تتنوع أنظمة التعليم في مصر ما بين الحكومي والتجريبي واللغات والديني، ولكن النتيجة الأخلاقية والتعليمية تكون متقاربة لبعضها، فضلاً عن العيوب التي تنتج عن كل نظام أهمها تجريد الطالب من هويتة ولغته الأم.
وعبر التاريخ، اختلف شكل ونظام التعليم في كل عصر بدءًا من التعليم في المساجد والكنائس والمؤدبين في البيوت ثم الكتاتيب والتعليم المنزلي وصولًا لتعليم المدارس النظامية، وتدريجيًا اختلف شكل التعليم ونظمه وأنواعه في كل بلد، وبرغم أن اختلاف أنواع التعليم في الدول العربية يُعد عيبًا لا ميزة ودليل تأخر لا تقدم بالنسبة للأمة كلها، لكننا مجبرون على مسايرة الوضع الراهن إلى حين التغيير.
فتحتل مصر المركز قبل الأخير في التصنيف العالمي لجودة التعليم لمؤشر التنافسية السنوي لعامي 2015/ 2016 في مجال التعليم وفقًا لتقرير منتدى الاقتصاد العالمي على مستوى 140 دولة في العالم، يؤكد ذلك اعتراف وزارة التربية والتعليم مؤخرًا بأن نحو مليوني طالب وطالبة في مرحلة التعليم الأساسي يجهلون القراءة والكتابة، بالرغم من انتشار الدروس الخصوصية بشكل هائل في البلاد.
ويُقدر حجم إنفاق الأسر المصرية على الدروس الخصوصية 42.1% من إنفاق الأسرة على التعليم، وفقًا للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.
أنواع التعليم
عند بدء رحلة البحث عن مدرسة مناسبة للطفل، يحتار الأبوان أي الأنظمة أفضل للأبناء وأيها أنسب لدخل الأسرة ولقدرة الأبوين على متابعة الأبناء وغير ذلك، فيجدوا أنفسهم أمام قائمة طويلة عريضة تشمل أنواع عديدة لنظم التعليم وهي كالتالي:
المدارس الحكومية
- المميزات
– مجانية
– متوفرة ومنتشرة في كل الأحياء وبكثرة وبالتالي الأقرب للمنازل وكذلك حتى في القرى والنجوع.
- العيوب
– مستوى المدرسة في الغالب غير جيد للأسف الشديد، وكذلك مستوى المعلمين والطلاب خاصة لو كان الحي متوسطًا أو فقيرًا.
– لا يوجد أي اهتمام بالأنشطة ولا بالطلاب تربويًا.
– اللغة الإنجليزية ضعيفة وربما مجمل المناهج.
– طريقة التعليم وأسلوبه سيء في العموم ويعتمد على الحفظ والتلقين.
بلغت قيمة المصروفات المدرسية للمدارس الحكومية عن هذا العام الدراسي 2015- 2016، والتى يتم صرفها على الأنشطة المدرسية، خلال العام الدراسي الجديد، في مرحلة رياض الأطفال 45 جنيهًا + ثمن كتب الوزارة، ومصروفات المرحلة الابتدائية 60 جنيهًا، و65 للمرحلة الإعدادية، و85 جنيهًا للمرحلة الثانوية، وهذه المصروفات كما كانت قيمة مصروفات العام الماضي.
وتسرد مدام سعاد قصتها مع ابنها في اختيار مدرسة مناسبة له، فقالت لـ “نون بوست” إنها بدأت بالمدارس الخاصة وابتعدت عن المدارس الحكومية أملاً في أن تكون مميزة وبها دراسة واهتمام بالطالب على درجة عالية، فضلاً عن أخلاق الطلاب ستكون راقية بالمقارنة مع المدارس الحكومية، لكن الواقع كان العكس لم تجد اهتمامًا ولا تميزًا ووجدت أن الطلاب أخلاقهم متدنية فوفرت المصاريف ونقلت ابنها إلى مدرسة حكومية وبررت قرارها بأنه في أي مدرسة سوف يأخذ دروس خصوصية.
طلاب بالمرحلة الابتدائية
المدارس الحكومية التجريبية
- المميزات
– مصروفات قليلة عن الخاصة واللغات.
– المناهج أكثر تطورًا.
