انتظر اليمنيون إسماعيل ولد الشيخ أحمد المبعوث الأممي لليمن ليطرح خارطة حل سياسي في اليمن تُسلم إلى أطراف الأزمة اليمنية المشاركين في مشاورات الكويت، بعد عدة جلسات معهم لم تحدد ملامح هذه الخارطة، في ظل الإعلان حينها على لسان مصادر يمنية عدة عن انتهاء مشاورات الكويت لإحلال السلام في اليمن فعليًا، وأصبح الجميع في انتظار الخارطة.
لكن يبدو أن الجبل قد تمخض وولد فأرًا في نهاية المطاف بعد أن كشف المبعوث الأممي ولد الشيخ أحمد أمس الأربعاء عن خارطة طريق وصفها بأنها تتضمن تصورًا عمليًا لإنهاء النزاع وعودة اليمن إلى مسار سياسي سلمي، في حين دعا مجلس الأمن الدولي الأطراف اليمنية إلى الالتزام الكامل باتفاق وقف الأعمال القتالية.
بنود الخارطة الأممية
الخارطة الحالية المعلنة تتضمن إجراء الترتيبات الأمنية التي ينص عليها قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2216، وتشكيل حكومة وحدة وطنية تعمل على إعادة تأمين الخدمات السياسية وإنقاذ الاقتصاد اليمني المتدهور.
كما تتولى هذه الحكومة بموجب الخارطة المعلنة مسؤولية الإعداد لحوار سياسي يحدد الخطوات التالية الضرورية للتوصل إلى حل سياسي شامل ومنها قانون الانتخابات وتحديد مهام المؤسسات التي ستدير المرحلة الانتقالية وإنهاء مسودة الدستور.
كما نصت الخارطة على بنود تقول بضرورة وجود مشاركة حقيقية للمرأة والشباب في الحوار السياسي المزمع عقده، وكذلك مشاركة جنوب اليمن الفعالة في مستقبل البلاد، وضرورة إنشاء آليات مراقبة وطنية ودولية لمتابعة ودعم تطبيق ما تتوصل إليه الأطراف من اتفاقيات.
ما الجديد إذن؟
في الحقيقة هذه المخرجات لا جديد فيها وإنما تنتقل من مفاوضات إلى مفاوضات بلا حد، وترتكن في ذات الوقت إلى قرارات أممية قديمة لم تنفذ وأبرزها بالطبع قرار مجلس الأمن رقم 2216، وفكرة الدعوة إلى حكومة وطنية تتولى مفاوضات جديدة للحل السياسي تناقش تفاصيل في غاية الخلافية متعلقة بملامح المستقبل.
أي أن الحل الأممي أوكل اليمنيين إلى أنفسهم متجاهلًا أن هناك حرب قامت بين هذه الأطراف لذا كان التدخل الأممي لمحاولة حل الأزمة، ثم يأتي المبعوث الأممي ليتحدث عن ضرورة وضع الإجراءات الشكلية نصب الاهتمام بديبجات تتحدث عن المرأة والشباب دون أن يكون هناك ملامح واضحة لما يُسمى بالحل الأممي من الأساس، في حين تكتفي الأمم المتحدة بدور إعادة تدوير الحلول التي أثبتت فشلها، والتي لا يوجد مجال بالأساس إلى الآن لتنفيذها.
وهنا لدينا مثال جيد يستحضر في هذه الحالة وهو قرار وقف الأعمال العدائية بين الجانبين، حيث اعتبر الحوثيون استمرار القصف الجوي والحشد العسكري وبقاء الحصار والقيود الاقتصادية بأنها انتهاكات لاتفاق وقف الأعمال القتالية.
بينما يتهم خالد اليماني سفير اليمن لدى الأمم المتحدة الحوثيين بالتصعيد العسكري على كافة الجبهات، وليصف اليماني الحلول الأممية في تصريحاته بشكل مبطن بأنها حلول ترقيعية، حيث أكد أن وفد حكومته ذهب إلى الكويت بهدف الوصول إلى سلام قابل للاستدامة وليس للبحث عن حلول ترقيعية تعيد إنتاج الأزمة التي تعانيها البلاد.
