وصف مسرور برزاني نجل رئيس أقليم كردستان مسعود البرزاني السلام بعد نهاية داعش أنه مرهون بالتقسيم؛ مصورًا أن سبب الخلافات أسباب طائفية ومذهبية وعرقية.
يبدو أن تصريح مسرور لا يمثل وجهة نظر الإقليم بصورة عامة، في ظل خلافات تعصف بين جبهة تمثل الحزب الديموقراطي الكردستاني بقيادة مسعود البرزاني، وتطلعاته بالبقاء على رئاسة الإقليم تحت هذا الشعار، مناغمًا للتوجهات الأمريكية السابقة، التي تدعو للتقسيم إلى ثلاث دويلات.
في ظل مجريات الأحداث العراقية، ومواجهاتها لأكبر هجمة إرهابية بربرية، فقد تعززت الرؤية التي تقول لا يمكن العيش إلاّ في عراق موحد، وداعش من صناعة خارجية، ساهمت أطراف دولية بانتشارها، منها من رفض العملية الديموقراطية العراقية لأسباب طائفية، وأخرى تؤمن بمشروع تقسيم المنطقة إلى دويلات ضعيفة يمكن استحلابها، وانتزاع الحكم من المناطق السنية لشخصيات لا تؤمن بالعملية السياسية، وترفض التعايش السلمي والتقسيم أساس بناء دولتها التوسعية الإرهابية، التي توفر الأسباب للتدخلات الدولية وإشغال المنطقة بنزاعات تستنزف بترولها وشبابها، وبذاك تخرج طبقة سياسية وجماهير مؤيدة للتقسيم.
الشاهد على عدم قبول معظم جماهير المناطق السنية بداعش، هو هروب الملايين إلى خيام النزوح وترك الأموال والبيوت وآلاف القصص التي تتعلق بالبشاعة وهتك الشرف، واللجوء إلى مناطق أغلبها شيعية، فتبددت التصورات حين آوتهم الحسينيات واعتنت بهم المرجعيات الدينية والسياسية، فيما لم تستطع كردستان مقاومة الأزمة الاقتصادية وهي لم توفر رواتب موظفيها لأشهر، وإخلالها بالاتفاقية النفطية التي تلزمها بتصدير 550 ألف برميل نفط يوميًا مقابل حصولها على حصتها 17% من الموازنة.
إن حديث مسرور برزاني يأتي في سياق الضغط على الحكومة المركزية لسببين: أولهما إبعاد النظر عن الخلافات الكردية التي قد تتوحد بخلافات المركز، والثانية للشعور بنهاية مرحلة الإرهاب الوشيكة التي تتطلب إعادة ترتيب الأوراق، وبذاك يستخدم ورقة التقسيم كأداة ضاغطة على المركز، في ظل واقع عراقي أثبت أن قوة العراق بوحدته ولم تعد الخلافات وسيلة لتحقيق مكاسب شعبية، وهذا ما يدعو لسياسة دولة مدنية عابرة للمكونات، تستطيع العبور إلى بر أمان السلام والقضاء على الإرهاب والفساد والمصالح الحزبية.
مشكلة العراق ليست طائفية أو قومية، بقدر ما هي خلافات سياسية تستخدم عواطف الجماهير لمآرب ضيقة، ولا يمكن لبلد أن يعيش بين دويلات منقسمة بالتحارب.
العام الحالي هو عام التسويات الدولية، وفي العراق حاجة إلى تسوية الخلافات السياسية والذهاب إلى مساحة الدولة، بدلاً من المساحات الحزبية والعرقية والقومية والطائفية، وهذا ما يتطلب التنازلات المتبادلة والسعي الحثيث لبناء تحالفات سياسية عابرة للمكونات، وبالطبع سيكون محور التحالف تلك النتاجات التي فرضها الواقع القائل إن العراق شعب موحد لذا لم نجد إلاّ من انحصروا بمصالحهم الضيقة، هم من تخلفوا عن محاربة الإرهاب، وهذا لا يمنع من تشكيل التحالف على شرط أن يؤمن بوحدة العراق وسيادة أرضه وصيانة كرامة شعبه، وفي هذا السياق توجد قوى سياسية كثيرة وكبيرة تحظى بتأييد جماهيري قادرة على بناء كتلة عابرة للمكونات، وبالطبع لا تنسى المواقف التي خاضها العراق منذ 13 عامًا بمواجهة الإرهاب والفساد والتقسيم.