التقى رئيس هيئة الدفاع البريطانية مع مسؤولين أمنيين رفيعي المستوى في البحرين بعد أقل من يوم من قيام البحرين بتجريد أحد كبار رجال الدين الشيعة في البلاد من جنسيته، وفقًا لما ذكرته صحيفة الميدل إيست آي في تقرير لها حول الموضوع.
تشير الصحيفة إلى أن تجريد رجل الدين البحريني آية الله عيسى قاسم من جنسيته، جابه ردود فعل مستهجِنة من قِبل الأمم المتحدة، التي وصفت هذه الخطوة يوم الاثنين المنصرم بـ”غير المبررة صراحة”، كما أوضح تقرير الصحيفة بأن هذه الخطوة هي الأحدث من بين الخطوات التي تتخذها المملكة المتحالفة مع الغرب، والتي تتمتع بأغلبية شيعية يحكمها نظام ملكي سني، في خضم حملتها المتصاعدة لقمع المعارضة الداخلية.
وصف ناشطو حقوق الإنسان اجتماع يوم الثلاثاء ما بين الجنرال السير نيكولاس هوتون، رئيس هيئة الدفاع البريطانية، والقائد العام لقوة دفاع البحرين، الشيخ خليفة بن أحمد آل خليفة، بأنه “ضوء أخضر” لاستمرار المملكة في قمعها، حيث تقف هذه الزيارة في تناقض صارخ مع الانتقادات المتزايدة في الأوساط الدبلوماسية للحملة التي تشنها البحرين على الشخصيات المعارضة ضمن المملكة.
بالإضافة إلى ما تقدم، يتزامن هذا الاجتماع رفيع المستوى مع التحذيرات التي أطلقها أحد كبار الجنرالات الإيرانيين، الجنرال قاسم سليماني، من أن قرار البحرين بتجريد قاسم من جنيسته سيسفر عن تمرد مسلح عاصف ضمن المملكة.
يرجح كاتب المقال، جايمي ميريل، بأن التحذير الذي أطلقه الجنرال سليماني، قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، وضع المصالح البريطانية الحيوية ضمن المملكة الخليجية الإستراتيجية تحت التهديد، مما مهّد ربما لزيارة هوتون للبحرين.
في هذا السياق، نقلت الصحيفة عن النائب في البرلمان البريطاني وزعيم حزب الديمقراطيين الأحرار، تيم فارون، وصفه للزيارة بأنها “تعبير محزن عن مدى ضآلة اهتمام الحكومة البريطانية بحقوق الإنسان”، الذي أوضح بأنه سيكتب لوزارة الدفاع البريطانية مطالبًا إياها بنشر محاضر الاجتماع الذي عُقد في البحرين.
ضغوط متنامية
تخضع المنامة اليوم لضغوط متنامية ومطردة وسط التقارير التي تشير إلى استمرار الاحتجاجات في البلاد اعتراضًا على تجريد رجل الدين الشيعي من جنسيته، حيث أشارت الناطقة الرسمية باسم مكتب الأمم المتحدة لحقوق الانسان بأن هذه الخطوة تشكل انتهاكًا للقانون الدولي.
“بالنظر إلى عدم اتباع الإجراءات القانونية الواجبة، فإن هذه الخطوة لا يمكن تبريرها”، قالت رافينا شامداساني ضمن مؤتمر الأمم المتحدة في جنيف، واستطردت موضحة بأنه وبموجب قواعد القانون الدولي، لا يحق للدولة حرمان مواطنيها من الجنسية إلا في ظل ظروف معينة، حيث يجب أن تخدم هذه الخطوة غرضًا مشروعًا، وتكون متناسبة مع المصالح المحمية، فضلًا عن إفساح المجال للمتضررين للجوء إلى الطعن بالقرار أمام المحاكم.
