اليمن: أزمة الإمارات مع الإسلاميين تُدمر تعز والقادم أسوأ!

علامات استفهام كثيرة تدور بخلد المراقبين حول السبب الرئيس وراء التأخر في إنقاذ تعز من جرائم الانقلاب الحوثي اليومية ضد المدنيين فيها، خصوصًا بعد تحرير عدن ولحج، وبقيت هي كمدينة مجاورة للمدينتين المحررتين، والمعبر الرئيس لمنطقة الوسط ومنه إلى صنعاء، إن أراد التحالف فعلاً تحرير العاصمة الموحدة للبلاد، فلماذا كان التأخير؟
خطة التقسيم
هل تعتبر تعز عائقًا أمام اليمن المقسمة بعد التحرير التي تريدها بعض الدول المشاركة بالتحالف مثل الإمارات مثلاً؟ لأن تحريرها حاليًا قبل العاصمة صنعاء سيضمها لمدن الجنوب عدن ولحج، بما يُزيل الملمح التقسيمي لوضع اليمن الآن، والسيطرة على تعز من طرف “التحالف” والحكومة، يضرب بالمقابل فرص استعادة الجنوب السياسي على قاعدة حدود جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية بالنسبة لأي طرف يضع في اعتباره فكرة التقسيم، وبالتالي تتوقف خطة التقسيم المحتملة القائمة على فصل الجنوب عن الشمال أو “فك الارتباط”، كما يروج لها البعض، والعودة باليمن لما قبل اتحاد عام 1990؛ لتكون يمن الشمال بالعاصمة صنعاء، وأخرى بالجنوب وعاصمتها عدن.
ساحة استنزاف
منذ الانقلاب الحوثي باليمن، ولا هدنة تصمد في المدينة، ولا تسري فيها قوانين إنسانية توقف نزيف الدم اليومي، ولم تدخل في حسابات أطراف الصراع وحلفائهم الإقليميين، وتحولت عملية تحرير تعز من خيارٍ عسكري للتحالف العربي والشرعية اليمنية، إلى خطاب للاستهلاك الإعلامي، يتم توظيفه للضغط على خصومها أو امتصاص نقمة حلفائها، حتى إن مصالح أطراف الصراع تلاقت في تحويل المدينة إلى ساحة استنزاف، تتقاتل فيها فصائل المقاومة الشعبية إخوان وسلفيين، تحت أجندات التحالف العربي، لترويض بعضها بعضًا، وتقاتل فيها مليشيات الحوثي وقوات علي عبدالله صالح لتهديد الشرعية في عدن.
ورقة مساومة
جانب آخر من المحللين يربط أسباب “تمنع” التحالف عن تحرير تعز بخيار الدولة الاتحادية، والمضي نحو اللامركزية كاملة الصلاحية، حيث تشكل تعز معدل الترجيح في وضع حد لسلطة الحكم المركزي القائم على القهر والغلبة، والتوجه نحو الدولة الاتحادية القائمة على الركائز الثلاث الجمهورية والديمقراطية والمواطنة الاتحادية، أم أن تعز كما يرى البعض الآخر من المراقبين أضحت ورقة مساومة من قبل الحوثيين، والرئيس السابق وكذلك قوات التحالف التي تتاجر بجثث شهدائها في لقاءاتها المستمرة أمام العالم، لكسب نقاط ضد الانقلاب وداعمته إيران، وفي النهاية المضار من كل ذلك هي تعز وأهلها.
منذ اللحظة الأولى لتحرير عدن ولحج من سيطرة الحوثيين وميليشيا صالح، توجهت الأنظار صوب تعز لأنها المحافظة المجاورة، وطريق التقدم نحو مناطق الوسط وصولاً إلى صنعاء، لكن قوات التحالف غيرت خططها بدون مقدمات، وقررت عدم مواصلة تقدمها إلى حين “ترتيب الأوضاع” في عدن ولحج، متذرعة في ذلك بما أسمته بالحضور القوي لعناصر القاعدة بالمدينتين المحررتين.
وهنا قررت الإمارات – اللاعب الرئيس على الساحة الجنوبية اليمنية – عدم خوض معركة التحرير، مادامت الجماعات الموالية لتجمع الإصلاح الإسلامي “إخوان اليمن” هي الأكثر حضورًا في المدينة، قياسًا للكره المستمر من قبل الإمارات لجماعة الإخوان في المنطقة ككل، ورأت الإمارات أن أي حسم للمواجهة في تعز سيجعلها في قبضة الإسلاميين، حتى إنها ضغطت باتجاه عزل محافظ عدن بسبب انتمائه لحزب الإصلاح، وطالبت أيضًا بتجهيز قوات نظامية تتولى مهمة تحرير تعز، بعيدًا عن مشاركة الإخوان بها.
خطة مكشوفة
الخلافات الإيديولوجية بين قوات التحالف، واللاعب الجنوبي الفاعل فيها “الإمارات”، وبين الإسلاميين عمومًا، كانت سببًا رئيسيًا في فشل محاولات تمت على استحياء لتحرير تعز، ربما أريد لها الفشل وليس النجاح، ولكن لتكتب محاولة بدلاً من الاتهامات بغض الطرف عنها، وكانت هذه المحاولات فقط بدافع الحرج من القوى السياسية المنضوية تحت الشرعية اليمنية، المؤيدة لتدخلها في اليمن، لكنها لم تكن جادة، ولا وفق خطةٍ حربية مدروسة.
