تصر الحكومة الإيرانية الحالية على وضع مكافحة الفساد على رأس أولوياتها، ولكن الأمر يظل في إطار المزاعم بعد أن تفجرت قضية الرواتب الفلكية لأعضاء الحكومة الذين يتحدثون عن مكافحة الفساد.
الصحف الإيرانية ساخطة للغاية على هذا التناقض الذي احتل العناوين الرئيسية في إيران لبضعة أيام، وهو ما شكل ضغطًا على الحكومة أدى إلى استقالة رئيس الهيئة الرقابية على التأمين الحكومي، محمد إبراهيم أمين.
إيران التي تعاني من أثار الركود الاقتصادي أصبحت على أرقام تقارير تتحدث عن وصول مبالغ رواتب كبار الموظفين في إيران إلى 50 ضعف الحد الأدنى للأجور، خاصة المسؤولين التنفيذيين في مؤسسات مالية وتأمينية تابعة للدولة.
الاتهامات تطال روحاني
طالت الاتهامات الموجهة للحكومة الإيرانية الرئيس حسن روحاني، حيث استغل خصومه القضية المشتعلة للهجوم عليه متهمينه بتسهيل مرور التشريعات التي أجازت تمرير هذه المدفوعات الباهظة إلى بضعة موظفين كبار في الدولة، في الوقت الذي يعاني فيه الشعب الإيراني من كساد اقتصادي.
وعلى الفور أصدر روحاني تعليماته بفتح تحقيقات موسعة في هذه الاتهامات التي طالت حكومته، وقد أشار الجناح الحكومي الموالي لروحاني أن بعض هذه النفقات شرعية قانونيًا، وهي إرث من الرئيس السابق أحمدي نجاد، ولكن الحكومة الحالية ستعمل على معالجة هذا الأمر.
جدير بالذكر أن هذه ليست قضية الفساد الأولى التي تعزيها إدارة روحاني إلى عهد أحمد نجاد، فلم تكد تهدأ قضية الفساد التى تورط فيها رجل الأعمال الإيرانى بابك زنجانى، حتى ظهرت قضية فساد أخرى ضمن سلسلة فضائح الفساد التي ظهرت تبعًا في إيران، حيث أعلن فرشيد جلزاده الرئيس التنفيذى لسلسلة متاجر “رفاه” الإيرانية العملاقة عن اختلاس وقع فى عهد حكومة الرئيس السابق أحمدى نجاد قدر بـ 13 مليار تومان.
وقبل عامين اعتقل 20 مسؤولًا ومديرًا في الحكومة السابقة بسبب قضايا فساد مالي وقعت بين عامي 2010 و2013، وقد استدعت وزارة الاستخبارات 30 شخصًا آخرين للتحقيق، لمعرفة دورهم وحجم المخالفات المالية المتورطين بها.
وتحذر الحكومة الحالية من التركيز على مثل هذه القضايا لأنها ستضر بسمعة الاقتصاد الإيراني الذي يأمل في جذب استثمارات كبيرة بعد رفع العقبات جزئيًا عن إيران عقب الاتفاق النووي مع الغرب، وهو الأمر الذي تعول عليه حكومة روحاني للخروج من الكبوة الاقتصادية الحالية.
وكان الرئيس الإيراني، حسن روحاني، بدأ حملة منظمة ضد الفساد، حيث إنه جعل هذه القضية من أولوياته منذ استلامه السلطة في أغسطس 2013، وكشفت حكومة روحاني عن سلسلة من قضايا الفساد الكبرى في البلاد، وأحالت العشرات من المتورطين بها إلى القضاء خلال الأشهر الأخيرة، على رأسهم نائب الرئيس الإيراني السابق.
وفي شهر مايو من العام 2014 على خلفية هذه الحملات جرى تنفيذ حكم الإعدام في رجل الأعمال الملياردير مهافريد أمير خسروي، بعد إدانته بفضائح تتعلق بالرشوة والاختلاس والتزوير وغسيل الأموال، ما كبد 14 مصرفًا إيرانيًا حكوميًا وخاصًا حوالي 2.6 مليار دولار.
صراع بين تيارين في الحكم
ثمة صراع قائم بين حكومة روحاني والمحافظين الموالين لأحمدي نجاد، وهو ما أدى إلى الكشف عن فضيحة مالية هي الأكبر في تاريخ إيران تمت في عهد أحمدي نجاد.
نشرت وسائل الإعلام الإيرانية على إثرها قائمة سرية تحتوي على أسماء وزراء ومسؤولي حكومة أحمدي نجاد، المتورطين بفضيحة فساد مالي كبيرة، تتضمن سحب حوالي 70 مليار دولار من حساب البنك المركزي الإيراني كقروض ومنح خلال 8 سنوات.
ويرى مراقبون أن هذه الفضيحة تعد أكبر ضربة للمرشد الأعلى الإيراني، علي خامنئي، الذي كان من أشد المؤيدين لحكومة أحمدي نجاد، وقد وصفها عدة مرات بأنها أكثر الحكومات نزاهة في تاريخ إيران.
فضيحة الرواتب الأخيرة التي ظهرت مؤخرًا وطالت روحاني كانت ذريعة قوية لإعادة الكرة من هذا التيار المحافظ للهجوم على روحاني وحكومته، حيث تدوالت الصحافة الإيرانية ارتباط شقيق روحاني برئيس بنك “رفاه”، المتورط بفضيحة الرواتب العالية، وقبل ذلك ترددت تقارير بشأن تورط شقيق روحاني، حسين فريدون، في شبكة فساد اقتصادية وتم استجوابه بشأنها.
وقد ردت إدارة روحاني على هذه الاتهامات بقولها: إن ما يُتدوال في الأيام الأخيرة حول فساد مقربين من روحاني غاياته سياسية تسبق الانتخابات الرئاسية المقررة صيف 2017.
وتأتي هذه الأنباء في وقت شديد الحساسية بالنسبة إلى الرئيس روحاني، الذي يواجه قدرًا متزايدًا من الضغوط الداخلية من أجل تعزيز اقتصاد البلاد، وهي النتيجة المتوقعة لإبرام الاتفاق النووي ورفع العقوبات الاقتصادية عن كاهل البلاد.
الأمر الذي اضطر الحكومة الإيرانية لتقديم الاعتذار للمرة السابعة خلال فترة قصيرة للغاية، والتضحية ببعض الموظفين في الهيئات الرقابية، لمحاولة لتلافي هذا المأزق في ظل اقتراب موعد الحساب على الوعود الانتخابية لروحاني التي كان جلها اقتصاديًا، ومن الواضح أن روحاني لم ينجح في الكثير منها حتى الآن، وقد تبقي له عامًا واحدًا في هذه الولاية.