“نحن نتحدث عمّا لا يقل عن 250 شخصًا تم حرمانهم من جنسيتهم، وهناك بعض التقديرات التي تشير إلى تقديرات أعلى من ذلك بكثير، وبالنظر إلى ذلك، فإن تلك الخطوة غير مبررة صراحة”، قالت شامداساني، وتابعت: “نحن قلقون للغاية من هذه الحملة المكثفة ضد حرية التعبير والجمعيات والحق بالجنسية، ونحث السلطات البحرينية للسعي لتهدئة الوضع، بدلًا من اتخاذ مثل هذه الخطوات المدمرة بتعاقب سريع يهدد جديًا بتصعيد الوضع”.
We are concerned that #Bahrain has intensified its crackdown on dissent. Full briefing here: https://t.co/e81tfFmCKU pic.twitter.com/47RhHTvZGk
— UN Human Rights (@UNHumanRights) June 21, 2016
نشعر بالقلق من قيام البحرين بتكثيف حملتها على المعارضة.
من جهة أخرى، انتقدت الولايات المتحدة، الحليف الوثيق للبحرين التي تستضيف الأسطول الخامس الأمريكي، قرار سحب الجنسية، حيث صرّح المتحدث باسم الخارجية الأمريكية، جون كيربي، يوم الاثنين قائلًا: “نحن قلقون من قرار حكومة البحرين بسحب الجنسية من رجل الدين الشيعي البارز الشيخ عيسى قاسم”، وأضاف:”لازلنا نشعر بانزعاج بالغ من ممارسات الحكومة البحرينية بسحب الجنسية من مواطنيها بشكل تعسفي”.
ضوء أخضر للقمع
على صعيد متصل، نقلت الصحيفة في تقريرها تصريح معهد البحرين للحقوق والديمقراطية، الذي يقع مقره في بريطانيا، الصادر في وقت سابق من هذا الأسبوع، والذي أوضح بأن اعتقال الناشطين “يصعّد التوتر”، وقد “يسفر عن تنامي العنف”، في الوقت الذي قالت فيه منظمة هيومن رايتس ووتش بأن هذا النهج يقود البلاد “لأحلك أيامها” منذ عام 2011، عندما خرج المتظاهرون إلى الشوارع للمطالبة بالمزيد من الحقوق السياسية ووضع حد للتمييز الممارس ضد الأغلبية الشيعية.
“لم تعمد المملكة المتحدة، الحليف البحريني الوثيق، إلى تأجيل الاجتماع حول التعاون العسكري، ناهيك عن امتناعها عن إصدار بيان حول القمع الشامل للمجتمع المدني في البحرين؛ بريطانيا تعطي البحرين ضوءًا أخضرًا للقمع”، قال سيد لوداعي، مدير حملة معهد البحرين للحقوق والديمقراطية.
يجدر بالذكر بأن اجتماع رئيس الأركان البريطاني تصادف في ذات اليوم الذي مددت فيه محكمة بحرينية اعتقال المدافع عن حقوق الإنسان نبيل رجب، الذي أُعيد اعتقاله يوم 13 يونيو بتهمة “نشر أخبار كاذبة وشائعات حول الوضع الداخلي في محاولة لتشويه سمعة البحرين”.
أكذوبة مناصرة بريطانيا لحقوق الإنسان
توضح صحيفة ميدل إيست آي البريطانية بأن الزيارة تأتي وسط استمرار التدقيق في العلاقة الوثيقة التي تجمع لندن والمنامة في أعقاب اتفاقهما لإنشاء قاعدة بحرية بريطانية جديدة في البلاد، فضلًا عن الكشف الذي ظهر في وقت سابق من هذا العام حول قيام قوات الكوماندوز التابعة للبحرية البريطانية بتدريب قوات الأمن البحرينية على تقنيات القنص.
