ترتبط الضفة الغربية في فلسطين المحتلة بعلاقات تاريخية خاصة بالجانب الأردني وهو ما يمكن تسميته بامتداد التاريخ والجغرافيا، وذلك منذ المرحلة التي آلت فيها راية حماية مقدسات القدس بقرار أبناء المدينة للشريف حسين (ملك الحجاز) منذ العام 1924، وبعد ذلك دور الملك المؤسس للأردن الملك عبد الله الأول.
وكذلك خلال مرحلة ما بعد قيام “دولة الاحتلال الإسرائيلي” منذ مؤتمر أريحا عام 1949 والوحدة التي تمت بعدها عام 1950 وحتى حرب الأيام الستة عام 1967، وخلالها اعتبرت الضفة الغربية جزءًا من الأردن.
وفي تلك الفترة مُنِح السكان الفلسطينيون في الضفة الغربية جواز سفر وبطاقة هوية أردنيين كما منح الأردن أيضًا الفلسطينيين الذين لجأوا إليها إثر النكبة نفس الامتيازات، وبذلك أصبح أغلبية سكان الضفة يقعون تحت سيادة الأردن فعليًا.
وبعد حرب أكتوبر إلى نهاية الثمانينات من القرن الماضي مرت العلاقات بتذبذبات السياسة واضطراباتها، وحاول الأردن أن ينتزع اعترافًا عربيًا بطبيعة سيادته على الضفة الغربية لكنه لم يستطع في ظل ظهور ما عُرف بعد ذلك بحل الدولتين، إلا أن الأمر انتهى بكتابة شهادة وفاة هذا الارتباط عام 1988 حين أعلن الأردن قراره بفك الارتباط الإداري والقانوني مع الضفة الغربية دون أن يشمل ذلك القدس والأماكن المقدسة، بناء على رغبة جامحة من منظمة التحرير الفلسطينية التي سعت لإقامة الدولة الفلسطينية.
عودة إلى الحلول القديمة
لا شك أن خلال هذه التوطئة التاريخية كانت هناك محاولات لتسوية القضية الفسلطينية بإشراك الأردن ومصر في تحمل تبعات هذه التسوية مع جانب الاحتلال، بأن تتحمل القاهرة أعباء غزة وكذلك يتحمل الأردن أعباء الضفة ويتم تصفية القضية الفلسطينية ديمغرافيًا بإلحاق الفلسطينيين على هامش دولتين عربيتين.
عاد هذا السيناريو التاريخي إلى الواجهة مرة أخرى في شكل اقتراح بإقامة كونفدرالية بين الأردن والضفة الغربية، وقد شغل حيز من الرأي العام العربي بعد استقبال العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس على مائدة إفطار في العاصمة عمان.
والمستغرب في هذا الأمر أنه أتى عقب أشهر من القطيعة السياسية بين الطرفين، لأسباب تتعلق بالتنسيق بين الطرفين في الملف الفلسطيني وتركيب الكاميرات في القدس.
هذا الحدث لم يفصل كثيرون بينه وبين تصريحات لرئيس الوزراء الأردني الأسبق عبد السلام المجالي، قبل أسابيع في مدينة نابلس، عندما قال أمام شخصيات من حركة فتح إن “موضوع الكونفدرالية عرضه رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو على الملك عبد الله الثاني من خلال وسيط، لكن الأردن رفض العرض”.
الحديث عن موضوع الكونفيدرالية في السنوات الأخيرة لم يبتعد كثيرًا عن تل أبيب خاصة في الصحافة الإسرائيلية التي تناولت مزايا الأمر
وبعيدًا عن استدراكات المجالي على التصريح والتوضيحات التي لحقت به بعد ذلك إلا أن الحديث يوضح أن الجانب الإسرائيلي لا زال متمسكًا بالعودة إلى الحلول القديمة بعد نفاد جعبته أمام مبادرات الحل الدولية التي تواجه بالرفض من الجانب الإسرائيلي.
تصريحات عبدالسلام المجالي وهو أحد مهندسي اتفاقيات السلام مع دولة الاحتلال يمكن أن تقرأ في سياق استغلال الجانب الإسرائيلي للسيولة العربية الحالية التي ربما تمكنهم من الظفر بحل تاريخي لا سيما وأن هناك مبادرة فرنسية لإيجاد حل للقضية الفلسطينية، وهذا المقترح الإسرائيلي تتوقع إسرائيل أنه بممارسة مزيج من الترهيب والترغيب على الأردن، وكذلك إشراك القاهرة في إيجاد مخرج لقطاع غزة قد يكون سبيل لطرح إسرائيلي جديد على طاولة المفاوضات.
أحاديث في إسرائيل
الحديث عن موضوع الكونفيدرالية في السنوات الأخيرة لم يبتعد كثيرًا عن تل أبيب خاصة في الصحافة الإسرائيلية التي تناولت مزايا الأمر، في حين طرح البعض الأمر في خطة إسرائيلية جديدة لضم أجزاء واسعة من الضفة الغربية إلى إسرائيل بشكل أحادي الجانب دون الانتظار لاعتراف العالم، وترك البقية للأردن على ما يبدو، ومن ثم التفرغ إلى مشكلة غزة بالتعاون مع مصر بإعادة ترسيم الحدود بين القطاع ومصر.
هذه الخطط المطروحة في إسرائيل لا يمكن اعتبارها صادرة عن جهة رسمية لكن يمكن اعتبارها أحاديث نفس إسرائيلية وصلت بالتأكيد إلى الضفة الغربية وعمان، ويكفي أن أجرت جامعة النجاح الفلسطينية استطلاعًا للرأي العام الفلسطيني، وجهت من خلاله سؤالًا صريحًا للمستَطلعين عن مدى تأييدهم لدخول الضفة في وحدة كونفيدرالية مع الأردن، أعلن فيه 42.3% تأييدهم للاتحاد الكونفيدرالي مع الأردن.
الجانب الإسرائيلي لا زال متمسكًا بالعودة إلى الحلول القديمة بعد نفاد جعبته أمام مبادرات الحل الدولية التي تواجه بالرفض من الجانب الإسرائيلي.
ولا يمكن عزل ذلك عن سياق الحديث الأردني الداخلي عن وحدة تجمع بين الضفة والأردن، في ظل تجاهل لوقوع الأراضي الفلسطينية تحت الاحتلال إلى اللحظة، وليس هناك دولة قائمة بالأساس لتتحد مع الأردن في فيدرالية أو كونفيدرالية، وإن غالبية الظن أن ما سيحدث سيكون تخلصًا إسرائيليًا من أعباء الضفة الغربية ومشكلاتها.
ولكن اتجاهات ربما كالمجدلي وغيره ترى أن الأمر في ظل فشل العلاقات بين السلطة الفسلطينية وعمان وكذلك عدم وفاء إسرائيل بأي تعهد لسلطة أوسلو يأتي هذا الخيار كحل جديد في ظل ركود مسيرة التفاوض مع إسرائيل، ومرة أخرى لا يمكن عزله عن المناخ الإقليمي العام وتوجهات القوى الفاعلة فيما يتعلق بالقضية الفسلطينية التي تراجعت مركزيتها مؤخرًا كثيرًا، وهو ربما ما تستغله إسرائيل بالتعاون مع أنظمة عربية حليفة لمحاولة طرح وتمرير معاهدات جديدة تتخلص فيها من الأعباء التاريخية ولا شك أن النظام الأردني والمصري على رأس المتعاونين مع هذا التوجه الإسرائيلي في هذه اللحظات الحرجة من تاريخ المنطقة.