثل بالإجابة على الأسئلة الدينية للمواطنين.
ولكن المحققين كتبوا في تقريرهم بأن الثميري كان يبدو “كاذبًا” عندما سُئل عن اتصالاته، لا سيما مع بيومي، حيث نفى معرفته بالأخير، على الرغم من التسجيلات الهاتفية التي أظهرت وجود 21 مكالمة هاتفية بينهما منذ أكثر من عامين.
سواء أكان فعله نابعًا من غريزة فعل الخير أو بتوجيه من شخص ما، ساعد بيومي، الذي كان حينها بعمر الـ42 عامًا، الخاطفين المستقبليين للاستقرار في سان دييغو ضمن مبنى سكني يعيش هو ذاته ضمنه، حيث شارك في توقيع عقد الإيجار، ودفع مبلغ التأمين وإيجار الشهر الأول، علمًا بأن الخاطفين أعادا له تلك المبالغ.
يوضح لامبرت، مسؤول مكتب التحقيقات الفيدرالي السابق في سان دييغو، تشككه من أن المساعدة التي قدمها بيومي جاءت عن طريق الصدفة، كون التخطيط لتنفيذ حوادث سبتمبر يعوّل على قدرة الخاطفين على إدارة حياتهما اليومية، مما يرجح ترتيب قادة تنظيم القاعدة المسبق لحصول الخاطفين على المساعدة، كما يقول لامبرت.
“يجب علي أن أؤمن بأن هنالك خطة ما لرعاية هؤلاء الرجال بعد وصولهم” قال لامبرت، وأضاف: “الرجلان لم يكونا على مستوى عال من الحرفية، فهما لم يتكلما الإنكليزية، وكانا بحاجة للمساعدة لتسوية أمورهما وترتيب الاستعدادات”.
فضلًا عما تقدم، تشير التحقيقات إلى إمكانية وجود شبكة أخرى محيرة من المساعدين في ترتيب المؤامرة؛ فعندما باشر الحازمي والمحضار بحضور الصلاة في مسجد سان دييغو كان إمام المسجد هو أنور العولقي، رجل الدين الأمريكي الذي أصبح بعد سنوات أحد أشهر دعاة تنظيم القاعدة على شبكة الإنترنت، كما تشير التحقيقات إلى قيام طالب يمني يدعى محضر عبد الله باصطحاب الخاطفين حول المدينة، حيث ساعدهما على فتح حسابات مصرفية وربطهما مع مدارس تعليم الطيران، فضلًا عن كشف التحقيقات لوجود اسم الحازمي ضمن قائمة اتصالات ضابطين من البحرية السعودي يعيشان في سان دييغو.
ولكن مع ذلك، بقيت صلات الثميري- بيومي هي الأكثر أهمية وغموضًا لدى بعض المحققين.
جمعت لجنة التحقيق المستقلة الأولى في الهجمات، لجنة تحقيق الكونغرس المشتركة، قائمة من الأدلة حول الجزء المتعلق بكاليفورنيا من المؤامرة، وأودعتها لدى مكتب التحقيقات الفيدارلي ووكالة المخابرات المركزية، لتصبح تلك المعلومات في نهاية المطاف جزءًا من تحقيق الـ28 صفحة الذي تم حجبه عن الإصدار العام، حيث بقي هذا المقطع من التحقيقات سريًا على الرغم من مطالبة الحكومة السعودية منذ فترة طويلة للإفراج عنه، وأكد الجبير على دعوة السعودية للإعلان عن مضمون التقرير يوم الجمعة، موضحًا بأن حكومته لا يمكنها أن ترد على صفحات فارغة.
تأتي الأسئلة التي تُطرح حول الدور المحتمل للحكومة السعودية في أحداث سبتمبر من عدة مصادر، حيث أقر مجلس الشيوخ الشهر الماضي بالإجماع مشروع قانون يُسهّل من شروط رفع دعوى قضائية ضد الحكومة السعودية لأي دور محتمل لها في الهجمات الإرهابية، كما أن الدعوى القضائية التي تم رفعها ضد المملكة العربية السعودية بالنيابة عن عائلات الذين قتلوا في الهجمات تواصل تقدمها البطيء ضمن المحاكم الأمريكية.
في هذا السياق، حذرت إليانور هيل، مديرة المحقيين في الكونجرس، من أن تقرير الـ28 صفحة ليس حجر رشيد لفك طلاسم الألغاز الدائمة لحوادث سبتمبر، حيث صرّحت في بيان لها قائلة: “تقرير الـ28 صفحة هو عبارة عن ملخص للمعلومات تم تزويد الوكالات بها لإجراء المزيد من التحقيق، ولا أحد يجب أن يتوقع بأن هذه الـ28 صفحة ستزودنا بالنتيجة النهائية”.
من جهة أخرى، أصرّ توماس كين ولي هاملتون، رئيسا لجنة أحداث سبتمبر، في بيان لهما في أبريل بأنهما تناولا جميع التساؤلات حول الدور السعودي المحتمل في المؤامرة على محمل الجد، وتتبعا كافة الأدلة في تقرير الـ28 صفحة، وأوضحا بأنه في حين أن اللجنة “لم تعثر على دليل” يرجح قيام الثميري بمساعدة الخاطفين، إلا أنه “لا يزال موضع اهتمام” في هذه القضية.
فضلًا عن ذلك، جاء في التقرير النهائي للجنة: “لم نعثر على أي دليل يرجح قيام الحكومة السعودية كمؤسسة أو كبار المسؤولين السعوديين بشكل فردي بتمويل تنظيم القاعدة”، وتعقيبًا على ذلك، يشير بعض أعضاء اللجنة اليوم بأن صياغة التقرير النهائي لم تستبعد احتمالية مساعدة المسؤولين السعوديين الأقل درجة للخاطفين، فضلًا عن تصريحهم بأن اللجنة كانت تعمل تحت ضغط الوقت ولم تكن قادرة على متابعة كافة الدلائل بشكل كامل.
أخيرًا، تُظهر الوثائق بأنه تم إلغاء تأشيرة دخول الثميري إلى أميركا بهدوء في عام 2003، لأن المسؤولين الأمريكيين يعتقدون بأنه “إمام متطرف”، وعندما حاول العودة إلى لوس أنجلوس بعد رحلة إلى السعودية، تم احتجازه لمدة يومين وإعادته إلى المملكة العربية السعودية.