لقد نجونا من حوادث إرهابية، وهذا ما تعلمناه!

paris-attacks

هذه المرة لن يتم عرض إحصائيات وأرقام لضحايا الحوادث الإرهابية، ولن يتم الهجوم الحاد على المتطرفين والإرهابين، ولن نسعى للتنقيب عن أصولهم العربية أو الإسلامية، ولن نتذمر من الصورة النمطية المستمرة التي يصف بها الغرب المسلمين وإيمانهم الدائم بأن خلف كل حدث إرهابي أو خلف كل مشكلة طائفية مسلم.

لا يلتفت البعض كثيرًا إلى الناجين من الأحداث الإرهابية، يتم تذكرهم من خلال رقم بسيط من ضمن إحصائيات ضحايا الأحداث، إلا أنه لا يتم عرض تجربتهم التي عاشوها في ذلك الحدث، ما عاشوه قبل وبعد، وكيف اختلفت شخصياتهم بعد تلك التجربة العنيفة، وهل زاد الأمر من كراهيتهم للمسلمين، أم تغيّر منظورهم للأمور بعدما حدث.

في حديثٍ لإحدى الناجيات من حادثة إرهابية حدثت في عام 2005، تقول لـ “تيد إكس”: “لقد نجوت من حادثة إرهابية، وهذا ما تعلمته، أنه لا يجب عليّ أبدًا أن أحكم مُسبقًا على شخص لا أعرفه”.

تقول جيل المتحدثة عن تجربتها بأنها لم تر الانتحاري، ولكنها متأكدة من أنه رآهم كلهم قبل أن يضغط الزر، من الممكن أن يكون نظر لأعين كل شخص فيهم قبل أن ينفذ مهمته، بدأت جيل في تحليل الموقف من وجهة نظرها، والذي يدور في عربة قطار تحمل مسافرين عاديين وانتحاري على وشك تفجير نفسه بينهم.

تقول جيل بأنها تعرف أن الانتحاري لا يعرفها، إذن الأمر ليس شخصيًا، فعندما أدارات الأمر في رأسها عدة مرات، وجدت أن الانتحاري لا يقصد إيذاءها أو تشويهها هي بالتحديد، ولكنه قد صنفها هي وغيرها ممن في عربة القطار على أنهم “الأعداء”، أو “الآخرون”، تلك الفجوة التي يُفضل المتطرفون وجودها بل ويسعون في تكبيرها وتوسيعها، لنصبح نحن وهم، الضحية والعدو، تقول جيل بأنها لم تفهم أبدًا كيف يمكن لها ولستة وعشرين شخصًا في العربة التي استقلتها أن يصبحوا أعداءً لإناس آخرين بين ليلة وضحاها، ووقع عليهم الاختيار في أن يتم تنفيذ العقاب عليهم.

تروي جيل أن الانتحاري لم يعرف من تكون، لم يعرف أنها امرأة أسترالية تقوم بالعديد من النشاطات الملهمة في لندن، لم يعرف أنها رئيسة قسيم التصميم في الشركة، ولا يعرف أنها كاتبة مقالات عن التصميم والعمارة، وأنها عضوة في المجتمع الملكي للفنون في لندن، لم يعرف أنها تحب مشاهدة الناس يتحدثون في تيد تالكس، ولم يعرف أيضًا أنها ستكون واحدة منهم تروي للجمهور قصتها وهي واقفة على أرجل صناعية.

