ترجمة وتحرير نون بوست
تُخفي سردية “النهضة الإثيوبية”، التي تحاول السلطات ترويجها بفخر لا متناه، الطبيعة القمعية للدولة السلطوية، حيث يشير تقرير جديد صدر عن منظمة هيومن رايتس ووتش إلى أن احتجاجات الأورومو الأخيرة ضمن إثيوبيا، تعكّس صورة مقلقة لحكومة تزدهر بالتعويل على آلام القمع المنهجي والعنف الرسمي.
يوضّح التقرير، الذي أشار أيضًا إلى أن عدد القتلى جرّاء الاحتجاجات المستمرة منذ سبعة أشهر يناهز الـ400 شخصًا، بأن سردية “النهضة الإثيوبية” ما هي إلا سلسة بونزي سياسية (سلسلة بونزي هي نظام بيع هرمي تمثّل شكلًا من أشكال الاحتيال تتمثل بوعد بربح كبير من خلال تزويد أوائل المستثمرين بالأموال المتحصلة من المستثمرين المتأخرين).
تحت القشرة الانتقائية التي يعمل من خلالها عصر النهضة والتحول الإثيوبي، تكمن حقيقة مزدوجة الوجه، كوجه الإله يانوس، تتمثل بأن انتصار البعض يقوم على القمع المطلق للبعض الآخر؛ حيث تكشف احتجاجات الأورومو المعاناة المستدامة والوحشية المطلقة التي تختبئ تحت الخطاب الزائف لتنمية ونهضة إثيوبيا.
السخط العرقي المتخمر منذ أمد
بعد 25 عامًا من سيطرته المطلقة على الحياة العامة في البلاد، يواجه الحزب الحاكم أكبر تحد سياسي يجابهه حتى الآن: مقاومة غير تقليدية ومبتكرة لحكمه للبلاد بقبضة حديدية.
ما يكشفه المشهد الدرامي لهذا الاحتجاج الذي يطّرد في تحديه، هو حبكة باطنية لم يتوقعها أو يفهمها مخططو أسطورة “النهضة الإثيوبية” والمصفقون لها، تتمثل بأن القوة الساخطة تستطيع أن تعيث فسادًا وتشل مرافق الدولة حتى لو تم مواجهتها بالعنف الرسمي القاتل.
على الرغم من أن احتجاجات الأورومو اندلعت في البداية ردًا على خطر تهجيرهم بسبب سياسات التنمية الإثيوبية، وبخاصة التوسع المقترح للحدود الإقليمية للعاصمة أديس أبابا إلى أراضي الأورومو المجاورة؛ إلا أن هذا السبب لا يكفي بانفراده لتفسير مستوى التحدي القائم في شوارع أوروميا.
بل بدلًا من ذلك، لا بد من أن نفهم الاحتجاج على أنه مظهر من مظاهر السخط العرقي المتأجج والمتخمر منذ أمد طويل، وبأنه عَرَض من عوارض أزمة تمثيل أعمق دفعت عرق الأورومو إلى هامش الحياة السياسية في البلاد.
وعلى الرغم من التنازل النادر من جانب السلطات الإثيوبية من خلال إلغائها للـ”الخطة الرئيسية”، إلا أن الاحتجاجات لا تزال جارية للمطالبة بإصلاحات سياسية حقيقية تهدف إلى إعادة التنظيم العادلة ولتنفيذ إصلاحات على الأطر والترتيبات للسلطة القائمة في البلاد.
يقول المحتجون بأن ترتيبات السلطة الحالية ضمن التشكيلة العرقية المختلطة للدولة الإثيوبية، والتي تعطي لنخب عرق التيجراي اليد الطولى للهيمنة على كافة جوانب الحياة العامة، ليست غير ديمقراطية فحسب، بل تشكّل أيضًا تهديدًا وجوديًا للتعايش السلمي بين المجتمعات في المستقبل .
السؤال الأوروموي
في ظل كون الأورموميون يشكّلون أكبر مجموعة عرقية ضمن بلد متعدد الأعراق، يمثّل ضمنها المحدد العرقي شكلًا بارزًا من أشكال التنظيم والتعبئة السياسية، يعكس الترتيب السائد حاليًا للسلطة في البلاد مشكلة فريدة من نوعها وتحديًا من نوع خاص لعرق الأورومو.
