” بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِذَا قَضَىٰ أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ” ﴿البقرة: ١١٧﴾”
قال تعالى: ” هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ ﴿هود: ٦١﴾”، فالله خلقنا لنعمر الأرض، وحتى ان نعمر الأرض فلا بد ان تواجهنا مشاكل وتحديات، وحتى نتجاور هذه التحديات فلا بد أن نبدع حلولا لها. فاذا كان تعمير الأرض واجب لا يتم الا بالإبداع والقاعدة الفقهية تقول ان ما لا يتم الا به الواجب فهو واجب، يصبح هنا الإبداع واجب.
وقال تعالى: وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً … ﴿البقرة: ٣٠﴾، ويقول الله تعالى في آية أخرى واصفا ذاته: ” بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِذَا قَضَىٰ أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ ﴿البقرة: ١١٧﴾” ، فاذا كان الله من صفاته البديع واذا كان وكل الينا خلافة الأرض فلا بد أن نبدع حتى نستطيع ان نحقق الخلافة في تعمير الأرض ونمائها.. هنا أيضا يصبح الإبداع واجبا.
يقول الشيخ الشعراوي رحمه الله: “والله يريد للعقل أن يتحرك وأن يفكر ويستنبط.. وعندما يتحرك العقل في الاستنباط تتكون عند الانسان الرياضة على الابتكار، والرياضة على البحث، قال تعالى: “أفلا يتدبرون القرآن ام على قلوب اقفالها”، فهنا نحن بحاجة الى الإبداع حتى نفهم كلام الله على مراده وان نطبق اوامره بأفضل وجه.. وهنا يصبح الإبداع واجبا.
ويقول ايضا رحمه الله: “والإحسان في كل شيء هو اتقانه إتقانا بحيث يصنع الإنسان لغيره ما يحب أن يصنعه غيره له، ولو تعامل الناس على هذا الأساس لامتازت كل الصناعات”.. وقد جاء في الحديث الشريف: ” إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه”.. فحتى يتحقق الإتقان فلا بد من الإبداع.. فإذا كان الإتقان واجبا فالإبداع واجب.
وقال الإمام علي كرم الله وجهه: “قيمة الإنسان ليس بعمله وإنما بما يتقنه من عمله”. فكل عمل هو مهم، وعامل النظافة قد يكون أهم من الطبيب إذا تراكمت الأوساخ التي تؤدي إلى الأمراض. وقد عيّر أحدهم أحد الوزراء في فرنسا بعد أن استلم منصبه كوزير فقال له: “تذكر عندما كنت تمسح الأحذية”، فأجابه: “ولكني كنت أتقن عملي”.
بعض الناس يتساءل عن الرقي والحضارة وهذه الاختراعات الجديدة أليس للإنسان فيها خلق؟ نقول فيها خلق من موجود. والله سبحانه وتعالى كشف من علمه للبشر ما يستطيعون باستخدام المواد التي خلقها الله في الأرض أن يرتقوا ويصنعوا أشياء جديدة.. ولكننا لم نجد ولم نسمع عن انسان خلق مادة من عدم. فإذا قال لك انسان: أنا أزرع بذكائي وعلمي. فقل له: أنت تأتي بالبذرة التي خلقها الله. وتضعها في الأرض المخلوقة لله. وينزل الله سبحانه وتعالى الماء عليها من السماء. وتنبت بقدرة الله الذي وضع فيها غذاءها وطريقة انباتها. لو كنت تزرع بقدرتك فآت ببذرة من غير خلق الله.. وأرض لم يخلقها الله.. وماء لم ينزله الله من السماء..
بالرغم من كل هذا قال تعالى: ” فَتَبَارَكَ اللَّـهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ﴿المؤمنون: ١٤﴾” ، فهل من خالق آخر الا الله، لا.. لكن الله سمى ما يخترعه ويبدعه الإنسان خلقا اكراما له مع ان ما يخترعه الإنسان لا يرتقي بتاتا الى ما يخلقه الله عز وجل، فالصانع الآن إذا أراد أن يصنع لك كوبا يصنع قالبا ويكرره، لكن في الخلق البشري كل واحد بقالبه الخاص، وكل واحد بشكله المخصوص، وكل واحد بصوته الذي ثبت أن له بصمة كبصمة اليد، وكل واحد بلون، إذن فهي طلاقة القدرة، وقال احد العارفين: “لو تطابقت ورقتا زيتون لما سمي الله بالبديع”.
أكبر دليل على أن مبدأ الكيف لا الكم، والنوعية لا الكمية هو المفروض أن يتبعه الإنسان هو أن الله جعل بإمكاننا أن نحدد نوعية حياتنا بسلوكنا لا أن نحدد طولها.. وأنك ستسأل يوم القيامة عن نوعية الحياة التي ستعيشها لا عن طولها: جاء في الحديث الشريف أنه لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن عمره فيما أفناه. لذلك قالوا: “رب عمر كثرت امداده وقصرت آماده، ورب عمر قلت امداده وطالت آماده”.. لذلك فإن الإبداع يحقق للإنسان حياة نوعية..
وفي عالم متزاحم يعج بالمنافسة الشديدة في كل جوانب الحياة أصبح الإبداع فرض عين على كل مسلم؛ حتى يحقق الفرد والأمة التميّز. المشكلة أن الأمة ما زالت تقتل الإبداع والمبدعين؛ لأنها لا تميّز بين التعليمات الإدارية والفروض الدينية.. ولا تفرق بين البدعة وبين الإبداع.. ما زال مشوارنا طويلًا.
الإبداع عبادة نتقرب به الى الله – فعليكم بالإبداع