في هذا السياق، تنقل الصحيفة عن فارون، النائب في البرلمان البريطاني قوله: “إنه تعبير محزن عن مدى ضآلة اهتمام الحكومة البريطانية بحقوق الإنسان، عندما يزور أعلى جنرال في المملكة المتحدة مملكة البحرين في اليوم الذي أدانت به الأمم المتحدة ذاك النظام باضطهاد القادة الدينيين وسحق المعارضة السياسية”، وتابع موضحًا: “لا يمكن لبريطانيا أن تدعي مناصرتها للحقوق العالمية في الوقت الذي تتملق به هذه الأنظمة، إن ذلك يقوض كل عمل مهم تقوم به وزارة الخارجية ووزارة التنمية الدولية على الصعيد العالمي”.
ويستطرد فارون حديثه للميدل إيست آي قائلًا:”كنت قد كتبت إلى وزارة الدفاع مطالبًا إياها بنشر النصوص أو محاضر الاجتماعات التي حضرها الجنرال السير نيكولاس هوتون في البحرين؛ فإذا كانت الوزارة ستدافع عن وجوده هناك، فلا يجب أن يكون لديها ما تخفيه”.
من جهته، انتقد مسؤول شؤون المملكة المتحدة في منظمة العفو الدولية، آلان هوغارث، نهج بريطانيا تجاه البحرين بقوله: “منذ إعلانها عن قاعدتها البحرية الجديدة في البحرين، تعمل المملكة المتحدة على ما يبدو على إعطاء الأولوية لعلاقاتها العسكرية بدلًا من تعكير صفو علاقتها مع البحرين بذكر سجلها الكئيب على نحو متزايد في حقوق الإنسان”، وتابع قائلًا: “من خلال الاعتقالات الجارية، الحملة المستمرة منذ فترة طويلة لقمع الاحتجاجات، التقارير المتواترة عن التعذيب أثناء الاعتقال، ومجموعة سجناء الرأي الذين يقبعون اليوم وراء القضبان، يطّرد الوضع في البحرين سوءًا أسبوعًا بعد آخر؛ لذا يتوجب على المملكة المتحدة إجراء إعادة تقييم شاملة لعلاقتها مع البحرين، كما يتوجب على الوزراء وكبار الدبلوماسيين والشخصيات العسكرية، مثل السير نيكولاس، التصدي لجميع أوضاع حقوق الإنسان في البحرين، بما في ذلك التحدث عنها علنًا”.
إدانات واهية
أوردت الميدل إيست آي في تقريرها التصريح الخاص الذي تلقته من وزارة الخارجية البريطانية بعد زيارة الجنرال هوتون، والذي أوضحت فيه “شعورها بالقلق من التقارير التي تفيد بتجريد رجل الدين البحريني الشيعي الشيخ عيسى قاسم من جنسيته”، وأضاف المتحدث باسم وزارة الخارجية بأن الحكومة البريطانية “تسعى للحصول على توضيح عاجل والمزيد من التفاصيل من السلطات البحرينية”.
ولكن الباحث في الشؤون الخليجية في منظمة هيومن رايتس ووتش، نيكولاس ماجيهان، أشار إلى أن بريطانيا لطالما كانت حليفًا وثيقًا للبحرين، موضحًا بأن إدانات الولايات المتحدة حول انتهاكات حقوق الإنسان في البحرين كانت “أقوى بالتأكيد” من البيان الذي أدلى به المسؤول البريطاني.
“التعبير عن القلق، مهما كان قويًا، لن يوقف حملة البحرين ضد معارضيها” قال ماجيهان، وتابع: “لا أعتقد بأن أي مراقب حيادي يصدق بأن المملكة المتحدة عازمة على أي شيء سوى الالتصاق بالبحرينيين والسعوديين والإماراتيين، بغض النظر عن سلوكهم وخطورة انتهاكاتهم للحقوق، لقد كانت الولايات المتحدة أقوى في انتقادها من بريطانيا، ولكن إذا كانت أمريكا مهتمة حقًا بتحقيق الاستقرار في البحرين، فيجب عليها القيام بأكثر من ذلك”.