صار مشهد الشحاذين حاملين أطفالًا في الشوارع المصرية مشهدًا طبيعيًا جدًا، يتجاهله البعض بالمرور دون حتى النظر، ويستجيب البعض الآخر له بالتعاطف وإعطاء بضعة نقود، والبعض الآخر يكتفي بنظرات الشفقة على الحالة المُزرية التي يكون عليها الأطفال المُستخدمين في التسول في شوارع مصر، حيث يتعمد أصحاب تلك الشبكات مما يُطلق عليه المصريون “أولاد الشوارع” من إظهار الأطفال بمشهد مريض ومزرٍ ومتسخ لإثارة شفقة المارة عليهم، لا يكون كل أولئك الأطفال هم أولاد للشحاذين أنفسهم، بل يكون الكثير منهم من الأطفال المختطفين، أو المتغيبين عن بيوتهم من فترة، أو الرُضع المسروقين من حضانات المستشفيات.
اتخذت صفحة “أطفال مفقودة” موقفًا مخالفًا للغاية عن موقف العامة في مكافحة التسوّل، حيث يرى أصحاب الفكرة أن كل من يعطي المال للشحاذين في الشوارع أو في محطات المترو أو الباصات ما هم إلا مشجعين للتسوّل، وغضوا بصرهم عن أن الطفل الذي يحمله الشحاذ أو الشحاذة على كتفه من الممكن أن يكون مخطوفًا ومتغيبًا عن أهله بالشهور وأحيانًا بالسنوات.
قرر صاحبيّ فكرة صفحة “أطفال مفقودة” على الفيسبوك، وهي أكبر صفحة لنشر صور المتغيبين والمخطوفين في العالم العربي، مكافحة التسوّل بتصوير الشحاذين ومن معهم من أطفال وإعلانهم للصور على صفحتهم على الفيسبوك، مع إعطاء معلومات عن اسم الطفل وعمره ومواصافاته إن توّفرت من أجل تسهيل المهمة على الباحثين عنه، فيقوم أصحاب الصفحة بتصوير كل طفل يقوم بالبيع في المواصلات العامة ومحطات المترو وعرض صورته على الفيسبوك، كما تحاول توصيل الأطفال بعائلات مستضيفة ترعاهم حتى يتم الوصول إلى أهلهم الأصليين.
إحدى الصور المنشورة على صفحة أطفال مفقودة على الفيسبوك
حققت الصفحة نجاحًا كبيرًا في إرجاع العديد من الأطفال المتغيبين لأهلهم منذ سنوات، كما صورّت العديد من الفيديوهات مع الأطفال الهاربين من دور الرعاية الخاصة بالأطفال اليتامى، حيث وضّح فيها الأطفال تفاصيل الحياة القاسية التي يعيشونها في تلك الدور، ابتداءً من الاعتداء الجسدي العنيف إلى الحرمان من التريض والطعام الجيد، حيث يقول الطفل بأن دار الرعاية هي السبب الرئيسي في انفجار مشكلة أطفال الشوارع الموجودة في مصر حاليًا، حيث يهرب الأطفال من تلك الدور بسبب الضرب الوحشي المستمر وعزلهم في غرف انفرادية للعقاب وكأنهم مساجين.
يقول إيهاب الطفل المتحدث في الفيديو بأنه هرب كما يفعل باقي الأطفال في كل مرة تسنح لهم الفرصة، فيفضلون المبيت في الشوارع على البقاء في دار الرعاية، كما وضّح ما يفعله أصحاب الدور في التخلص من الأطفال المشاغبين أو الهاربين من الدور بتلفيق تهم جنائية لهم بكونهم بلطجية ومتسولين وحبسهم في السجون.
أحد الفيديوهات التي انتشرت بقوة لطفل يروي حكايته مع دور رعاية الأطفال في مصر
لم يقتصر دور الصفحة على الأطفال فحسب، بل امتد لنشر صور للعجائز المرضى والتائهين من ذويهم، وساعد ذلك في العثور على العديد من الضائعين، الذي يكون أغلبهم مرضى بمرض الزهايمر ويخرجون من منازلهم بدون وعي منهم ولا يعرفون طريق العودة أبدًا.
نشرت الصفحة إلى الآن حوالي 8000 صورة وأكثر من الأطفال المفقودين والتي يتم العثور عليهم إما في حيازة الشحاذين، أو متسولين في الشوارع، أو في بعض الأحيان جثث هامدة في أقسام الشرطة، نتيجة لتعرضهم إلى حوادث سير أو حوادث قتل في بعض الأحيان، حيث تم إيجاد جثة لطفلة في عمر أربع سنوات مؤخرًا قامت الصفحة بنشر صور لها مع وجود تشابه في الشكل مع طفلة متغيبة قد أرسل أهلها صورها للصفحة على أمل العثور عليها بنفس الطريقة التي تجد بها الصفحة الأطفال، وطلبت الشرطة اجراء تحليل DNA للأب للتأكد ما إن كانت الطفلة المقتولة هي ابنته المتغيبة منذ سنتين أم لا.
تفتح الصفحة باب التطوع لها، حيث يمكنك أيضًا تصوير الأطفال المتسولين في الشوارع وإرسال الصور في رسالة للصفحة على الفيسبوك، حيث تحث الصفحة المجتمع على الحد من تشجيع التسوّل بمنح الأطفال المال بسهولة كما لا تشجع التخلص منهم وكأنهم لا وجود لهم كذلك، حيث تشجع على أن يكون للمواطن دور فعّال في الحد من عدد أطفال الشوارع، ومساعدة أولئك الأطفال في الوصول إلى ذويهم الأصليين.