لم يكد حبر – مجازًا – الموضوع السابق الذي نشره موقع “نون بوست”، حول صراعات الأنظمة في مصر، بين نظام الرئيس عبد الفتاح السيسي، و”نظام” سلفه المخلوع، حسني مبارك، بكل ما لم يزل يملكه من أدوات سيطرة وتأثير؛ يجف؛ حتى جاء القضاء الإداري – ربما – لكي يثير المزيد من غبار التساؤل حول المستوى الذي وصل إليه هذا الصراع، وإلى أين يأخذ مصر.
ففي يوم واحد، الثلاثاء، 21 يونيو 2016م، أصدرت الدائرة الأولى بمحكمة القضاء الإدارى، بمجلس الدولة المصري، برئاسة المستشار يحيى دكرورى، نائب رئيس مجلس الدولة، أربعة أحكام مثلت نقطة ارتباك للمراقبين والناشطين، وداخل الدولة، ولاسيما في الأوساط التي ليست على اطلاع على كامل الأمور؛ حيث الصورة موزعة في أسبابها وراء أكثر من احتمال.
وبالرغم من أن الصورة غير واضحة، لا في خلفياتها ولا في أسبابها؛ إلا أنه تبقى أن غالبية الاحتمالات؛ لا تقول بالخير للنظام المصري الحالي، وأنه قد يدخل في منطقة من أخطر المناطق التي يمكن أن تواجهه أية دولة في العالم، وهي تصادم مؤسساتها الدستورية مع بعضها البعض.
تتلخص أحكام القضاء الإداري – وكلها صدرت عن درجة تقاضي أولى، تليها المحكمة الإدارية العليا، أعلى درجات التقاضي داخل مجلس الدولة – أولاً، في بطلان اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية، والتي تضمنت اعتراف الحكومة المصرية بسعودية جزيرتَيْ “تيران” و”صنافير”.
الحكم لم يبطل فقط التوقيع على اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية، لكنه أكد كذلك على أن الجزيرتَيْن “جزء من الاقليم البري المصري، ومن حدود جمهورية مصر العربية”، كما “حظر القيام بأي إجراء يغير من وضعهما”.
بجانب هذا الحكم، صدرت أحكامٌ أخرى بإلغاء قرار التحفظ على أموال لاعب كرة القدم السابق، محمد أبو تريكة، وكذلك أموال مساعدة الرئيس المصري المعزول، محمد مرسي، الدكتورة باكينام الشرقاوي، ثم وقف تنفيذ قرار منع دخول المحامين إلى مقر نيابة أمن الدولة العليا.
القضية الأخيرة ذات صلة بموضوع أزمة اتفاقية “تيران” و”صنافير”؛ حيث أقامها المحامي مالك عدلي، المعتقل حاليًا على خلفية احتجاجات “تيران” و”صنافير” الأخيرة، مع عدد آخر من المحامين، بعد منعه من دخول مبنى نيابة أمن الدولة بمجمع محاكم التجمع الخامس لمزاولة أعماله ومتابعة القضايا الموكل فيها.
ثم، وقبل أن ينتهي اليوم، أصدر المستشار نبيل صادق، النائب العام، بفتح تحقيق في بلاغ مقدم من المحامي يُدعى محمد فاضل عاشور، ضد مفيد شهاب، الأمين العام المساعد للحزب الوطني المنحل، يتهمه فيه بنشر وترويج أخبار وإشاعات كاذبة تمثلت في تصريحاته بأن جزيرتَيْ “تيران” و”صنافير” تابعتَيْن للسعودية، وهو ما يتناقض مع إشرافه على رسالة دكتوراه تؤكد مصرية الجزيرتَيْن.
14 دعوى قضائية رُفعت بشأن هوية جزيرتَيْ “تيران” و”صنافير”، كانت من بينهما دعوتان تطالبان بإلزام رئيس الجمهورية بعرض اتفاقية إعادة ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية على الاستفتاء الشعبي.
فيما جاءت دعاوى أخرى، تقول بأن الجزيرتَيْن تمثلان مناطق ذات أهمية في خطط الدفاع الاستراتيجي عن مصر، وأن قرار التنازل عن السيادة المصرية عليهما من شأنه أن يؤثر على مكانة مصر وهيبتها حتى داخل التحالفات العربية القريبة.