تروي جيل تفاصيل ما بعد الانفجار، الظلام المحيط بها والغبار يعم المكان، هي لم تعرف من بجوارها ولكنها سعيدة أنه لم يمت كما مات البقية، كان بداخلها شعور غريزي يدفعها أن تقاوم للبقاء، ظلت ساعة كاملة على وضعها تقاوم النزيف، تقول بأنها كانت أكثر الساعات التي قضتها في حياتها لتستمع إلى نفسها، دار بعقلها العديد من الأفكار، مثل لماذا لم تفعل هذا في حياتها، لماذا لم تقم بالرياضة، لماذا لم تهتم أكثر بأشخاص معينين في حياتها، لماذا لم تُمارس اليوجا، لماذا ركضت طوال الوقت خلف اللقب في العمل، والنجاح المستمر، لماذا شغلها ذلك اللقب المكتوب بجوار اسمها على البطاقة التعريفية لها بمكان عملها ولم يهم ذلك الانتحاري على الإطلاق حينما فجّر نفسه في عربة القطار في ذلك النفق؟

ولكن كل ذلك أيضًا لم يهم من أنقذها، تروي جيل تفاصيل ما حدث في المشفى فتقول إن العلامة التي وجدتها حول رسغها مكتوب عليها “مجهولة تم تعريفها بأنها أنثى”، تقول جيل بأنها تؤمن أنه تم إنقاذها فقط لأنها إنسانة، وليس لأنها صاحبت مكانة اجتماعية معينة، وهذا ما فعله المُسعف لها، والتي مازلت تزوره حتى بعد مرور عشرة أعوام على الحادثة، تقول جيل بأن الانتحاري والمسعف عملا عملين متضادين وكل منهم لا يعرفني، الأول لا يقصدني بالتحديد، والثاني لم يكن يعرف اسمي قبل أن ينقذني.

جيل في صورة لها مع المُسعف الذي أنقذها بعد عشرة أعوام على الحادث

في حديث لـ سي إن إن مع الناجين من أحداث باريس في نهاية العام الماضي، يقول أحد الناجين وهو بعمر الثانية عشرة بأنه لم ير جثة ميتة في حياته من قبل، ولكنه ظل مُحتميًا بواحدة منهم لكي لا يتم الإمساك به وقتله كما حدث مع الآخرين، يقول الصبي بأنه لم يتخيل نفسه محتميًا بجثة ميتة كان صاحبها يستمتع بالحفل الموسيقي منذ عدة دقائق ماضية، وهو ما جعل الصبي في حالة من الصدمة جعلته ثابتًا في مكانه لمدة طويلة.

تقول إحدى الناجيات من أحداث باريس حينما نشرت سي إن إن روايات الناجين بأنها شهدت لحظاتها الأخيرة أمام أعينها، فكان كل شيء بالنسبة لها هو النهاية، ولم تشعر بأنها مازلت حية إلا بعد أن طلب منها رجال الشرطة أن تهرب من المكان بأقصى سرعة، تقول الفتاة بأنها لا تتمنى أن يرى أحد في العالم ما حدث لها في حياته.

الناجون من حادثة أورلاندو يتحدثون عما حدث

في أحداث القتل الجماعي الأخيرة في أورلاندو في الولايات المتحدة الأمريكية، قامت إحدى الفتيات برواية لحظاتها الأخيرة قائلة بأنها كانت تدعو الله أن يأخذ كل هذا الألم من جسدها لأنها لم تعد تستطيع أن تتحمل طلقة نارية أخرى في جسدها، حتى وإن كان ذلك بأن تموت، لكي يتوقف ذلك الألم.

كما كانت تقول جيل في حديثها في البداية، إن ما حدث لها في تلك الحداثة لم يزد من كرهها، بل على العكس، زاد من قدرتها على المسامحة والنظر إلى الحياة بمنظور مختلف، لتتساءل في نهاية حديثها ما إذا كان ما يفرقنا هو مهم وأساسي بتلك الدرجة التي تجلعنا لا نشعر بأننا أمة واحدة إلا في الكوارث والحوادث، وأننا كلنا من نفس الفصيلة، وأن كلنا بالنهاية بني آدم، لا يجب علينا أبدًا أن نصنف كأعداء أو أصدقاء قبل أن نتعرف إلى الشعوب والقبائل، أو هكذا ما يجب أن يكون عليه الوضع على الأقل.