انتقلت الثورة من الشوارع والمظاهرات والمسيرات، ومن الفن الحركي من الأفلام والأغاني الثورية والمسرحيات السياسية إلى فن جديد ومن نوع آخر، وهو فن الرسم على الجدران، فن الجرافيتي والطريقة المبتكرة في الثورة على الأنظمة والحكومات بسلمية من خلال الفن الصامت، الذي يصور قضايا مجتمعية من خلال رسوامت ملونة أو بالأبيض والأسود على الجدران.
اشتهر فن الجرافيتي بالتزامن مع أحداث الربيع العربي في مصر وفلسطين و اليمن بالذات، وذلك عن طريق رسم صور للشهداء على جدران الشوارع، لتذكير الشعب بالجرائم الدموية التي ارتكبتها الأنظمة تجاه شعوبها، كما يتم كتابة الشعارات التي استخدمها الثوار في بداية الربيع العربي حتى لا ينسى الشعب مطالبه التي لم تحقهها الأنظمة بعد.
اليمن
الفنان مراد سبيع، المُلقب في اليمن بفنان الشارع، الذي حوّل بقايا الدمار الذي أحدثته غارات التحالف السعودي على اليمن إلى جدران ملونة ورسومات تعبر عن الوضع الحالي في اليمن، استمر مراد في ملاحقة الأماكن التي تخلفها قوات التحالف مدمرة، ويعيد أحيائها بألوانه، الصورة السابقة هي لمجمع سكني تم قصفه من قبل قوات التحالف وقُتل فيه 15 طفلًا، قبل أن يذهب مراد إلى نفس المكان ليرسم على الجدران 15 وردة وبجانبها شريط أسود للحداد على أرواح الأطفال ضحايا القصف.
يقول مراد في حوار على على موقع هافينجتون بوست بأن هذا ما استطاع القيام به تجاه الحرب القائمة في بلده، وبأنه يجب عليه أن يلقي الضوء على ما تفعله تلك الحرب بأهله، وأن يُخلد تلك الصور على جدران المدن، لكي لا ينساها الناس أبدًا، ولكي يعرف العالم ما تكلفه الحرب، وما يخسره الناس بعدها.
قام مراد سبيع بحملة فنية في شوارع صنعاء سُميت باسم خراب، جمع فيها غيره من الفنانين لمدة ثلاثة أيام، للتظاهر عن طريق الرسم على الجدران، كما شجع فيها المارة العاديين في مساعدتهم في تصوير مطالبهم الثورية ومشاكلهم الاجتماعية في صورة رسومات على الجدران، تم منع مراد أكثر من مرة من قِبل الجيش في الشوارع من الاستمرار في الرسم وإلا سيتم اعتقاله.
قام مراد برسم لوحات معبرة عن حالة المدن اليمينة بعض الحرب، والتي وقع بعضها تحت حصار داخلي وخارجي ولم تتلقى المعونات الغذائية أو العلاجية لشهور كاملة، فرسم جرافيتي تعبيري لها في مركز مدينة صنعاء.
فلسطين
الجرافيتي فنٌ هادف، يسعى الفنان من خلاله إلى إيصال رسالة قد تكون متعلّقة بقضايا اجتماعية أو سياسية، أو أزمة معيّنة داخل البلاد، وتعدّ فلسطين أوّل دولة عربية ظهر فيها هذا النوع من الفنون مع اندلاع “انتفاضة الحجارة”؛ فكان أحد أساليب المُقاومة التي جرّمها الاحتلال وفرض على كل من يمارسه عقوبة السجن.
وكان عام 2000 وهو العام الذي قرّرت فيها سلطات الاحتلال أن تعزل الضفة الغربية عن القدس والأراضي المحتلة عام 1948، هو العام الذي تجلّى فيه فن الجرافيتي بشكل كبير، حيث وجد الفنانون الفلسطينيون والعالميون في جدار الفصل العنصري مساحة واسعة للتعبير عن رفضهم للجدار ذاته وللاحتلال.
حاجز قلنديا، الضفة الغربية
تعد الضفة الغربية من الأماكن التي تحتوي على فن للجرافيتي متجدد ومستمر، جعل للقضية الفلسطينية مكانًا بارزًا بين الفنون العالمية، وجذب الفنانين العالميين لإلقاء الضوء على القضية الفلسطينية، بل والذهاب إلى الضفة الغربية والمشاركة في رسم قطع فنية لهم من فن الجرافيتي على الجدار العازل.
مصر
يعد الجرافيتي أحد منتجات الحضارة الفرعونية والاغريقية، تجسد في الرسومات الموجودة على جدران المعابد والكهوف، استخدمه الزنوج مع موسيقى الراب في الولايات المتحدة الأميركية، للتعبير عن ما يجدونه من عنصرية وفقر، وتطور ليصبح فيما بعد وسيلة من وسائل الاحتجاج، تستخدمها الحركات السياسية للتعبير عن آرائها وأفكارها.
ولكن بعد عام 2005، وبعد ظهور روابط الأولتراس الرياضية، وفناني الهيب هوب، اتخذ فن الجرافيتي شكلاً جديداً أكثر احترافية، لأن شباب الأولتراس وفناني الهيب هوب يعتبرون فن الجرافيتي جزءاً من ثقافتهم، ووسيلة للتعبير عن أفكارهم، ونتيجة لتطور وسائل الاتصال، استطاع هؤلاء الشباب تعلم الجرافيتي عبر الانترنت.
اليوم يعد الجرافيتي في مصر هو بمثابة صرخة احتجاج على الجدران، وذلك لتوثيق أحداث الثورة عبر نقشها على جدران ميدان التحرير لينتشر في أكثر من مكان بالقاهرة والمحافظات، ورسم فنانون جداريات للشهداء تجسد بطولاتهم وأخرى تسخر من الرموز الذين قامت ضدهم الثورة.
وغالبًا ما يكون فنّان الجرافيتي مجهولًا حيث يوقّع فنّانو الكتابة على الجدران باسم مستعار يكون غالباً مزيجا من الحروف والأرقام، ويصرّ معظمهم على البقاء مجهولين، حتّى لو وصلت أعمالهم إلى المتاحف، أو حتّى بيعت حيث يعتبرها البعض مشاركة ضد اسقاط نظام بعينه أو ربما تساهم في تغير هيكلة الدولة التي تجرم قانون المظاهرات.
ورغم اختفاء بعض من رسومات الجرافيتي الاحتجاجية، لا يزال هذا الفن موجوداً بقوة، كوسيلة للتواصل، وصرخة مكبوتة تجعل الجدران والأرصفة تنطق بما لا تستطيع أن تنطق به الألسنة.