خالد علي من أبرز الشخصيات التي وقفت خلف الحكم الأخير
السند القانوني الأهم الذي استند إليه الكثير من الذين أقاموا هذه الدعاوى، أن الاتفاقية الأخيرة بين مصر والسعودية، تخالف اتفاقية ترسيم الحدود الشرقية المبرمة بين الحكومة البريطانية ممثلة لمصر، والدولة العثمانية عام 1906م، والتي كانت تبعية الجزيرتَيْن فيها للقطر المصري، بوجب تبعيتهما لإقليم الحجاز الذي كانت لمصر سيطرة عليه في ذلك الوقت.
في اليوم التالي لهذه التطورات، أصدرت محكمة جنح قصر النيل برئاسة المستشار حسين جهاد، حكمًا ببراءة 22 من متظاهري جمعة الأرض.
هذا الحكم الأخير، غير الكثير من الانطباعات عن الأسباب التي تقف خلف التطورات الخاصة بالأحكام التي أصدرتها محكمة القضاء الإداري؛ حيث لا يمكن استبعاد عوامل معينة داخل النظام نفسه فرضت هذه التطورات.
قبل أيام صدر تصريح قال البعض إنه “عجيب” بعض الشيء – وهو بالفعل عجيب – لوزير الخارجية المصري، سامح شكري، خلال منتدى الحوار الوطني للشباب، الذي أقيم يوم 14 يونيو، بحضور شكري، ووزير الشباب والرياضة المصري، خالد عبد العزيز.
شكري قال في التصريح إن مجلس النواب “له كل الحق في مراجعة الاتفاقية الخاصة بجزيرتَيْ تيران وصنافير”، مشددًا على أن الاتفاقية “ستكون بلا قيمة إذا رفضها المجلس”.
وهو تصريح – لمن يعرف قواعد الدبلوماسية السليمة – لم يكن هناك ما يفرض أن يصدر بهذه الصورة؛ حيث كان يكفي شكري أن يجيب على أسئلة الشباب الحاضرين بصورة أقل تشديدًا من ذلك في اللفظ، والتأكيد على موقف الحكومة التقليدي.
والفرار من النقاشات العامة، هي “موهبة” في كل المسؤولين المصريين، منذ زمن الكاتب الجالس القرفصاء حتى الآن، وكان من المستغرَب من شكري ألا يلتزم بهذا العُرف الحكومي المتوارث عبر قرون طويلة، ولاسيما وأن الموضوع يتعلق بأمر شديد الحساسية، فيما يخص العلاقات مع المملكة العربية السعودية، التي لا تُعتبر أهم داعم للنظام المصري فحسب؛ بل أحد أهم أركان استقراره.
وهو ما يطرح الكثير من العلامات حول حقيقة الموقف المستجد في هذا الملف الذي ظنَّ الجميع أنه قد أُغلِق، بعد هدوئه في الشارع السياسي والميداني، بعد إجراءات الدولة الأمنية والسياسية في هذا الصدد.
تبعات الحدث
كان من المُفترض وفقًا للسياق المنطقي الدائم للكتابة، مناقشة خلفيات الحدث، قبل تناوُل تبعاته، إلا أن تبعات الحدث في هذه الحالة؛ قد تكشف بعضًا من خلفياته.
أهم تبعات الحدث، ليست في الجانب القانوني أو القضائي، وإنما في إطاره السياسي؛ حيث إن الحكم – أيًّا كان مدى صحته وجوازه قانونيًّا، وهل القضاء الإداري صاحب اختصاص أم لا في هذا الأمر – وما تلاه من إجراءات من جانب النائب العام في حق مفيد شهاب؛ قد أحرج الدولة وأعوانها، وليس السيسي فحسب.
فالسيسي الآن – بحكم قضائي، حتى ولو كان أوليًّا – متهمٌ بالتفريط في حقوق الدولة السيادية، وأنه – كما عبَّر خصومه من الإخوان ومن أعوان نظام مبارك، في منابرهم الإعلامية والسياسية – قد باع جزءًا من أرض الوطن، ينما كل مَن “استماتوا” من الإعلاميين والسياسيين الموالين لأي نظام يأتي لحكم مصر، وعلى رأسهم مصطفى بكري؛ قد ثبت بطلان مزاعمهم.
