(1)
فرحانين.. فرحانين.. فرحانين..
كل ثورة وإحنا دايمًا فرحانين.
****
ليس الانتصار على مخطط برافر الصهيوني بإعلان الحكومة الإسرائيلية وقف مناقشة القانون في الكنيست، بمثابة تأكيد جديد على أن أمواج التغيير التي بدأها الشباب قبل ثلاثة أعوام في هذه المنطقة الحزينة من العالم لاتزال متتابعة فحسب، بل هي توكيد أيضًا على طبيعة اتصال تلك الموجات ببعضها البعض، فهي قادرة على الفعل، لأنها – في المقام الأول – قادرة على الحلم بتغيير وجه الحياة فيها، ومِن ثمّ مُباغتتنا ككل شيء جميل.
تأتي الموجة هذه المرّة من حيث لا يتوقعها أحد، وبعيدًا عن اهتمام العواصم العربية وإعلامها، المنغمس في حدة الاستقطاب المصري، والمتورط في الأبعاد الطائفية للثورة السورية.. تأتي من هناك من شباب وصبايا القضية الفلسطينية التي ظُنّ أن الربيع العربي طغى عليها وساقها إلى النسيان. بل ومن فلسطين الداخل، ليس حتى من الضفة ولا غزة. “قرصة أذن” تؤكد لنا أننا لا نحلم، وأن العالم يتغير من حولنا، وأن الأمواج التي ضربت شواطئ تونس والإسكندرية وعدن والرباط يمكن أن تضرب أيضًا حيفا ويافا وترتد إلى القدس وسخنين وقرى المثلث، كبرعمٌ لمسته الريحُ فانفتحا.
(2)
“فعلنا ما بوسعنا، إلا أننا في بعض الأحيان نحتاج إلى الاعتراف بالأمر الواقع” – الوزير السابق بيجين في تصريحاته الصحفية 12/12/2013 معلنًا الهزيمة.
****
كيف سقط برافر؟ لتفهم كيف سقط برافر، يجب أن تعرف حجم الغبن في هذا المخطط، أستقي أغلب المعلومات هنا من ورقة أعدها الناشط الحقوقي د. ثابت أبو راس، وتحوي تفاصيل مهمة عن مخطط برافر- بيجين.
بدأت دراسة المخطط الصهيوني في لجنة عام 2009 بقيادة الجنرال برافر، أقر المشروع في الكنيست لأول مرة في يونيو 2013. زعمت الحكومة الإسرائيلية أنها تريد من خلاله إعادة توطين بدو صحراء النقب، لكن يكفي أن تعرف مثلًا أن اللجنة التي درست المشروع لم تضم أي عربيّ، ولم تأخذ بالاعتبار 3000 دعوى رفعها أهالي النقب خلال عقدين، لاسترداد أراضيهم، بل ألغت اللجنة حقًا دستوريًا أصيلًا وهو مراجعة القضاء، وأعطت صلاحيات تشريعية واسعة للحكومة في تحديد التعويضات وتظلم المتضررين. هذه “السفلقة” والسرقة تقضي بإزالة أكثر من 20 قرية فلسطينية من الوجود، وتهجير نحو 50 ألف مواطن عربي، والهدف: السيطرة على ومصادرة نحو 700 ألف دونم (الدونم حوالي ألف متر مربع) من الأراضي التي لايزال الفلسطينيون قابضين عليها كالجمر.
نظم الفلسطينيون في الداخل عدة لجان لمواجهة المخطط من بينها “لجنة المتابعة العليا”، و”لجنة التوجيه لعرب النقب”، والتي كانت منصّات لقيادة الحراك الشعبي ضد المخطط. تصدرها الشباب ومنظمات المجتمع المدني، ونجحت المنظمات في لفت الانتباه العالمي، واستصدار عدة إدانات ضد المخطط، من الاتحاد الأوروبي، ومن لجنة القضاء على التمييز العنصري في الأمم المتحدة منذ عام 2012.
(3)
العالم يتغير.. هذا كل ما في الأمر.