– أداء المدرسة أفضل وإن اختلف الأمر حسب طاقم التدريس والإدارة.
– اهتمام أكبر باللغات، إذ يدرس الطلاب اللغة الإنجليزية من الصغر وكذلك الرياضيات والعلوم باللغة الإنجليزية.
– يبدأ الطالب دراسة اللغة الأجنبية الثانية مبكرًا.
- العيوب
– غير مجانية.
– غير متطورة في نظم التعليم بشكل كبير.
– قد تكون بعض المدارس سيئة مثل الحكومية لذا يجب التأكد والسؤال عن سمعة المدرسة وطريقة إدارتها.
– طريقة التعليم وأسلوبه سيء في العموم ويعتمد على الحفظ والتلقين وإن كانت المناهج أكثر تطورًا من الحكومية العادية.
المدارس الخاصة (اللغات)
- المميزات
– تتشابه مناهج بعض المدارس مع مناهج المدارس الحكومية التجريبية بعض الشيء، لكنها تولي اهتمامًا أكبر بالاحتياجات الشخصية للطلاب والمباني والمرافق المدرسية والأنشطة ومستوى المعلمين وغير ذلك.
– قد تكون المناهج الدراسية أكثر تطورًا من المناهج التجريبية.
– تدرس معظم المناهج باللغة الإنجليزية في معظم المدارس.
– تدرس لغة أجنبية ثانية إما الفرنسية أو الألمانية أحيانًا من السنوات الأولى في المرحلة الابتدائية وأحيانًا من سنواتها الأخيرة.
- العيوب
– قد تكون ضعيفة الاهتمام باللغة العربية والقرآن ربما عدا المدارس الخاصة الإسلامية.
– قد تمثل إرهاقًا على الطفل بسبب كثرة المواد.
– ليس معنى أنها خاصة وغير مجانية أنها بالتبعية جيدة.
– لها نفقات عالية نوعًا ما وصولًا إلى عالية جدًا حسب مستوى المدرسة.
– قد تكون اللغة الأولى ليست الإنجليزية وتكون الفرنسية أو الألمانية، وهو ما يجعل استكمال الدراسة الجامعية في الجامعات الحكومية أو الجامعات الخاصة باللغة الإنجليزية صعبًا، وبالتالي يصعب أحيانًا على خريج المدارس الفرنسية والألمانية الالتحاق بكلية الطب مثلًا أو الهندسة إلا إن كانت إنجليزيته قوية أيضًا.
– طريقة التعليم وأسلوبه سيء في العموم ويعتمد على الحفظ والتلقين وإن كانت المناهج وطريقة المعلم أفضل من المدارس الحكومية العادية أو التجريبية.
وتقول أم حمزة إن ابنها يدرس بإحدى مدارس اللغات وكان متفوق حتى وصل المرحلة الإعدادية وبدأ مستواه يقل تدريجيًا، وعندما بحثت عن الأسباب وجدت أن نقص المتابعة من قبل المدرسة وتساهلها مع ابنها جعله لا يهتم بالدراسة ولا يحسب لها حساب، بالرغم أن مناهج المدرسة جيدة إلى حد ما وتتميز بوجود مادة إنجليزية إضافية، لكنها سوف تتخلى عن كل هذا وقررت أن تنقل ابنها إلى مدرسة تجريبي بمصاريف أقل لأنها فقدت الأمل في أن يتقدم ابنها في الدراسة بهذا الأسلوب.
في المقابل تقول المعلمة في إحدى المدارس الخاصة فاطمة الزهراء إن أحد أسباب تدني أخلاق الطلاب في المدرسة يرجع إلى الأبوين وعدم التنسيق بين الأسرة والمدرسة، فبعض أولياء الأمور ينصر ابنه “الغلطان” على معلمة بحجة أن “ابنه يتعلم بفلوسه”.
وتقول: “بعد هذا ماذا ننتظر من الطالب إلا تراجع في الأخلاق والتعليم، وهناك الكثير والكثير من المواقف التي أوصلت التعليم إلى ما هو عليه”.
تلاميذ في مدرسة ابتدائية مصرية في جولة بمكتبة الإسكندرية
المدارس الدولية
- المميزات
– تدرس هذه المدارس مناهج غير حكومية بل تدرس مناهج أمريكية أو بريطانية أو ألمانية أو فرنسية.