كما أن الأمر سوف يصيب العلاقات المصرية السعودية بشوائب الشك، الذي لن يمكن حسمه لدى الرياض، التي تمثل الضلع الأهم الداعم للنظام، حتى في صفقات السلاح الكبرى التي يقوم بها، إلا بعد حسم الموضوع بشكل دائم ومستقر، من خلال أحكام قضائية ومواقف برلمانية مستديمة.
ولقد بدا رد الفعل السعودي، غير رسميٍّ؛ حيث اقتصر على تصريحات ومواقف على وسائل الإعلام العالمية، وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، فيما صدر تصريح لهيئة الإذاعة البريطانية عن أنور ماجد عشقي، رئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات السياسية والإستراتيجية بجدة، قال فيه إن الحكم داخلي ولا يخص السعودية في شيء، وأنه في حال إقرار القضاء الإداري المصري بشكل باتٍّ بعدم تنفيذ الاتفاقية؛ فإن الرياض سوف تلجأ إلى التحكيم الدولي.
هنا نأتي للتبعات القانونية للحكم، والتي أولها هو وقف عرض الاتفاقية على البرلمان، بموجب أن مناقشة البرلمان للاتفاقية بعد إبطالها “يُعتبر عدم تنفيذ لأحكام القضاء من قبل السلطة التشريعية” وفق تصريحات لقضاة ومستشارين في المحكمة الدستورية العليا.
مجلس الشعب المصري لن يمكنه نظر الاتفاقية قبل حسم الأمر داخل القضاء الإداري
ومعنى ذلك أن النظام سوف ينتظر لحين إصدار المحكمة الإدارية العليا لقرارها في الأمر، ثم عرض الأمر على البرلمان – لو جاء حكم المحكمة مؤيدًا لموقف الحكومة – وبحثه والتصويت عليه، حتى يهدأ الجانب السعودية
إعلاميو النظام ورجال القانون من محامين وأكاديميين داعمين له، حاولوا امتصاص تبعات الحكم، ولكن من زاوية قانونية، بالادعاء أن هذا الأمر عملٌ من أعمال السيادة، والتالي؛ فإن المنوط بمناقشتها هو مجلس النواب.
ويستند هؤلاء إلى أمرَيْن، الأمر الأول هو المادة (151) من الدستور المصري الحالي، والتي تنص على الآتي:
“يمثل رئيس الجمهورية الدولة في علاقاتها الخارجية، ويبرم المعاهدات، ويصدق عليها بعد موافقة مجلس النواب، وتكون لها قوة القانون بعد نشرها وفقًا لأحكام الدستور.
ويجب دعوة الناخبين للاستفتاء على معاهدات الصلح والتحالف وما يتعلق بحقوق السيادة، ولا يتم التصديق عليها إلا بعد إعلان نتيجة الاستفتاء بالموافقة.
وفي جميع الأحوال لا يجوز إبرام أية معاهدة تخالف أحكام الدستور، أو يترتب عليها التنازل عن اى جزء من إقليم الدولة”.
الأمر الثاني يتعلق بسوابق أحكام لمجلس الدولة، في قضايا مماثلة واهمها حكم ، الصادر بشأن اتفاقية الغاز المصرية الإسرائيلية الموقعة في العام 2005م.
ففي الثاني من فبراير من العام 2009م، قضت المحكمة الإدارية العليا بوقف تنفيذ حكم القضاء الإداري بمنع تصدير الغاز المصري لإسرائيل، وقبلت الطعن الذي تقدمت به الحكومة لإلغاء أحكام صدرت عن محكمة القضاء الإداري في الفترة بين نوفمبر 2008م، ويناير 2009م، لصالح السفير إبراهيم يسري بإلغاء الاتفاقية.
الإدارية العليا قالت في حكمها، إن “قرار بيع فائض الغاز إلى دول شرق البحر المتوسط، ومنها إسرائيل، صدر من الحكومة بوصفها سلطة حكم، في نطاق وظيفتها السياسية، مما يدخل في أعمال السيادة التي استقر القضاء الدستوري والإداري والعادي على استبعادها من رقابته”.
