بلغ تنظيم الدولة أوج تمدده في نهاية عام 2014، حيث وصل إلى ما يقارب ثلث مساحة العراق وبات يهدد مدنًا محورية مثل العاصمة العراقية بغداد وعاصمة إقليم كردستان أربيل، حيث وصل مقاتلو التنظيم إلى تخوم المدينتين وسط حالة من التمدد صح فيها مقولته الشهيرة “باقي ويتمدد”، حينها أعلنت الولايات المتحدة إطلاق تحالف دولي لضرب التنظيم من الجو مهد لوقف تمدد التنظيم نحو المدينتين ودفع خطره الوشيك عنهما.
لكن التمدد لم يتوقف، فقد سقطت مدينة الرمادي العراقية بيد التنظيم في منتصف عام 2015 مما جعل مخاوف العراقيين ترتفع من خطورة الموقف وإمكانية وصول التنظيم لمدن وسط وجنوب العراق، الأمر الذي دفع إلى الإسراع بوتيرة الدفع باتجاه مواجهة التنظيم بدل الانتظار في بغداد وتحصين العاصمة.
بداية انحسار داعش
على مدى أكثر من عامين من الكر والفر بين القوات الحكومية العراقية والحشدين الشعبي والعشائري وقوات البيشمركة من جهة ومقاتلي داعش من جهة ثانية، فإن أبرز محطات انحسار داعش تكمن بتحرير المناطق والمدن المحورية التالية:
– تكريت في الثاني من مارس 2015: أعلنت القوات العراقية مدعومة بالحشد الشعبي انطلاق عملية تحرير تحرير تكريت – أكبر مدن محافظة صلاح الدين -، استمرت المعارك دون دعم قوات التحالف للمعركة مما جعل عملية الاسترجاع صعبة، مما اضطر العبادي لطلب الدعم من قوات التحالف الدولي لتدخل المعركة بدعم جوي في الـ 25 من مارس لتنتهي المعركة في 31 مارس 2015 باستعادة المدنية بالكامل، الأمر الذي يعتبر أول انتصار حقيقي للقوات العراقية ضد تنظيم الدولة.
– سنجار 13 نوفمبر 2015: أعلن رئيس حكومة إقليم كردستان استرجاع مدينة سنجار الواقعة شمال الموصل ذات الأغلبية الإيزيدية، حيث شارك المقاتلون الإيزيديون وقوات البشمركة مدعومة بطيران التحالف في حملة على المدينة ليخرجوها من سيطرة التنظيم.
– تحرير ديالى: تعتبر محافظة ديالى أولى المحافظات الأربعة التي دخلها تنظيم الدولة وتخرج بالكامل عن سيطرته بعد ضغط كبير من الملشيات العراقية والقوات الحكومية التي تنشط بشكل كبير في المحافظة حتى قبل دخول عناصر التنظيم فيها.
– الرمادي في يوم 27 ديسمبر 2015: أعلن عن تمكن الجيش العراقي مع قوات العشائر والحشد الشعبي من تحرير مدينة الرمادي من سيطرة داعش، وقالت المصادر إن شوارع الرمادي أصبحت خالية من عناصر التنظيم وتعتبر أسرع المدن التي غادرها التنظيم بعد دخولها، ويعتقد مراقبون أن ضغط عشائر الرمادي لتحريرها ومشاركتهم الفاعلة كان له السبب الأكبر بذلك.
– بيجي 29 حزيران 2015: أعلن الحشد الشعبي تمكنه من السيطرة على مدينة بيجي الاستراتيجية التي تحتوى على أكبر مصفى نفطي في شمال العراق، بعد معارك كر وفر استنزفت الحشد الشعبي وتنظيم الدولة على حد سواء، حيث أطلق التنظيم لقب “بيجي العصية” على المدينة التي أفشلت عدد من حملات إخراج مقاتلين الدولة منها ولكن الضغط الكبير دفع التنظيم للانسحاب من المدنية الاستراتيجية لصالح الحشد الشعبي.
الجبهات المفتوحة الآن
تعد جبهة الفلوجة هي أكثر الجبهات قوةً وعنفًا في خط المواجهة بين داعش والقوات العراقية، ربح الجانب العراقي معركته الأهم مع تنظيم الدولة وهي معركة الإعلام، حيث إن دخول الفلوجة من قبل القوات العراقية ووصولها للمجمع الحكومي يعد انتصارًا إعلاميًا ورمزيًا أكبر من حجم المساحة الجغرافية المحررة.
لا يوجد شك أن تحرير الفلوجة ما يزال هشًا من الناحية العسكرية وأن عمليات استهداف القطاعات العراقية لم تتوقف، ولكن مما لا يقبل الشك أن القوات العراقية لن تتراجع عن الاستحواذ على المدينة حتى لو كلّف الأمر فاتورة عالية من الخسائر المادية والبشرية.
التقدم عسكريًا لم يحدث في قاطع عمليات الفلوجة فقط، وإنما في شمال صلاح الدين والموصل، حيث حررت القوات العراقية من الجيش العراقي قرى في جنوب شرق الموصل وقطعت الطريق الرابط بين الموصل وصلاح الدين بينما أحرزت قوات البشمركة خلال عدد من المناورات تقدمًا في الجبهة الشمالية والشمالية الشرقية لمدنية الموصل بينما تتوقف اليوم القوات العراقية على تخوم مدينتي الشرقاط والقيارة شمال محافظة صلاح الدين وجنوب مدينة الموصل.
ما الذي ينتظر القوات العراقية قبل معركة الموصل؟
كما أسلفنا في الفقرة السابقة فإن تحرير الفلوجة ما يزال هشًا من الناحية العسكرية والأنبار ما تزال تحتوي على جيوب متعددة وصحراء مفتوحة قابلة لاستنزاف الجيش العراقي من خلال عمليات كر وفر قد تستغرق شهورًا دون القضاء عليها خاصة مع حدود شبه مفتوحة بالاتجاه السوري وباتجاه الموصل معقل التنظيم الحالي في العراق.
كما أن مدينة الحويجة التابعة لمحافظة كركوك هي الأخرى ما تزال تحت ظل التنظيم مما يعني قدرة التنظيم على التمدد في أي بقعة هشة خالية من قوات مقاتلة حقيقية، الأمر الذي يصعب عملية التمدد المريح باتجاه الموصل.
كما أن مدن جنوب الموصل وأبرزها القيارة لاتزال بيد تنظيم الدولة، ورغم المعارك الشرسة التي يخوضها الجيش العراقي هناك، فإن المدنية مستعصية على الجيش وكل التحركات في محيطها فقط والقرى القريبة منها.
أما على الصعيد الاجتماعي فإن دعوات تقسيم المحافظة لمحافظات عدة وفق الأقليات الموجودة في المدينة يدفع بالمخاوف للتصاعد خاصة مع خشية تأثير هذه المخاوف على عملية التحرير لتدفعها للتوقف.
كما أن خصوصية الموصل المتداخلة بين حكومة بغداد وإقليم كردستان والدور التركي المتواجد فيها يجعلنا نعتقد أن الطريق للموصل الذي صرح به العبادي لن يكون بهذه السهولة.