– تولي اهتمامًا رائعًا بالاحتياجات الشخصية للطلاب والمباني والمرافق المدرسية والأنشطة ومستوى المعلمين وغير ذلك.
– تدرس كل المناهج باللغة الأولى حسب المدرسة.
– تدرس لغة أجنبية ثانية وربما لغتين.
– من مزاياها أن طريقة التعليم تعتمد على الفهم والبحث وليس على التلقين والحفظ، وإن كان المناخ العام يؤثر على الفكر والعقلية.
- العيوب
– ضعيفة جدًا في اللغة العربية والقرآن ربما ما عدا المدارس الدولية الإسلامية.
– عالية المصروفات.
– قد يكون وسط الطلاب مدللًا بعض الشيء ومنفتحًا بشدة وهو ما يؤثر على السلوك التربوي للصغار أحيانًا.
– تقسيم العام يختلف عن المدارس العادية، إذ إن معظم المدارس تقسم العام إلى 3 أو 4 فصول كالمدارس الأمريكية مثلًا، وهذا قد يتعارض مثلًا مع الإجازات العائلية أحيانًا.
عبد القوي محمد قرر نقل ابنته من مدرستها الدولية نتيجة لتعلم ابنتها الانفتاح والتحرر الزائد، ويروي موقفًا لذلك، ويقول: “عندما تأتي أي مناسبة خاصة بالمدرسة وتحضر والدتها بلبسها المحتشم والحجاب، ابنته تحرج من أمها نتيجة لاحتشامها مقارنة بأمهات زميلاتها غير المحجبات ذوات اللبس المنفتح الحر، بالإضافة إلى طلبها من والدتها أن تلبس لبسًا منفتحًًا ومتحررًا، فبدأ الخوف والقلق ينتابني من تغيرها شيئًا فشيء فقررت نقلها لمدرسة أخرى، خوفًا على ضياع هويتها العربية دون أن نشعر”.
وتصل الأسعار في المدارس الدولية من 16 ألف جنيه تقريبًا حتى تصل إلى 50 ألف جنيه وأكثر ويعد هذا مبلغ باهظ جدًا.
ولم يقتصر الأمر على هوية وعادات وتقاليد، بل وصل الأمر إلى حوادث التحرش التي طافت إلى السطح مؤخرًا، فقد تم اغتصاب 5 أطفال في إحدى المدارس الدولية، بينهم طفلة لا يتعدى عمرها 3 أعوام من قبل فرد أمن قام باستدراجهم فوق سطح المبنى ليمارس جريمته في غياب تام عن علم المسؤولين بالمدرسة.
نتيجة لذلك، أصدر الدكتور الهلالي الشربيني، وزير التربية والتعليم قرارًا وزاريًا برقم 182 لسنة 2016، بوقف قبول طلبات جديدة للترخيص بإنشاء مدارس دولية أو استحداث أقسام بالمدارس الخاصة القائمة لتدريس المناهج ذات الطبيعة الخاصة “الدولية” بكافة أنواعها.
وكشف مصدر مسؤول بوزارة التربية والتعليم أن القرار الوزاري بوقف ترخيص المدارس الدولية جاء بعد كشف عدد من حوادث التحرش والاغتصاب وهتك العرض والنصب والابتزاز من تلك المدارس “كبير جدًا”، ويتم تحت أكثر من مسمى، مؤكدًا أن الوزارة بصدد وضع ضوابط جديدة وآلية للمتابعة والمحاسبة لتلك المدارس مع دراسة طبيعة المناهج المقدمة للطلاب في كافة المراحل التعليمية.
طلاب في مدرسة
المدارس الدينية
طلاب في الأزهر
هي مدارس ذات توجه ديني مثل المدارس الأزهرية وهناك الكثير من المدارس الدينية قامت إرساليات تبشيرية ببنائها وهي ترتبط في الوقت الراهن بالكنائس وتقوم هذه المدارس بتقديم تعليم ذي جودة.
وتقدم العديد من المدارس الخاصة برامجًا تعليمية إضافية إضافة إلى المناهج القومية مثل “دبلومة المدارس الأمريكية العليا” High school American Diploma، والثانوية الإنجليزية IGCSE، والبكالوريا الألمانية Abitur والباكلوريا الفرنسية .Bac والبكالوريا الدولية IB، وهذه هي أنواع المدارس الخاصة في مصر.
