واجه العالم في صيف عام 2008 أزمة مالية طاحنة بدأت من الولايات المتحدة الأمريكية عند إعلان بنك ليمان براذرز عن إفلاسه في 15 سبتمبر/أيلول من ذلك العام، كانت إشارة رمزية خطيرة حملت بين ثناياها أن هذه المؤسسة العريقة من المؤسسات القليلة التي نجت من الكساد العظيم عام 1929 ولكن هذه المرة كان البنك ومعه كثير من المؤسسات المالية والبنوك الكبرى في الولايات المتحدة وغيرها من بلدان العالم انغمست في عمليات إقراض ضخمة تفوق حجم الناتج المحلي في بلدانها وقد عدت هذه الأزمة أنها أعتى أزمة ضربت العالم منذ الكساد العظيم.
هبت دول العالم لعلاج الأزمة من خلال تأميم البنوك المتضررة وشراء القروض المتعثرة واتباع سياسة التيسير الكمي لتهدئة الأسواق المالية بضخ الأموال للبنوك، وكانت آيسلندا على وشك الإفلاس نتيجة إفلاس أكبر ثلاثة بنوك فيها.
ما هو السبب الرئيسي للأزمة؟
يعد التحليل الأكثر إجماعًا بين الاقتصاديين حول سبب اندلاع الأزمة هو أن البنوك خففت من درجة معاييرها للإقراض وزادت شهيتها حتى أفرطت في الإقراض فشملت أشخاصًا غير جديرين بأخذ القروض وغير قادرين على سداد مستحقات القرض وفي مقابل القرض يتم رهن عقار في حال عدم السداد يستولي البنك عليه.
الرهن العقاري يتم تصديره كسند يستحق الدفع على شكل دفعات من قبل المقترض ويتم بيع السند في الأسواق المالية والبورصات لتنتشر في العالم على أمل أنه استثمار مضمون فحتى لو تعثر القرض فالبنك سيستولي على المنزل ويقوم بعرضه للبيع ويستعيد أصل القرض، وبالفعل انتشرت العدوي بين كل البنوك المحلية في الولايات المتحدة وتعاملت مع هكذا قروض ومنحت بدون تهاون لكل الطبقات في المجتمع من الغني إلى ذوي الدخل المتوسط إلى ذوي الدخل المحدود، فئة كبيرة من الناس سحبت قروض من البنوك ورهنت بيوتها ليس بهدف العمل والإنتاج بل بهدف السياحة والتسوق والتمتع بملذات الحياة وهنا جاءت الطامة!
بدأ عدد المتخلفين عن السداد يزداد مع تعثر القروض فيقوم البنك كما هو مخطط له بالاستيلاء على البيوت بهدف بيعها واسترداد أمواله، ولكن في لحظة ما تكدس حجم كبير من البيوت المستولى عليها والمعروضة للبيع من قبل البنوك ما أدى إلى انخفاض الأسعار بشكل كبير لارتفاع العرض مع قلة الطلب، الفقاعة ضلت تزداد مع ازدياد حجم الرهون العقارية والقروض المسحوبة بدون وازع من أحد، وازداد حجم المتخلفين عن السداد حتى اختل الميزان الإئتماني في البنك وأصبح غير قادر على إدارة الوضع المالي وعند هذا الحد يقوم باقتراض الأموال من الفيدرالي ويعيد الكرة من جديد حتى جاءت الضربة القاضية وأعلن في 15 سبتمبر/أيلول إفلاس بنك ليمان براذرز أحد أشهر وأكبر البنوك في العالم ليعلن الشرارة وتنفجر الفقاعة في الأسواق المالية وبالأخص في سوق السندات الذي تداول الرهون العقارية بشكل كبير وعرف في النهاية أنها وهيمة وفارغة من قيمتها لا تساوي شيئًا، واندلعت أعتى أزمة مالية ضربت دول العالم كلها لم تتعافي منها بشكل كلي حتى الآن.
سجلت العديد من المؤشرات الإئتمانية أن الفقراء هم أكثر الناس إئتمانًا وحالات الفشل في السداد تعتبر قليلة جدًا
هل الفقراء هم السبب؟
أشار بعض المحللين أن الفقراء ممن سحبوا قروضًا بنكية كانوا هم السبب في اندلاع الأزمة المالية فالفقير على حد زعمهم غير جدير بأخذ قرض ومن المفروض أن يوضع تحت قائمة المحرومين إئتمانيًا، كما أن قانونًا صمم في الولايات المتحدة الأمريكية في العام 1977 يلجم البنوك عن التوسع في الإقراض في المناطق المحددة أنها محرومة إئتمانيًا لذا يقول أولئك المحللون ومن بينهم مستشارين اقتصاديين في حملة دنالد ترامب أنه جرى تلاعب في القانون منذ فترة بيل كلينتون وأصبحت البنوك تقرض الأشخاص الذين لا يتمتعون بالجدارة المالية التي تمكنهم من سداد مستحقات القرض، فهل فعلا الفقراء كانوا هم السبب في اندلاع الأزمة المالية العالمية 2008؟
استيلاء البنوك على البيوت في المناطق الحضرية والمدنية كان أكثر بكثير من استيلاءه على بيوت في المناطق الشعبية.
سياسة الإقراض التي يتبعها البنك في العادة يجب أن تتسم بالعدل وعدم العنصرية والانحيز فلو أن بنكًا يعمل في حي من ذوي الدخل المحدود الذين يودعون أموالهم ويدخرونها فيه فمن غير المعقول أن يقوم البنك بنقل تلك الأموال إلى حي أكثر غنى ليقرضها كلها هناك، فهو مضطر ليقرض جزء مما يملك من الودائع لأصحاب الحي.
وعند الرجوع للبيانات المالية والتحقيقات مع المدراء التنفيذيين للبنوك الذين أدلوا بإفاداتهم أمام الكونغرس الأمريكي مع تحقيقات أخرى سنجد أن القروض المجدولة وفق ذلك القانون كانت أقل بكثير من القروض الأخرى، كما أن استيلاء البنوك على البيوت في المناطق الحضرية والمدنية كان أكثر بكثير من استيلاءه على بيوت في المناطق الشعبية، ويشير محللين أن ذوي الدخل المحدود لم تسجل لديهم معدلات فشل عالية في السداد، أضف لذلك كله فإن صناديق الاستثمار فإنه لم يصدر من المدراء التنفيذيين في القطاع المالي أي إفادات أمام الكونغرس تشير لأدلة دامغة أن ذوي الدخل المحدود هم السبب وأن البنوك توسعت في إقراض الفقراء.
وبالتالي فإن الفقراء لم يكونوا سببًا في الأزمة المالية ولن يكونوا! حيث سجلت العديد من المؤشرات الإئتمانية أن الفقراء هم أكثر الناس إئتمانًا وحالات الفشل في السداد تعتبر قليلة جدًا، ويبدو أن محاولة ترامب كانت تهدف في المقام الأول إلى ضرب حملة كلينتون وتوجيه الاتهامات لها أن جذر الأزمة المالية كان بسبب تلاعب إدارة بيل كلينتون في قوانين الإئتمان التي سمحت للبنوك بإقراض ذوي الدخل المحدود، إلا أن ذلك الاتهام ظهر أنه باطل وغير مقنع.