في يوم الجمعة 4 ديسمبر 2015 سقط أكثر من 80 جنديًا إماراتيًا كانوا يتواجدون في محافظة مأرب اليمنية شمال شرق العاصمة اليمنية صنعاء، ضمن قوات متعددة من التحالف العربي الذي تقوده السعودية في حربها ضد الحوثيين الساعية لاستعادة الشرعية وتدمير الصواريخ البالستية واستعادة أسلحة الدولة التي نهبها الحوثيون من المعسكرات، عقب اقتحامهم صنعاء واستيلائهم على السلطة بالقوة في 21 سبتمبر 2014.
قوات إماراتية عائدة إلى ديارها
وفي 5 ديسمبر – أي بعد يوم واحد منذ أن منيت قوات التحالف العربي بخسائر في اﻷرواح هي اﻷكبر منذ بدء حملتها نتيجة لصاروخ أطلقه الحوثيون على تجمع لقوات التحالف في المنطقة -، أعلنت دولة الإمارات الحداد الرسمي وتنكيس الأعلام لمدة ثلاثة أيام اعتبارًا من صباح السبت 5 سبتمبر، وأصدرت وزارة شؤون الرئاسة بيانًا نعى فيه الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات الجنود القتلى.
وفي يوليو 2015 أي قبل منيها بخسائر كبيرة في مأرب، قادت اﻹمارات العربية المتحدة هجومًا بريًا على عدن جنوب البلاد، تمكنت خلاله من طرد مليشيات حوثية من محافظة عدن لكنها لم تستطع التقدم نحو محافظة تعز اليمنية نتيجة للطبيعة الجغرافية هناك ووجود قوات حرس جمهوري متاخمة للمحافظة، إضافة إلى خلافها مع قيادات المقاومة الشعبية التي تقول إنهم ينتمون لجماعة اﻹخوان المسلمين.
ومنذ تحرير عدن، تعرضت المدينة لهجمات عنيفة من قبل تنظيم القاعدة وداعش، تستهدف الجنود اﻹماراتيين وقوات التحالف والحراك الانفصالي، وهو ما زاد الوضع في العاصمة التجارية والاقتصادية سوءًا، وأجبر ذلك الإمارات على أن تبعد قواتها عن مهام الجبهة الأمامية ودوريات الشوارع المنتظمة لتقليص الخسائر في صفوف جنودها، لكنها ظلت متمسكة بالقرار السياسي هناك، ويدل على ذلك رفضها قرار الرئيس اليمني عبده ربه منصور هادي التعيين في المناصب التي يخالف أجندتها هناك، وأجبرت منصور هادي على الإطاحة بمحافظ عدن نايف البكري، بسبب انتمائه لحزب الإصلاح الممثل للإخوان المسلمين في اليمن، على الرغم من الإجماع الذي يحظى به البكري بين أبناء المدينة وفصائلها المقاومة.
وقبل أسبوع من سريان وقف إطلاق النار وبدء الحوار أو المشاورات بين المكونات السياسية اليمنية المختلفة على السلطة في الكويت، أقال الرئيس اليمني عبده ربه منصور هادي رجل الإمارات الأول في اليمن خالد محفوظ بحاح، من منصبيه كرئيس الحكومة ونائب الرئيس، وعين بدلًا عنه الجنرال العجوز علي محسن الأحمر نائبًا (المحسوب على الإخوان)، وأحمد عبيد بن دغر رئيسًا للحكومة، وهو ما مثل احتقانًا سياسيًا للإمارات العربية المتحدة، وشعرت أن مصالحها قد تذهب أدراج الرياح، لاسيما وأنها منيت بخسائر ضخمة منذ مشاركتها في عاصفة الحزم.
للإمارات العربية المتحدة أهداف وأجندة خاصة بها تسعى لتحقيقها، وباتت تلك الأجندة مكشوفة وتتمثل في مصالحها الاقتصادية وسيطرتها على ممرات مائية في المنطقة.
وبالرغم من خسائرها الضخمة في اليمن، إلا أنها مستعدة لأهمية عدن بالنسبة لها بعد انسحابها منها في 2012، بعدما حاول الرئيس عبد ربه منصور هادي تعديل شروط الاتفاقية، ويدل على ذلك تصريحات سلطان بن سليم رئيس مجلس إدارة موانئ دبي العالمية في أكتوبر 2015، الذي قال: “إننا نستكشف المجالات التي يمكن أن نساعد فيها جيراننا في مبادراتهم لاستعادة البنية التحتية البحرية والتجارية في عدن، ونتطلع إلى تطور مناقشاتنا في المستقبل القريب”.
