شكلت الحالة الخاصة للثورة السورية، وتداعياتها المتشعبة التي جعلت أراضي دمشق ساحة للحرب العالمية الجديدة بين إمبراطوريات قائمة، وأخرى تبحث عن موضع قدم بالمنطقة، حالة خاصة لدخول العديد من الألوية المسلحة لرقعة الشطرنج السورية، منها ما هو معلن وبينها الكثير الخفي، بعضها يدعم الثوار مثل الجيش السوري الحر، وعدد من التيارات الإسلامية المسلحة، وآخر استغل الفراغ المؤسساتي والأمني للبحث عن مكاسب سياسية ومادية بدعم إقليمي، مثل جبهة النصرة وليدة القاعدة بسوريا وبلاد الشام، وداعش اللغز العالمي المخابراتي الدولي، وفصائل أخرى لم تخف تأييدها لإجرام بشار الأسد وحربه الشعواء ضد الثوار والسنة خاصة بالبلاد، مثل حزب الله وميليشيا الحرس الثوري الإيرانية، وبعض الفصائل الشيعية الأخرى المدعومة من إيران .
ميليشيا مجهولة الهوية
على خلاف كل القوى المشاركة بالحرب السورية، والتي يمكن بسهولة تقسيمها طائفيًا بالنسبة لدعم النظام أو الحرب عليه، ظهر في العام 2012 فصيل عسكري جديد يحمل بين جنباته سنة وشيعة، يؤمن من خلال أدبياته بآلية التواجد بالقرب من السلطة القائمة، حتى لو كانت تلك القوى المشكلة له متناقضة فكريًا من حيث المبدأ، هدفه المعلن هو الدفاع عن الأراضي السورية ضد محاولات الهيمنة من قبل “قوى الإرهاب”، كما يصفها، بينما يخفي هدف رئيس هو الدفاع عن النظام السوري القائم في حربه ضد الثوار، بدعم إقليمي ودولي لن يخرج وفقًا للحالة السورية عن إيران وروسيا، وبعض الأنظمة العربية الرافضة لموجات الربيع العربي، وهذه الحالة المتشابكة والتكوين الغريب لأولية الحرس القومي هي ما تفسر الخلط في الألفاظ، وعدم وجود نسق واحد في خطابات وبيانات اللواء العسكري منذ نشأته إلى الآن على صفحته الخاصة على الفيس بوك.
فتارة يصف مقاتليه بـ “المناضلين” وأخرى بـ “الجهاديين” وثالثة بـ “المقاومين”، وحينما ينعي أي من قتلاه يكتب أحيانًا “استشهدوا خلال أدائهم لواجبهم القومي!!”، أو “استشهدوا بمواجهة العصابات التكفيرية الوهابية!!” أو “استشهدوا خلال مواجهات مع عصابات البترو- شيكل” كناية عن التعاون بين بعض الدول الخليجية وإسرائيل.
كذبة القوميين
تعتبر قوّات الحرس القومي العربي، الذراع العسكري لحركة القوميين العرب ظاهريا، وتشكلت هذه الحركة بعيد المؤتمر الناصري العام الذي أقيم في تونس في السابع من سبتمبر 2012 والذي استضافته “حركة الشعب وجمعية الوحدويين الناصريين” في تونس.
وتندرج مليشياته ضمن العشرات من المليشيات التي شكلها النظام وإيران للقتال مع قوات النظام في سورية، لكنها تختلف عنها كونها تضم مقاتلين من دول عربية عدة، ولاسيما من فلسطين والجزائر ومصر وتونس ولبنان فضلًا عن سوريين، وترفع شعارات القومية العربية، وتدعي أنها تستند إلى الإرث النضالي للزعيم المصري جمال عبد الناصر، ويرتدون قمصانًا سوداء عليها شعار الهلالين الأحمر والأخضر ويتوسطهما حرف الضاد، وهو الشعار نفسه لمنظمة الشباب القومي العربي!
يتكون الحرس القومي العربي من ميليشيات وكتائب عدة، أبرزها كتيبة “جول جمال”، وهو ضابط سوري أغرق مدمرة فرنسية في البحر المتوسط إبان العدوان الثلاثي على مصر في العام 1956، وتتبع لكل كتيبة سرايا تقاتل إلى جانب قوات النظام في محيط العاصمة دمشق، قبل أن تتحول عناصره تدريجيًا إلى أحد الأذرع الإيرانية لقتل السوريين، ويتزعمها أحد قادة حزب الله الميدانيين، ويدعى الحاج ذو الفقار العاملي.
المتتبع لنشأة لواء الحرس القومي العربي مدعي “الناصرية” يرى أن اختياره للعاصمة دمشق وريفها وحمص وحماة، مركزًا رئيسيًا للانطلاق، قبل أن تمتد أيضًا إلى جنوب حلب حيث يخوض معارك محدودة إلى جانب قوات النظام والميليشيات الإيرانية التي تتولى قيادة المعارك بعد تراجع “حزب الله”، يدرك ما يخفيه قياداته عن موالاته للنظام ضد الثوار، ما يعني أن التسمية التي أطلقت على هذا الفصيل لا تعدو كونها تهدف إلى إبعاد الصبغة الطائفية التي تطغى على كل الفصائل المقاتلة إلى جانب النظام، وتحديدًا الشيعية، وإظهاره على الإعلام في الفترة الأخيرة، يأتي ضمن استراتيجية النظام السوري ورئيسه بشار الأسد في إطلاق الشعارات التي تدعي ابتعاده عن الطائفية، على الرغم من أن الظهور هذا إعلامي فقط أكثر من كونه عسكري وسياسي يستفيد منه النظام لترويج فكرة أن هناك “قوميين” يقاتلون إلى جانبه وليس فقط مقاتلين محسوبين على طائفة معينة، خصوصًا أن معظم مقاتليه من الطائفة السنية.