وهناك مدارس دولية إسلامية تستقي بعض مناهجها من النظام الأزهري في صورة حفظ القرآن وبعض العلوم الإسلامية الخفيفة.
لا تعتبر هذه المدارس وإن كانت إسلامية تابعة للنظام الأزهري، وبالتالي فإن خريجيها يستطيعون الالتحاق بجميع الجامعات العامة والخاصة وليست الأزهرية ما عدا كلية اللغات والترجمة التي تسمح للطلاب الأزهريين وغيرهم بالالتحاق بها.
من مبادئ المدارس الدولية الإسلامية أيضًا فكرة الفصل بين الطلاب والطالبات في الصفوف العليا، فضلًا عن مزايا المدارس الدولية العامة مثل الشهادة المعتمدة والتي تتيح لطالب الثانوية السفر واستكمال دراسته في الخارج أو في الجامعات الخاصة المرموقة، كذلك تمنحه ميزة المعرفة الكاملة باللغة الإنجليزية تحدثًا وكتابة، وفي بعض المدارس لغة أخرى غيرها، بالإضافة إلى العربية التي توفرها المدارس الدولية الإسلامية.
من المميزات العامة لتلك المدارس التعليم الدولي الذي يعتمد على الأنشطة وطرق تعليم مبتكرة وتقنيات أوسع وكذلك الفروق بين المدارس والفروق بين مستوى المعلمات والمعلمين في توصيل المعلومة، بينما التعليم في مدارس اللغات شرح نظري عقيم مثل التعليم الحكومي والفارق اللغة فقط.
أخيرًا من عيوبها قلة عددها وارتفاع أسعارها، وربما بعد الاختلاط لو أنت من أسرة محافظة لكن ليست جميع المدارس هكذا.
طلاب في الأزهر
أم مؤمن تدعي ربها ليلاً ونهارًا أن يتخطى ابنها المرحلة الثانوية، فتقول إنها الحقت ابنها بمدرسة أزهرية أملاً منها أن يصبح عالم من علماء الدين، ولكن ابنها يمكث في الصف الثالث الثانوي للسنة الثالثة على التوالي، بسبب عدم إكماله حفظ القرآن، ولا حل لهذه المشكلة لأنه لو تخطى كل المواد التي يدرسها ولم ينجح بحفظ القرآن فلن يفيده هذا بشيء، وهذه ميزة وعيب بنفس الوقت فحفظ القرآن ميزه لكن عدم حفظة في حالة مؤمن أصبح عقبة في دراسته.
يقول خبراء إن بعض المناهج الدراسية في مصر تعود إلى 50 عامًا، كما يتم تجاهل تدريب المعلمين بالشكل الأمثل، وتغيب الأنشطة التربوية في المدارس، وأي خطط لرعاية الموهوبين والمبتكرين، ويستمر الاعتماد على النظام الورقي وتجاهل التكنولوجيا في غالبية المدارس الحكومية.
وقال محب الرافعي، وزير التربية والتعليم السابق في تصريحات صحفية له، إن”إصلاح المنظومة برمتها يحتاج إلى جرأة في اقتحام المشكلات، وإرادة حقيقية لوضع خطة واحدة لا تتغير بتغير المسؤولين، ويكون هناك إطارًا زمنيًا محددًا للارتقاء بأداء الإدارة المدرسية وتطوير المناهج، وتغيير الكتاب المدرسي، ونظم الامتحانات والتقويم، وتوفير فرص التنمية المهنية المستديمة للمعلمين”.
وأكد أن “لا إصلاح للتعليم دون قيم تربية النشء، وهذه غائبة في أكثرية المدارس، لذلك ينتشر العنف وتضيع قيمة التعليم بين الطلاب والمعلمين، وتهدر كرامة المدرسة”.
الكلام كثير وسهل بشأن إصلاح التعليم لكن لا شيء ملموس على أرض الواقع، فما تم ذكره أعلاه نقطة في بحر من المشاكل التي تواجه ملف التعليم في مصر، فهل يتم الالتفات بجدية إلى التعليم والبحث عن أسباب فشله وتراجعه في مصر، وإعادته إلى نصابه الصحيح، أم أنه كتب عليه الموت الخالد دون منقذ له، وما يمر به مقدمة لذلك؟