في خطوة مفاجئة قلبت الرأي العام الفلسطيني بشكل كبير على الرئيس محمود عباس، ووجهت له سهام النقد والاتهام بـ”الخيانة والفساد”، تم الكشف عن اتفاقات سرية يجريها مع مسؤولين “إسرائيليين” تتعلق بقضايا الحل النهائي وتبادل الأراضي مع الجانب الإسرائيلي.
الغريب بتلك الاتفاقات أنها جاءت بعد تأكيدات رسمية من الرئيس الفلسطيني محمود عباس، أنه لا توجد أي مفاوضات سرية مع إسرائيل، وقضايا الحل النهائي لا يمكن التطرق لها في أي مفاوضات سرية أو علنية مع الاحتلال إلا بموافقة الفصائل كافة وعدم التنازل عن أي حق من الحقوق والثوابت الفلسطينية.
الموقف الذي يعيشه الآن الرئيس عباس لا يحسد عليه، خاصة بعد الكشف رسميًا عن بنود الاتفاق الذي جرى بينه وبين زعيم المعسكر الصهيوني إسحاق هرتسوغ، مما أوقع السلطة في الفخ الإسرائيلي مجددًا بعد الكشف عن تلك الاتفاقات السرية والخطيرة.
بنود الاتفاق السرية
القناة العاشرة الإسرائيلية، هي التي فجرت القنبلة بعد كشفها النقاب عن وثيقة سرية تبلورت بين زعيم المعسكر الصهيوني إسحق هرتسوغ والرئيس محمود عباس حول سبل حل القضايا الجوهرية في الحل النهائي.
بحسب الوثيقة فإن حائط البراق سيبقى بيد إسرائيل، فيما سيتم تعويض اللاجئين الفلسطينيين، على أن تنسحب إسرائيل من القدس الشرقية التي ستدار من جانب بلدية موحدة، وأثار كشف النقاب عن الوثيقة عاصفة سياسية في إسرائيل، حمل فيها اليمين ووسط اليمين على هرتسوغ وحزب العمل.
وكانت وثيقة التفاهمات هذه قد تم التوصل إليها، وفق القناة العاشرة الإسرائيلية، قبيل الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة، حيث كان هناك انطباعًا بوجود احتمال أن يفلح هرتسوغ والمعسكر الصهيوني في إسقاط رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو وحكم اليمين.
وقد أدار المفاوضات ممثلًا عن هرتسوغ عضو الكنيست السابق إفرايم سنيه مع مسؤول فلسطيني رفيع المستوى لم يذكر اسمه ممثلًا عن الرئيس عباس، وبوساطة الناشط اليساري غرشون باسكين، وكان أساس المفاوضات اتفاق على أن تشكل مبادرة السلام العربية قاعدة للواقع الإقليمي الجديد في الشرق الأوسط.
حتى اللحظة لم يصدر أي رد فعل من جانب القيادات الفلسطينية بشأن هذه الوثيقة، لكن ليس هذا حال إسرائيل حيث تصاعدت الانتقادات الحادة لهرتسوغ واعتبار عمله خطيرًا.
وحسب الوثيقة فإن رئيس كتلة المعسكر الصهيوني إسحق هرتسوغ وافق على إعادة أراضي الضفة الغربية وشرقي القدس لسيطرة السلطة الفلسطينية، وفضلًا عن ذلك هناك عودة لاجئين فلسطينيين إلى أراضي دولة إسرائيل، ولكن وفق موافقة الطرفين.
استبدال الأراضي
وفي قضية الحدود وافق هرتسوغ على نقل السيطرة على الأرض الفلسطينية بنسبة 100% من المساحة التي احتلت في حزيران 1967، ولكن يتم استبدال 4% منها في إطار صفقة تبادل أراضٍ.
وبخصوص القدس، وافق زعيم المعسكر الصهيوني على أن تنسحب إسرائيل من الأحياء العربية في القدس الشرقية لتغدو عاصمة الدولة الفلسطينية، على أن تبقى القدس، غربيها وشرقيها، مدينة موحدة يشرف على إدارتها مجلس بلدي واحد للعاصمتين، وتقضي الوثيقة بأنه فيما يتعلق بالحرم القدسي فستشرف على إدارته قوة متعددة الجنسيات، ولكن يبقى حائط البراق تحت السيادة الإسرائيلية.