تسليح ومعارك
ويصل عدد مقاتلي هذا الفصيل إلى ما يقرب من 500 مقاتل، ولم يسجل حضورًا إعلاميًا كبقية الفصائل العسكرية الداعمة لقوات النظام والقادمة من الخارج إلا مؤخرًا، على الرغم من تسليحه الجيد حيث يمتلك بالإضافة للأسلحة الرشاشه الخفيفة والمتوسطة منصات إطلاق صاروخ أرض – أرض قصيرة المدى التي تعرف باسم “صواريخ بركان”، وقصف بها عدة مناطق في دمشق ومحيطها كالمليحة وجوبر وبرزة والعديد من مدافع الهاون والعربات المصفحة و المزودة برشاشات مضادات الطيران، وعدة أنواع من مضادات الدروع ، وجميع مقاتليه من المتمرسين، والمدربين ويتمتعون بقدرة قتالية عالية، ولاسيما الفلسطينيين اللاجئين في سوريا.
وبدأ عملياته القتالية في سوريا في بدايات عام 2013 وشارك بالقتال إلى جانب قوات الأسد والميليشيات الشيعية في عدة مناطق منها القصير في ريف حمص ومعركة يبرود في القلمون بريف دمشق وفي أحياء دمشق الجنوبية “معركة السبينة وحجيرة” ومعارك حي جوبر، وحي برزة وفي الغوطة الشرقية “المليحة” والغوطة الغربية “داريا ودنون والمعضمية”، وفي معارك ريفي درعا والقنيطرة، ومعارك “الست زينب” بدمشق، ودرعا والقنيطرة حيث سّجل مقتل عناصر له من الجنسية المصرية، وعملية قرية المليحة ومخيم السبينة الفلسطيني بريف دمشق، وعملية الجمرك القديم في درعا، إضافة إلى حضور محدود في حمص وحلب، إضافة إلى مشاركته في معارك الرقة وريف حماه.
قادة اليسار نواة رئيسية
بالبحث البسيط عن خيوط تجمع اللواء الناصري يجد أن بذور تمويله كانت قيادات حزب الله الشيعي اللبناني، حتى إن مكتبه الإعلامي موجود بلبنان، ويشارك في إدارته شخصيات من حزب نصرالله ذاته، وتتوزع كتائبه بشكل أساسي على أربع فرق قتالية وهي كتيبة حيدر العاملي، وهو حسين أسعد حمود، لبناني من بلدة كفر ملكي الجنوبية، وأحد قياديي الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وأحد كوادر حركة القوميين العرب في ستينات القرن الماضي، وأحد مؤسسي المنتدى القومي العربي، ويرتبط حمود بعلاقات وثيقة مع حزب الله اللبناني، ويحظى بحماية ودعم كامل منهم ومن علاقته مباشرة مع وفيق صفا المسؤول الأمني عن حزب الله اللبناني، وتربطه كذلك علاقات مع عدد من الشخصيات اللبنانية الموالية لنظام الأسد منها الشيخ ماهر حمود والعميد السابق مصطفى حمدان واللواء السابق جميل السيد وزعيم التنظيم الشعبي الناصري أسامة سعد “أبو معروف”، وله علاقات وثيقة مع قيادات عدة فصائل فلسطينية منها الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وحركة الجهاد الإسلامي وألوية الناصر في غزة.
أما الفرقة الثانية فهي كتيبة وديع حداد وهو فلسطيني من مدينة صفد، وأحد مؤسسي الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وقبلها حركة القوميين العرب، استشهد في ألمانيا في عام 1978، والفرقة الثالثة هي كتيبة محمد البراهيمي، وهو الأمين العام لحركة الشعب في تونس، وقبلها أحد مؤسسي حركة الوحدويين الناصريين التي أسست في العام 2005، وقبيل استشهاده أسس الجبهة الشعبية في تونس، واستشهد في تونس العام 2013 ، ويتزعمها الآن القيادي محمد العماري، الملقب بـ “الجنرال”، تونسي الجنسية يعتبر من أهم قيادات ميليشيا الحرس القومي، بعد أسعد حمود وله علاقة وثيقة مع معظم الحركات اليسارية والناصرية في المنطقة، وهو تلميذ البراهيمي، ويتنقل باستمرار بين تونس ولبنان وسوريا وغزة ومصر، وشارك بعدة لقاءات ومؤتمرات قومية ويسارية في مصر وفلسطين، والرابعة هي كتيبة جول جمال وهو ضابط بحرية سوري استشهد في العملية البحرية الشهيرة إبان العدوان الثلاثي على مصر في العام 1956.