فوفقًا لإحصائيات التعداد الوطني الإثيوبي لعام 2007، يشكل الأورومو 34.49% من السكان، بينما تمثل المجموعة العرقية المهيمنة سياسيًا، عرق التيجراي، 6.07% من إجمالي عدد السكان، علمًا أن الرقم الحقيقي لتعداد شعب الأورومو هو أعلى من ذلك بكثير.
يمثل الأورومو، بحكم كونهم جماعة عرقية تشكّل أغلبية كبيرة، تهديدًا وجوديًا لشرعية حكم عرق التيجراي؛ مما أسفر عن وضعهم تحت المراقبة والسيطرة لخلق مظهر من الاستقرار والشمولية.
في تقرير مهم بعنوان “لأنني أوروموي”، تصف منظمة العفو الدولية قمعًا واسعًا وممنهجًا، ومذهلًا في نطاقه وحجمه، أدت ضمنه حرب الهوية العرقية والسلطة السياسية إلى حملة تجريم واعتقال لم يسبق لها مثل مورست ضد عرق الأورومو على مدى السنين الخمسة الماضية.
لطالما كان الأورومو ضحايا للهجمات العشوائية وغير المتناسبة على أيدي قوات الأمن الإثيوبية، وكان لهذا الأمر، كما يقول المحتجون، تأثير أكثر عمقًا وأكثر انتقاصًا لهوية وثقافة الأورومو، بحيث أضحت خفية ومجهولة أمام وجهات النظر والأطر العامة.
حتى هذه اللحظة، تمثلت ردة الفعلة الحكومية تجاه احتجاجات الأورومو برفضها، بث معلومات خاطئة عنها، وصمها بالمعادية للسلام والتطور، واتهامها بالعمالة للقوى الخارجية، وهو تكتيك قديم تستخدمه الحكومة لتشويه وتجريم المعارضين، حيث يحاكَم أعضاء الاحتجاجات الأكثر فعالية وقوة بتهم الإرهاب اليوم.
النفوذ الغربي
صمت المجتمع الدولي المطبق في ظل التقارير المتسقة والمستمرة التي تدق نواقيس الخطر بشأن الفظائع المنهجية واسعة النطاق الجارية في إثيوبيا، هو صمت يصم الآذان.
التركيز المفرط للغرب على “الحرب على الإرهاب”، وميله للنظر إلى سياسة حقوق الإنسان من منظار هذه الحرب، يعني بأن أولئك الذين يعتدون على المواطنين تحت ستار الحرب على الإرهاب هم في منأى عن النقد والمحاسبة.
في العقد الذي أعقب حوادث 11 سبتمبر، ذهب الغرب أبعد من مجرد تقديم الدعم التقني والمالي، حتى وصل إلى توفير الغطاء الدبلوماسي لانتهاكات حقوق الإنسان التي تمارسها الحكومة الإثيوبية، بما في ذلك خلق نوع من القصص الوهمية بأن إثيوبيا هي دولة ديمقراطية تمثّل قصة نجاح اقتصادي، كما ساعدت إشادة كبار المسؤولين الدوليين، بما في ذلك رئيس الولايات المتحدة الأمريكية باراك أوباما، بالحزب الحاكم “المنتخب ديمقراطيًا”، بتوفير التأييد والشرعنة التي تشتد حاجة الحكومة الإثيوبية لها.
إثيوبيا هي وليد كلاسيكي لسياسة مكافحة الإرهاب، تمخضت الأمور ضمنها، بغير قصد، عن الحالة عينها التي كانت تلك السياسة تسعى لمنعها، حيث بزغت دولة بوليسية تذكرنا بشتازي ألمانيا الشرقية.
“النهضة الإثيوبية” هي سردية مموجة وقصة خيال اقتصادي باشر في الانهيار؛ فمع تخفيض صندوق النقد الدولي لمستوى توقعاته الاقتصادية لإثيوبيا إلى 4.5% نزولًا من 10.2% في العام الماضي، ومع نزوح السكان فرارًا من قمع الدولة، وحالات الجفاف التي جعلت خُمس سكان أثيوبيا، البالغ عددهم 100 مليون شخصًا، يعتمدون على المساعدات الغذائية، انكشفت المعجزة الاقتصادية لإثيوبيا على حقيقتها باعتبارها معجزة تلعب لصالح النخبة.
تظن الحكومة الإثيوبية وشركائها في الغرب بأن الحنق سيندثر، وبأن الغضب سيتلاشى ويندحر، ومن هذا المنطلق، يجب علينا ألا نوفر أي فرصة لإثبات أنهم على خطأ.
المصدر: الجزيرة الإنجليزية