وبطبيعة الحال؛ فإن إصرار هؤلاء على إسناد الأمر إلى مجلس النواب، له بواعثه؛ فالمجلس تم اصطناعه على عين النظام، وفي دهاليز أجهزته، كما كشف الناشط حازم عبد العظيم، الذي كان أحد أعضاء حملة السيسي الرئاسية، في شهادة له على صفحته على موقع التواصل الاجتماعي “فيس بوك”؛ ألمح فيها إلى أدوار لجهازي المخابرات العامة والحربية، في صناعة تحالف “في حب مصر”، الذي حصد جميع المقاعد المخصصة للقوائم، وحزب “مستقبل وطن”، الذي حصل على 51 مقعدًا في مجلس النواب الحالي.
خلفيات الحدث
ربط البعض بشكل تلقائي بين الأحكام الأخيرة الصادرة في القضية المعروفة إعلاميًّا بقضية التخابر مع قطر، والتي تم الحكم فيها بتثبيت إعدام ستة من الإخوان ومعارضي الحكم الحالي في مصر، بالإضافة إلى أحكام متفاوتة بالسجن، كان من نصيب الرئيس المعزول محمد مرسي، منها، حكمان، مجموعهما 40 عامًا.
ومنذ سنوات طويلة، من المعروف إن القضاء في مصر مُسيَّس، وأنه، مثل مختلف مؤسسات الدولة، فيه الكثير من الأجنحة، باعتباره مؤسسة من مؤسسات دولة ومجتمع منقسمين على أنفسهم.
منذ فترة حكم مبارك، ووفق النظام الذي اتبعه لتحقيق شكل من أشكال الهدوء والاستقرار على المستوى السياسي الداخلي؛ فقد تبنى نظام المحاصصة مع الإخوان المسلمين، والقوى الاجتماعية والسياسية الأخرى ذات التأثير، بحيث يكون لهذه القوى شكل من أشكال التأثير فيما دون المستويات الاستراتيجية الأهم في مؤسسات الدولة ومفاصل عملية صناعة القرار والتأثير.
فكما كان هناك سيطرة للحزب الوطني على مجلسَيْ الشعب والشورى، بينما ترك النقابات للإخوان والجماعات الأخرى؛ ذات الوضع كان في القضاء، بدرجاته، وفي حالة القضاء الإداري، كان يكفي النظام السيطرة على المحكمة الإدارية العليا، لكي يضمن السيطرة على القرارات النهائية لمجلس الدولة، بينما كان هناك وجود لا بأس به للإخوان ومعارضي النظام السابق في القضاء الإداري.
ولعلنا نذكر قضايا الانتخابات، سواء مجلسَيْ الشعب والشورى، أو المجالس الطلابية والجامعية؛ كانت تمر لصالح مرشحي الإخوان في القضاء الإداري، ولكنها كانت تُمنَع في الإدارية العليا، وبالمثل في القضايا ذات الحساسية السياسية، مثل اتفاقية الغاز المصرية الإسرائيلية؛ حيث كانت الإدارية العليا تنتصر دائمًا للنظام، بينما القضاء الإداري كثيرًا ما يحكم لصالح الإخوان والمعارضة.
ويدعم من رأي هؤلاء أن كل هذه الأحكام المثيرة للجدل، التي صدرت عن القضاء الإداري المصري، صدرت من دائرة واحدة، هي الدائرة الأولى، برئاسة المستشار الدكروري.
البعض رأى العكس، وخصوصًا بعد أحكام البراءة التي صدرت مؤخرًا؛ حيث لم تطعن عليها النيابة العامة، القريبة من النظام، في حق نشطاء ومتظاهري “تيران” و”صنافير”؛ إذ إن هناك – برأي هؤلاء – عاملَيْن أساسيَّيْن قد تجعل من النظام وراء هذه المنظومة من القرارات القضائية الخاصة بتيران وصنافير، وأبو تريكة، وباكينام الشرقاوي، والمحامين كما تقدَّم.
