أبواب موصده، رجال ونساء يجلسون تحت حر الشمس، ينتظرون الفرج، هكذا حال مكاتب البريد في تونس، هذا الصباح، بعد دخول عمالها في إضراب مفتوح لمدة ثلاثة أيام على خلفية إيقاف أحد زملائهم وإيداعه السجن المدني.
إضراب عام، خلف جدلاً كبيرًا في صفوف التونسيين بتزامنه مع شهر رمضان وخلاص أجور الموظفين، فرغم إضراره بمصالحهم وانتهاج الإضراب منحى سياسي، فإن هناك من يدعمه ويشد من أزر المضربين وزميلهم الموقوف.
تم إيداع موظف البريد في السجن المدني بمحافظة قفصة، من أجل عدم الامتثال للقوانين والقرارات الصادرة ممن له النظر وعدم احترام سلطة الدولة وفرض احترامها طبقا للفصول 3 و8 من النظام الأساسي لأعوان الوظيفة العمومية والفصل 315 من المجلة الجزائية، على أن يحال للمحكمة يوم الأربعاء.
الكاتب العام لنقابة أعوان البريد التابعة للاتحاد العام التونسي للشغل، الحبيب الميزوري قال في تصريح صحفي إن إضرابهم يأتي احتجاجًا على إيقاف عون بريد في محافظة توزر جنوب البلاد، وتعنت السلطة القضائية تجاهه وتعاملها معه بطريقة تعسفية، معتبرًا أنّ زميلهم محتجز على خلفية تجاوز وكيل الجهورية بالجهة للسلطة، وفق تعبيره.
وبين الاتحاد العام التونسي للشغل (المركزية النقابية) أن سبب إضراب أعوان البريد جاء على خلفية إيقاف زميلهم بعد تطبيقه للقانون ورفضه تسليم البريد لعون من المحكمة لا يمتلك تفويضًا رسميًا لتسَلم البريد الإداري.
الاتحاد يقول في بيان له إن عون المحكمة توجّه إلى رئيس المركز البريدي على أنه موفد بالكلمة (لا يحمل بتفويض رسمي مكتوب) من قبل وكيل الجمهورية بتوزر الذي أراد ان يخاطبه عبر الهاتف فرفض رئيس المركز ذلك، إذ إن ذلك مخالف للقانون ويحمّله تبعات خاصة أنه ليس متأكدًا من شخصية مخاطبه عبر الهاتف، وإزاء رفض موظف البريد مد عون المحكمة بالوثائق التي يريد، وجه وكيل الجمهورية فرقة من أعوان الأمن ليقتادوا رئيس مركز الفرز البريدي إلى الإيقاف، معتبرًا تصرفه تطاولاً على السلطة وفق البيان.
واعتبر الأمين العام المساعد باتحاد الشغل بوعلي المباركي أن عون البريد بتوزر يقبع في السجن ظلمًا، داعيًا هيئة القضاء العدلي إلى التدخل وتجنب تعكير الأجواء وتعطل مصالح المواطنين.
عضو النقابة العامة للبريد المكلف بالإعلام بالاتحاد العام التونسي للشغل الحبيب التليلي، أكد أن استئناف مكاتب البريد إسداء خدماتها، يبقى رهينًا بتنفيذ الاتفاق المبرم بين الاتحاد ووزارة العدل والقاضي بإطلاق سراح رئيس مكتب توزيع البريد، الأمر الذي نفته مصادر من وزارة العدل، مؤكدة عدم الوصول إلى اتفاق على إطلاق سراح العون الموقوف.
في مقابل ذلك أكدت جمعية القضاة التونسيين، في بيان لها، رفضها “لأي تدخل وأي ضغوطات تمارس من أي جهة كانت للمساس باستقلال القرار القضائي وحياده في مجريات هذه القضية”، واستغربت الجمعية الحديث عن اتفاقات بين وزارة العدل واتحاد الشغل لإطلاق سراح عون الأمن الموقوف، ودعت الاتحاد إلى “عدم الزج بالمنظمة النقابية في شبهة اتفاقات تشرّع للتدخل في سير القضاء كالنأي بها عن ممارسة أساليب الضغط والمساومة لإضعاف استقلالية القرار القضائي وحياديته”.
كما طالبت الجمعية، وزير العدل بـ “توضيح موقفه ورفع الالتباسات الحاصلة فيما نسب إليه من عقد اتفاقات والسعي لإيجاد حلول للقضية من خلال التدخل في القضاء والضغط عليه ويحمله المسؤولية عن تلك الممارسات إن ثبتت”، وفق نص البيان.
من جهته استنكر الإعلامي التونسي “كريم البوعلي” التجاء أعوان البريد إلى الإضراب، معتبرًا ذلك استقواء على الدولة ومحاولة لضرب استقلالية القضاء، وكتب البوعلي، في هذا الشأن، تدوينة على موقعه في فيسبوك جاء فيها” بعقلية ضرب القضاء بالإضراب وعدم الامتثال للسلطة القضائية والاستقواء بإدارات الدولة على المواطن والدولة وشن إضرابات في وقت صرف جرايات زواولة مبروك على قيادات اتحاد الشغل صفة أكبر عصابة في البلاد..“.
وكتب التونسي ناجي المديوني في صفحته الخاصة على فيسبوك “الخال عمار الجماعي القاضي الذي أوقف عون البريد بتوزر أعرفه شخصيًا وهو ولد بلاد وصديق، ما أنا على ثقة تامة منه أنه من أنزه القضاة وأثبتهم على المبدأ وأكثرهم إيمانًا بعلوية القانون، ولو أضربت تونس كلّها، أعبّر على وقوفي إلى جانبه. ناجي المديوني: أنا لا أعرف القاضي، لكن أعرف العصابة”.
وفي مقابل ذلك ساند أيمن الإضراب، معتبرًا أن القضاة يريدون التغول وكتب في صفحته “ولكن من يعرف بحيثيات إيقاف عون البريد يدرك جيدًا أن السلطة التنفيذية تريد مزيد التغول والاستبداد، شعب انتخب العجوزين لم تعد تهمني مواقفه، ما يهمني فقط موقف الإنسان الواعي الذي يقبل بالتضحية بمصالحه الشخصية ليومين أو ﻷسبوع مقابل وضع حد لغطرسة السلطة اﻷمنية وهذا دور الصحفي الرقي بمستوى تفكير المواطنين، ثم إن مصالح الشعب عامة معطلة فما ضر إضراب ؟؟؟