****
الذين ثابروا على إسقاط المخطط كانوا هم جيل الشباب.. في ثلاث موجات احتجاجية متعاقبة؛ إضراب الغضب في 15 يوليو ، والأول من أغسطس، والثلاثين من نوفمبر، وهنا يمكن تسجيل خمس علاماتٍ للتاريخ لا يمكن فصل اتصالها عن معركة ثوراتنا المستمرة:
1- الشباب هم الذين قادوا الحراك الجماهيري على الأرض ضد هذا القانون العنصري، وكان دور الأحزاب محدودًا، ومجددًا كان تويتر ويوتيوب والإعلام الاجتماعي أدوات ذات تأثير مهم في الحشد والتحريك، تماماً مثل يناير25.
2 – خذلان بعض القيادات النخبوية كان فاضحًا، يخرج بعض هؤلاء للمظاهرة لمدة 5 دقائق وسرعان ما يبتعدون حين تبدأ وحشية القوات الإسرائيلية، أو يدعو الشباب لـ”التعقل” وإنهاء المظاهرة وفعاليات الاحتجاج. في تأكيد ثانٍ على وحدة المشهد الذي بدأ قبلًا في تونس والقاهرة وأخواتهما.
3 – كان إسهام الحركة الإسلامية في الداخل الفلسطيني ضعيفًا في مساندة الحراك الشبابي، بل وُجد الشيخ رائد صلاح، زعيم الحركة، يصطاد سمكًا أثناء إضراب الغضب في 15 يوليو، وقال لهم إنه لن يشترك في هذه المظاهرات لتغليب “المصلحة”، على الرغم من أنه قبلها بيومين كان قد نظم فعالية لتأييد الرئيس المعزول مرسي. بينما كان بعض أعضاء الحركة – لتبرير تقاعسهم – يعيد إنتاج الحُجج “إياها” التي تتحدث عن حرمة استعمال الموسيقى وعن وجود الصبايا “الفاتنات” في المظاهرات. حيرة الإسلامويين التاريخية تذكرنا بما يجري في مصر وسوريا، وإن اختلفت في الحجم، تظل توكيدًا ثالثًا على وحدةِ المشهد.
4 – تنطبق الخيبات السابقة بالمثل على السلطة الفلسطينية في الضفة وحركة حماس في غزة، فكلاهما لم يقدم أي دعم حقيقي للحراك الشبابي ضد برافر، وانضما لهما في نهاية القطار على خجل، يتضح أن القضية الفلسطينية إذن تكسب أفضل بكثير حين يتوقف عن تصدرها محام فاشل، ويبتعد العرب والسلطة الفلسطينية عن المتاجرة بها أو اعتبارهم محتكرين لتقرير مصيرها. (لسخرية القدر: منعت حماس تظاهرات ضد برافر عدة مرات بحجج واهية).
5 – بعد خمسة وستين عامًا على النكبة، يثبت الحراك السلمي مجددًا أنه الأقدر على نصرة القضية الفلسطينية، تمامًا كالانتفاضة الأولى. خاصة إذا ما جمع بين التحركات القانونية الذكيّة، والاحتجاج على الأرض، في توكيد رابع على وحدة نتائج ومنهجية الثورات التي بدأت قبل ثلاث سنوات، وعلى خبث وعبثية السلاح والتسلح (راجع كتاب حازم صاغية المهم: هجاء السلاح).
(4)
لم يتلاشَ خطر مخطط برافر تمامًا، فربما يعاود الصهاينة محاولتهم، لكن ملامح هذا الانتصار التاريخي تأتي بعد ثلاث سنوات من اندلاع ثورات العرب لتثبت أننا لم نتخلَ بعد عن الحل الرومانسي، وإنه مش غلط.
*****
فرحانين… فرحانين.. فرحانين
كل ثورة وإحنا دايمًا فرحانين
اللي ماتوا في المعارك.. فرحانين
واللي حضر واللي شارك .. فرحانين
واللي ساكنين الخنادق.. فرحانين
واللي ماسكين ع المبادئ.. فرحانين
واللي شايلين شوق لفكرة.. فرحانين
واللي حاملين همّ بكرة.. فرحانين