العامل الأول، يتعلق بالانتقادات الحادة التي تم توجيهها إلى القضاء المصري وصلت إلى المستوى العالمي، بعد أحكام قضية “التخابر مع قطر”، أما العامل الثاني، فيتعلق بمحاولة إحداث عملية تضليل واسعة تمرر هذه الأحكام وغيرها من الأحكام القضائية المُسَيَّسة أمام الرأي العام؛ باعتبار أنها أحكام قضائية تصب في مصلحة خصوم النظام، من الإخوان والمتظاهرين ضده، من شباب النشطاء والمجتمع المدني، وتظهره في مظهر النظام الديمقراطي، الذي يحترم أحكام القضاء ولا يزايد عليها إعلاميًّا.
إلا أن هناك بعض التفسيرات مقابلة تعود بنا إلى ملف الإخوان المسلمين، وتتعلق بسعي بعض الأطراف لإحداث أزمة داخل مؤسسات الدولة، وكان ذلك من خلال ضرب الحكومة بالقضاء الإداري والعادي، من خلال هذه المنظومة من الأحكام.
وثمَّة نقطة قد تعضد من ذلك التفسير، وتعيدنا إلى تصريحات وزير الشؤون القانونية والبرلمانية في الحكومة المصرية، المستشار مجدي العجاتي، في شأن موضوع المصالحة بين الدولة والإخوان المسلمين.
تصريح العجاتي، أثار أزمة واسعة داخل مؤسسات الدولة، وبين بعضها البعض، وخصوصًا داخل القوات المسلحة، لم يتم الإعلان عنها، ولكنها أخذت مجالاً واسعًا في اتصالات ونقاشات داخلية، كادت أن تقود إلى استقالة العجاتي أو إقالته، مع تراجع اللواء سعد الجمَّال، رئيس ائتلاف “دعم مصر” أكبر كتلة برلمانية، والتي قال فيها إن هناك شروط خمسة للمصالحة مع الإخوان، ثم تراجع عنها، تحت ضغوط سياسية.
فأية أعمال عنف تحدث في مصر في الوقت الراهن، وانحسرت كثيرًا بالفعل، لا تستهدف إلا قوات الجيش والشرطة في شمال سيناء، ولا يزال يسقط ضحايا من المؤسسة الأمنية والعسكرية، ولذلك لا يرى هؤلاء أي مجال للمصالحة مع الإخوان، في ظل اتهامات موجهة للإخوان، أو لأجنحة منهم، أو لجماعات قريبة منهم، بالتورط ودعم أعمال العنف التي تستهدف الجيش والشرطة.
البعض وضع أحكام القضاء الإداري، في إطار مساعي بعض الأطراف، سواء الموالية للإخوان، أو لنظام الرئيس المخلوع حسني مبارك، لتعميق الأزمة الراهنة، والتي تكلمنا عنها باستفاضة أكبر في موضوعات سابقة، وكان آخرها موضوع “نظام السيسي في مواجهة نظام مبارك والإخوان خارج المعادلة!”، ضمن عملية التدافع الحالية ضد السيسي ومنظومته التي تقوم على المؤسسة العسكرية بالأساس (وليس المؤسسة الأمنية والعسكرية بالكامل).
ويدعم هؤلاء موقفهم بتصريحات المستشارة تهاني الجبالي، عضو المحكمة الدستورية العليا، والتي كانت شديدة التشدد في تصريحاته حول إبطال الاتفاقية، وأن الحكومة لا يمكنها بأي حالٍ من الأحوال، تحريك ملف الاتفاقية خطوة واحدة إلى الأمام، حتى داخل البرلمان، لحين بتِّ المحكمة الإدارية العليا في الموضوع.
السعودية.. أين هي من هذا الجدل؟!
بالرغم من توازن كفَّة الاحتمالَيْن الرئيسيَّيْن السابقَيْن؛ وقوف النظام أو خصومه خلف هذه التطورات كافة؛ إلا أنه تبقى مجموعة من الإشارات التي تقول بأن النظام – برغم ما هو ظاهر في صدد تورطه في أزمة جديدة مع السعودية والرأي العام الداخلي – راضٍ عما جرى، وأنه يتم تحت ناظريه.