جنود إماراتيون
إذًا، كيف يمكن للإمارات العربية المتحدة أن تعيد تلك المناقشة مع الرئيس اليمني عبده ربه منصور هادي الذي كان سببًا في انسحابها من ميناء عدن، فلا بد أن يكون لها خطة بديلة، وهي أهمية أن تناقش تلك الاتفاقية بدون عبده ربه منصور هادي، وذلك لن يتحقق إلا بانفصال الجنوب عن الشمال، أو تفرض إرادة هناك “بالقوة كما تعتقد”، لتكون عدن وممرات إقليمية أخرى تحدت دائرة نفوذها، لكن تلك السيناريوهات التي لم يستطع الإماراتيون صنعها ومهددة بالفشل، إضافة إلى ذلك هناك ثلاثة محاور جعلت الإمارات تحاول أن تنسحب من التحالف لحفظ ماء وجهها.
المحور الأول: تصاعد الخسائر العسكرية للقوات الإماراتية، منهم من قتل في مأرب، والبعض الآخر في عدن سواء من قبل الحوثيين أو تنظيم القاعدة، إضافة إلى خسارتها ثلاث طائرات (مروحيتين وإف 16)، في اليمن.
المحور الثاني: تزايد مستوى الإدانات الدولية للتحالف العربي، وخصوصًا التصريحات غير المسبوقة لمرشحة الرئاسة الأمريكية عن الحزب الديمقراطي هيلاري كلينتون عقب هجوم أورلاندو، وهددت صراحة دول الخليج بضرورة إيقاف دعم الجماعات المتطرفة وقالت في خطاب في كليفلاند بولاية أوهايو بأن الوقت قد حان ليمنع السعوديون والقطريون والكويتيون وآخرون مواطنيهم من تمويل منظمات متطرفة، وطالبت أيضًا بأن يكف الخليجيون ومن ضمنهم الإمارات عن دعم مدارس ومساجد متطرفة دفعت بعدد كبير من الشبان على طريق التطرف في العالم، ويبدو أنهم فهموا ذلك، وبالتالي قد تحاول الإمارات الخروج من هذا المازق.
المحور الثالث: تراكم الخلافات الإماراتية السعودية منذ بداية الحرب على اليمن، فبعد إقالة خالد بحاح نائب الرئيس اليمني والذي يعد من أكثر الموالين للإمارات، دشنت السعودية محادثات مع الحوثيين في الكويت والتي لم تصل إلى أي نتائج حتى الآن، بالإضافة إلى دخول الرياض في مفاوضات مباشرة مع الحوثيين ووصول وفد رسمي إلى السعودية لإجراء محادثات هناك، فهم يرون أن التحالف بين السعودية والحوثيين قادم، وأنهم “أي الإماراتيين” سيكونوا هم الخاسرون من هذه الحرب، وقد يخرجون منها بخفي حنين.
“Our standpoint today is clear: war is over for our troops; we’re monitoring political arrangements, empowering Yemenis in liberated areas”
— محمد بن زايد (@MohamedBinZayed) June 15, 2016
تغريدة محمد بن زايد
وبالرغم من ذلك، فالرؤية مضطربة عند الإماراتيين، وهم ﻻ يستطيعون معارضة الدور السعودي في اليمن رغم محاولتهم ذلك أو رغبتهم في ذلك، لكن المخاوف كبيرة من أن تندفع الإمارات نحو تشجيع العناصر اﻻنفصالية لإعلان اﻻنفصال من طرف واحد، وهذا ما سيجر المناطق الجنوبية نحو صراع دامٍ مناطقي وجهوي وأيضًا إقليمي لأن إيران هي التي ستقطف ثمار أي تحركات انفصالية، أن من يرفعون اليوم شعار الانفصال هم عناصر مرتبطة بها.
القرار الإماراتي باستمرار الوجود العسكري رغم الخسائر مازال مرتبكًا ويسوده التشويش، فهم من ناحية يريدون التخلص من هذا العبء ومن ناحية أخرى يخشون الغضب السعودي عليهم إن أظهروا تخليهم عن التحالف الذي انخرطوا فيه، وكانوا عنصرًا أساسيًا فيه.
لكن ووفقًا لكل المؤشرات ستجبر الإمارات على الانسحاب من اليمن شماله وجنوبه لأنها ﻻ تستطيع تحمل فاتورة البقاء أو إغضاب السعوديين بالانفراد بموقف يصطدم بحسابات الواقع أو بالحسابات السعودية في اليمن.
وإعلان وزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتي أنور قرقاش بانتهاء الحرب في اليمن، هي محاولة إظهار الغضب بعد تكرار إسقاط طائراتهم ومحاصرتهم في عدن بإعادة حكومة بن دغر، لكنهم في الوقت الراهن بعيدون عن الانسحاب خاصة من حضرموت وعدن، هم سينسحبون لكن ليس اآن، والدليل إرسالهم بتعزيز لقواتهم إلى حضرموت في اليوم التالي من إعلان أنور قرقاش.