ما يدعم هذا التصور هي العملية التي أطلقتها قوات التحالف والحكومة اليمنية لتحرير تعز، وتركزت على محورين أحدهما غربي عبر مضيق باب المندب، مرورًا بميناء المخا وصولاً إلى المدينة، والثاني من جهة الشرق عبر محافظة لحج مرورًا بمنطقة كرش وصولاً إلى الراهده، وكأن واضعي الخطة المكشوفة أرادوا لها الفشل وليس النجاح، لأن أي قارئ للجغرافيا اليمنية يعلم تمام العلم أن الهجوم على تعز من الجهة الشرقية أمر مستحيل، فما بالك بميليشيا صالح الأكثر خبرة من الجميع بجغرافيا البلاد، فالتضاريس الصعبة والمعقدة لتلك المنطقة تمنع أي تقدم لقوات التحالف، وبالتالي سيتركز الهجوم على المنطقة الغربية، وهو ما استعد له الانقلابيون وصالح، فأفشلوا محاولة التقدم للقوات الحكومية وقوات التحالف تجاه المدينة، ليعود التحالف لفتح جبهة جديدة في محافظة حجة، وصعدت قوات الحكومة من هجماتها على مواقع الحوثيين وصالح في محافظة ريف صنعاء، وأطراف محافظة مأرب، لكن دون استكمال تجهيز قوات الجيش الجديدة التي ستتولى معركة تعز، وهي علامة استفهام كبيرة!
تجاهل متعمد
رغبة الإمارات في عدم تحرير المدينة الأهم الآن بالمشهد اليمني ربما كانت مقبولة لدى قوات التحالف المتشككة في نوايا الإسلاميين، لكنها أغفلت كارثة أهم وهي نوايا الحوثيين في الهيمنة عليها، فتعز تتميز بموقعها الجغرافي الذي جعلها أكثر منطقة مغرية بالنسبة للأطماع الخارجية التوسعية في اليمن، فهي تقع في الزاوية الغربية الجنوبية للبلاد، وتتوسط اليمن جنوبًا وشمالاً، كما تشرف على مضيق باب المندب الاستراتيجي، وتطل سواحلها عن قرب على دول القرن الإفريقي، وهي الميزة التي دفعت إيران للاستماتة في السيطرة عليها كمدخل لباب المندب، بغرض التحكم في مسار الملاحة الدولية وحرية إيصال الأسلحة للحوثيين، واستغلالها للتمدد مذهبيًا نحو الجنوب اليمني السني، ولتستثمر سواحلها القريبة والمطلة على دول القرن الإفريقي، لتكون تعز منطلقًا لأهداف استراتيجية، تتمثل في التمدد الشيعي في القرن الإفريقي ووسط إفريقيا.
كما يمكن لإيران من خلالها أن تضع منطلقًا لمذهبها الشيعي الإثنا عشري في اليمن أولاً، والقرن الإفريقي ثانيًا، خصوصًا وأن كثافة تعز السكانية وانتشارهم ومدنيتهم عوامل كافية وقادرة على تحقيق تلك الأهداف، كما أن السيطرة على أبناء تعز فكريًا، يحقق للإيرانيين وذراعهم (الحوثيين) حلم السيطرة على اليمن، ثم القرن الإفريقي اعتمادًا على ما تمتلكه إيران في إريتريا من قطاع تعليمي كامل للوصول إلى إفريقيا، فهل تتغاضى الإمارات عن هذه المخاطر نكاية فقط في الإخوان، أم أنها تدركها تمامًا وتوافق عليها؟
تدمير المقاومة
خطورة أخرى لا تدركها دول التحالف – خصوصا الإمارات – في سعيها لإزاحة قيادي ينتمي لحزب الإصلاح “الإخوان المسلمين”، العدو التقليدي للإمارات، أو نية تعزيز قوة فصيل سياسي على حساب الفصائل الأخرى، كون هذه الخطوة تجعل مقاومة تعز من دون قيادة ميدانية، تستطيع السيطرة على الصراع المنفلت بين فصائل المقاومة، والتي تطوّرت إلى مواجهاتٍ مسلحة بين المقاومة المحسوبة على حمود المخلافي “الإخوان”، وفصائل السلفية، كتائب حسم تحديدًا، حتى إن الدعم الإماراتي كله يذهب نحو أبو العباس القائد السلفي الأبرز في تعز، والذي يتنافس ضمنيًا مع المخلافي على السيطرة في المدينة، وسيؤدي تجاهل حل صراعات كهذه، وتغذية أسبابها إلى تكريس احتقانات اجتماعية وسياسية، قد تُفجر شكلاً آخر من الحرب في المدينة.
نار تحت الرماد
خلاصة القول أن كلفة الحرب في مدينة تعز المنهكة ستكون باهظة على جميع أطراف الصراع، وعلى مستقبل اليمن، وقد يتحول القهر الشعبي من انتهاكات الانقلابيين وميليشيا صالح، وتجاهل التحالف والشرعية معاناتها، إلى عنف اجتماعي يغذّى نمو الجماعات الدينية المتشددة، تدفعها للمناداة بإطار جغرافي واجتماعي منغلق، يدعم فكرة الانقسام وليس التوحد، وهو هدف الكثير من القوى الإقليمية الآن.