الدقة الأولى والأهم في هذا الصدد، هو عدم اعتراض النيابة العامة على أية أحكام ضد نشطاء احتجاحات “تيران” و”صنافير” كما تقدم، بالرغم من أن النيابة العامة اعتادت الطعن، وبشكل تلقائي أو أوتوماتيكي، على الأحكام التي تصدر على خلاف هوى النظام، في القضايا السياسية.
كذلك، وبعد 48 ساعة من صدور الحكم؛ لم يصدر عن الرياض أي تعقيب رسمي، كما لم يتم التعامل مع الموقف بالاهتمام اللازم، خلافًا لواقع الحال، مما يشير إلى اتصالات “طمأنة” أو ترتيب من أي نوع، جرت من القاهرة مع الرياض.
الاحتمال القائم وفق هذه الرؤية، هو أن القاهرة أرادت تأجيل تنفيذ اتفاقية “تيران” و”صنافير”، لفترة من الوقت، أو حتى التراجع عنها، لأسباب غير معلومة إلى الآن، بعد تأكيد العجاتي على أنه لو صدر حكم الإدارية العليا مؤيدًا لحكم القضاء الإداري؛ فإنه سوف يتم غلق الملف تمامًا، واحترام أحكام القضاء.
في هذا الصدد، ربما أرادت القاهرة التراجع في ظل ما أثارته الاتفاقية من أزمات داخلية، لم تتوقف، ولكن بعد أن بدأت السعودية بالفعل في تنفيذ حكومة مشروعاتها التي شملتها الاتفاقيات الـ14 التي تم التوقيع عليها خلال زيارة العاهل السعودي، الملك سلمان بن عبد العزيز إلى مصر في أبريل الماضي – وصار من غير الممكن للسعودية التراجع عنها، وإلا كان ذلك تأكيدًا منها لما أثاره الإخوان ونشطاء المجتمع المدني في مصر وخارجها، من أن السعودية قد “اشترت” الجزيرتَيْن بالفعل من مصر.
الطريف أن البعض طرح هذا الاحتمال باعتبار أنه ردٌّ من القاهرة على تسريبات الرياض للاتفاقية قبل توقيعها، بخلاف ما كان متفقًا عليه بين الطرفَيْن، في صدد الإعلان عنها بشكل تدريجي يراعي حساسية الموقف السياسي للأمر لدى الرأي العام والمعارضة في مصر.
في حينه، وهي معلومات مؤكدة، فإن الرياض تخوفت من أن تحصل القاهرة على مكاسب الزيارة والاتفاقيات الأخرى الموقعة خلالها، ولا تلتزم بعد أن تبدأ السعودية في تنفيذ تعهداتها بالفعل بموجبها، بما عليها من التزامات فيما يخص الحدود البحرية بالكامل، وليس تيران وصنافير.
هذا الاحتمال على طرافته، ولكن له وجاهته؛ حيث يعتمد على حقيقة مهمة بالفعل، وهي أن الرياض لا يمكنها التراجع عما بدأته من مشروعات واستثمارات في مصر، بموجب الاتفاقيات الموقعة خلال زيارة الملك سلمان.
كما أن هناك عامل مهم يدعم احتمال عدم قدرة الرياض على التراجع، حتى لو تراجعت القاهرة عن اتفاقية “تيران” و”صنافير”، وهي حيوية دور مصر والقوات المسلحة المصرية، وخصوصًا القوات البحرية، في ترتيبات الأمن القومي السعودي والخليجي، وفي التحالف السعودي العربي الذي يضم مصر والإمارات والأردن، والمغرب بشكل أو بآخر، ضد إيران، والذي بدأت السعودية تضعف في السياق العام للمواجهة فيه.
وبالرغم من أي تفسير؛ تبقى الأمور غامضة ومستغلقة، كالعادة فيما يتعلق بنظام يقوم على أكتاف رجل مخابرات سابق، يحاول أن يؤسس لنظام بديل لنظام ظل على رأس مصر، ويتغلغل في مؤسساتها، طيلة حوالي أربعين عامًا، يعود بالدولة إلى سيطرة صريحة للمؤسسة العسكرية!
ويبقى أن أي احتمال لن يُحسم إلا بعد حكم الإدارية العليا؛ التي سوف يكون لرأيها دلالة سياسية مهمة، في ظل مطابقة أحكامها تاريخيًّا، لمواقف الحكومات والأنظمة!