أطراف الأزمة يرفضون
رفض الحوثيون هذه الخارطة ببيان رسمي من وفدهم المشارك في الكويت، وأكدوا تمسكهم بالقضايا الجوهرية المعنية بحلها مشاورات الكويت وفي مقدمتها مؤسسة الرئاسة اليمينة كونها في وجهة نظرهم محورًا رئيسيًا في المشاورات ترتبط بها بقية القضايا المطروحة والتي منها تشكيل حكومة وحدة وطنية مع لجنة عسكرية وأمنية وطنية عليا لتنفيذ الترتيبات الأمنية والعسكرية.
بينما يرى مراقبون أن هذا البيان إعلان صريح لنسف الخارطة الأممية، حيث إن مطالبة الوفد الحوثي بالتمسك بتغيير مؤسسة الرئاسة ما هو إلا وسيلة لهدم شرعية الطرف الآخر المتمثلة في الرئيس عبد ربه منصور هادي الذي تم الانقلاب عليه.
بينما يرفض الجانب الآخر الممثل في الحكومة اليمينة التي تُطلق على نفسها وصف “الشرعية”، الحديث عن أي ترتيبات سياسية قبل تنفيذ الانسحاب الكامل وتسليم الأسلحة واستعادة مؤسسات وأجهزة الدولة، وأكد الوفد أيضًا على أن أي شراكة سياسية في المستقبل “يجب أن تكون بين قوى وأحزاب سياسية لا تتبعها مليشيات”.
يتهم هذا المعسكر المجتمع الدولي بالاستعجال في عملية إقرار السلام بين الأطراف في اليمن دون مراعاة القرارات الأممية السابقة المتعلقة بالأزمة في اليمن، معتبرين أن هذا السلام الذي يقتضي قدرًا من التسوية، لا يمكن أن يكون على حساب القرارات الأممية السابقة والتي هي بمثابة المبدأ الأساسي.
كما يتهم أيضًا المبعوث الأممي في هذا الصدد بمحاولة شرعنة ما أسموه “الانقلاب على الشرعية”، إذ اعتبر رئيس الدائرة الإعلامية لحزب التجمع اليمني للإصلاح علي الجرادي، أن إحاطة ولد الشيخ بعد أكثر من 50 يومًا من تدليل وفد الحوثيين “يذكر اليمنيين بدور الأمم المتحدة ومبعوثها السابق في شرعنة تسليم العاصمة صنعاء باتفاق السلم والشراكة”، في إشارة منه إلى جمال بن عمر، مبعوث الأمم المتحدة السابق لليمن.
ووصف الجرادي عدم إدانة تعنت وفد جماعة الحوثيين وصالح بأنه “انحياز مبطن لصالحهم”، وفق تعبيره
مستقبل هذه الخارطة
المستقبل الذي ينتظر هذه الخارطة التي لم تقدم أي جديد بات معروفًا بعد رفض الطرفين المعنيين بالأزمة لها في ظل عدم وجود أية ضمانات تلزم هذه الأطراف على تنفيذها، كما أن هذه الخارطة سعت لدمج شرعية الواقع المنحازة للحوثيين بالشرعية السابقة لكومة عبدربه منصور هادي الرئيس اليمني، وهي توفيقات شبه مستحيلة في وجهة نظر البعض.
وهذا الأمر كفيل بشحن عجلة الصراع لتستمر على ما هي عليه في اليمن، وهو الأمر الذي من شأنه إبقاء سلطة الحوثيين وحلفائهم مسيطرة على العاصمة اليمنية صنعاء، يقابلها ترتيبات تجريها حكومة هادي في عدن، وبالتالي تزداد احتمالية صعود معارك جديدة إلى السطح فيما يعرف بـ”تحرير صنعاء”.
لتظل الحلول الأممية السابقة والحالية تمارس حالة من التبشير والتخدير لليمنيين تتجه بالأزمة اليمنية نحو اللاشيء، وسط عاجز تام للقوى الدولية والإقليمية في وقف الحرب في اليمن التي أشعلتها مليشيات الحوثي واستجابت لها المملكة العربية السعودية، وهو ما يدفع ثمنه آلاف المدنيين اليمنيين إلى الآن.