وبخصوص اللاجئين فإن حل الخلاف يتم وفق المبادرة العربية التي تتأسس على القرار 194 للجمعية العمومية للأمم المتحدة، والقاضي بمنح تعويضات مالية لغالبية اللاجئين وإعادة رمزية لعدد منهم على قاعدة قرار مشترك، وفي الشأن الأمني اتفق الطرفان على تواجد إسرائيلي رمزي في غور الأردن يشمل تواجد نقطتين مدرعتين، وأن تتم مكافحة الإرهاب عبر أجهزة مشتركة لإسرائيل والأردن وفلسطين.
وبعد نشر فحوى الوثيقة أصدر مكتب هرتسوغ بيانًا قال فيه “في الاتصالات مع رئيس السلطة الفلسطينية خلال العام 2014 بذلت جهودًا بهدف التوصل إلى تفاهمات تمنع سلفًا موجة الإرهاب التي توقعت وصولها، بالضبط مثل الجهد الذي أديره حاليًا من أجل ألا يقود التخلي عن المبادرة لمؤتمر إقليمي من جانب حكومة اليمين المتطرف إلى أن تسقط علينا الحرب المقبلة، وبعد جولات الحروب والجنازات تقريبًا كل عام في العقد الأخير لست على استعداد للإصغاء للشعارات التي ترى أنه ليس بالوسع مواجهة أي خطر سوى بالقوة العسكرية”.
هرتسوغ أضاف أن “معظم ترتيبات السلام تم التوصل إليها بعد جولات من سفك الدماء قاسية بين الشعوب التي حاربت بعضها، اليمين دومًا يقترح علينا الحرب، وبعد ذلك يركض لإبرام اتفاقيات سلام، ونحن ببساطة نقترح قلب الترتيب ومنع مئات الآباء والأمهات من زيارة قبور أبنائهم، يجدر باليمين أن يدرس ذلك”.
وفور كشف النقاب عن الوثيقة أعلن وزير شؤون القدس زئيف ألكين من الليكود أن “هوة تفصل بيننا وبينهم، وليس لهم مكان في حكومة يرأسها الليكود”، وأضاف أن “الكشف عن الاتفاق السري بين هرتسوغ وأبو مازن يثبت مرة أخرى أن انتصار الليكود في الانتخابات الأخيرة أنقذ دولة إسرائيل من خطة انتحارية من التنازلات الخطيرة للغاية التي تتضمن تقسيم القدس”.
تنازلات خطيرة
هنا يرى خبراء ومحليين سياسيين، أن ما يقدمه الرئيس عباس للجانب الإسرائيلي خلال لقاءاته وجلساته السرية هي تنازلات خطيرة تمس الحقوق الثوابت الفلسطينية.
ماهر نصار الكاتب والمحلل السياسي، رأى أن الفصائل والقوى الوطنية يجب أن تتحرك بصورة عاجلة، لمنع الرئيس عباس من تقديم تنازلات جديدة لصالح الاحتلال الإسرائيلي على حساب الحقوق الفلسطينية التي ضحى من أجلها آلاف الشهداء والأسرى والجرحى.
يضيف نصار في تصريح خاص نون بوست، في غزة: “ما كشف عنه الإعلام العبري هو نقطة من بحر التنازلات السرية التي تقدمها السلطة لإسرائيل، ويجب أن يتحرك الفلسطينيون بشكل عاجل قبل وقوع الكارثة التي لا يمكن لأحد أن يتوقع خطورتها ونتائجها”.
المحلل السياسي، حذر كذلك الرئيس عباس من تقديم تنازلات جديدة قد تصل لـ “الخيانة الوطنية”، مؤكدًا أن الاحتلال لا يريد السلام بل القتل والدمار وسرقة الحقوق والاعتداء على المقدسات الإسلامية والمسيحية، ونهج السلطة في التفاوض معه انهزامي خطير للغاية.