بدأت رحى الاستعداد للانتخابات الرئاسية بإيران في الدوران مبكرا، قبيل شهور من موعدها المقرر في العام 2017، وبدا أن المحافظين المتشددين يجهزون لإقصاء الرئيس المعتدل حسن روحاني، ويتم الآن تجهيز البديل الأكثر حضورا على الساحة السياسية أحمدي نجاد، ما دفع بالعديد من المراقبين للتساؤل عن الجديد في السياسة الإيرانية الداخلية والإقليمية وكيف يمكن التنبؤ بسيناريوهاتها المستقبلية.
تطابق وجهات النظر
القارئ الجيد للساحة الإيرانية يدرك أن حسن روحاني، والحركة الإصلاحية لا يختلفان كثيرا عن المتشددين، بخصوص مصالح النظام الإيراني في المنطقة، لكن خلافهما الرئيس يدور حول السبل الضامنة لهذه المصالح، ما يدعم وجهة النظر تلك هو أن من يحدد معالم السياسة الخارجية هو المرشد الأعلى، وليس الرئيس، ابتداء من المفاوضات النووية، إلى التدخل في سوريا والعراق ولبنان واليمن وسائر المناطق، بينما يقتصر دور الرئيس على تنفيذ ما يتم الاتفاق حوله، بعد الحصول على الضوء الأخضر من الولي الفقيه علي خامنئي.
الغريب في الأمر أن القوى الغربية راهنت خلال الانتخابات البرلمانية الأخيرة، وتراهن على الاستحقاق الرئاسي المقبل، على فوز الحركة الإصلاحية وحليفتها المعتدلة، كضمان للتغييرات المرجوة في إيران، وكأنها تناست عمدا أن الحركة الإصلاحية أوهموا العالم بإمكانية إصلاح نظام جمهورية ولاية الفقيه، رغم ثبوت استحالة تحقيق هذه الأمنية، بل أن الحركة الإصلاحية تجزم – عكس تجاربها السابقة- بأن نظام الجمهورية الإسلامية قابل للإصلاح، رغم أن مجريات الأمور أثبتت خلافاً لذلك مراراً وتكراراً، خصوصا وأن كافة الأجهزة المعينة من قبل المرشد، والمؤسسات الدينية والأمنية والعسكرية، تصر على عدم ضرورة الإصلاحات؛ لأنها تعتقد أن النظام الإيراني نظام “ديمقراطي إلهي قدسي”، بينما محاولات الإصلاح لا تخرج عن كونها مؤامرة أجنبية، وهو ما أكدته حقيقة فشل المرشح الإصلاحي محمد عارف في الفوز بمقعد رئيس البرلمان، ليستعيد المحافظ علي لاريجاني رئاسته على مجلس الشورى الإيراني.
صلاحيات الولي الفقيه
نقطة أخرى هامة في هذا السياق، كيف نضمن آلية تغيير في نظام يتمتع فيه مرشده الأعلى “الولي الفقيه” بصلاحيات دستورية مطلقة، مثل قيادة القوات المسلحة “الجيش والحرس الثوري”، وتعيين رئيس السلطة القضائية، وتفويض الرئيس المنتخب مهامه، وتعيين الفقهاء الستة في مجلس صيانة الدستور، وهو المجلس الذي يحدد أهلية المرشحين، ويشرف على القوانين التي يصادق عليها البرلمان، وله – المرشد- صلاحيات في تعيين أعضاء مجلس تشخيص مصلحة النظام المخول بحل الخلافات بين أجهزة النظام، وتعيين أئمة الجمعة في كافة المحافظات، وتعيين أعضاء مجلس الأمن القومي، حتى أن الرئيس المنتخب لا يمكن له أن يختار وزراء لإدارة الوزارات السيادية مثل الخارجية والداخلية والدفاع والنفط والأمن، دون الحصول على موافقة المرشد، كيف يمكن لنظام يتمتع فيه “الولي الفقيه” بكل تلك الصلاحيات المطلقة، أن يتمكن – إن أراد – من إحداث تغييرات في دولة مركزية.
وجهان لعملة واحدة
حقيقة الأمر أن الحركة الإصلاحية الجديدة، ليست هي الوريثة الشرعية للحركة الإصلاحية القائمة حتى العام 2009، كونها باتت أداة بيد الحكومة، ويقتصر دورها أمام الرأي العام الدولي فقط في لعب دور الشرطي الجيد، مقابل المتشددين الذين يمثلون دور الشرطي السيئ، والنتيجة في النهاية واحدة .. هي مصلحة النظام والدولة التي يحددها فقط الولي الفقيه.
هنا يدرك المحللون أنه مع روحاني أو نجاد، أو أيا كان الرئيس المقبل لا يمكن أن نتوقع تغييرا جذريا بالسياسة الإيرانية الخارجية، لكن في المقابل يحاول المحافظين المتشددين استغلال انهيار أسهم روحاني بين المواطنين في العام الأخير لولايته، عبر الدفع بالرئيس السابق أحمدي نجاد في الصورة، على الرغم من خسائرهم اليومية أمام روحاني وحلفاءه الإصلاحيين، في محاولة لخلط الأوراق، وإيجاد صعوبات أمام عمل حكومة الرئيس روحاني، لإيجاد هوة بينها وبين الناخبين؛ من خلال التذكير بوعود روحاني التي لم تتحقق بعد، وهي وعود، يخطط روحاني لتنفيذها في دورة رئاسته الثانية، مستثمراً أجواء انتصاراته السياسية خارجياُ، التي حققها في رئاسته الحالية، ويسابق الزمن لاستثمار تنفيذ الاتفاق النووي لتحسين الأوضاع الاقتصادية، وتحقيق المزيد من الانفراج السياسي، للحفاظ على حظوظه في تولي فترة رئاسية أخرى، قبل بداية معركة الانتخابات.
تحالف الأصوليين
وعلى الرغم من أن المحافظين المتشددين لا يملكون حتى هذه اللحظة منافساً قويا يمكنه الصمود أمام روحاني، إلا أنهم يعولون على توسيع دائرة التحاف مع أصوليين معتدلين، مثل رئيس البرلمان الحالي علي لاريجاني، في محاولة لاستنساخ تجربة التحالف الذي نجح في الانتخابات التشريعية الأخيرة بين الأصوليين والإصلاحيين وتيار روحاني، والرهان هنا على خلاف الإصلاحيين وروحاني، القائم على أن الإصلاحيين يأخذون على روحاني أنه عجز حتى الآن عن إنهاء ملف السجناء السياسيين، خصوصاً رفع الإقامة الجبرية عن المرشحين المعترضين في الانتخابات قبل الأخيرة العام 2009 مير حسين موسوي، وزوجته زهراء رهنورد، ومهدي كروبي، كما أنهم يلومونه لعدم دعمه لهم في الانتخابات الداخلية لاختيار رئيس البرلمان ونوابه في هيئة الرئاسة، ما أدى إلى إعادة انتخاب لاريجاني رئيساً، وهو ما برره روحاني بسعيه لئلا يقطع حبل الود بينه وبين خامنئي؛ ليسمح له بالترشح لفترة رئاسية ثانية العام المقبل، في ضوء عدم وجود بديل واضح له حاليا بالإصلاحيين، بينما يراهن آخرون بالجانب المتشدد على قائد فيلق القدس اللواء قاسم سليماني، ودوره في سوريا والعراق، خصوصاً أنه يحظى بدعم قوي جداً من الولي الفقيه المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي، الذي دخل مؤخراً في سجال غير مباشر مع الرئيس روحاني وفريقه، حول تعثر تطبيق الاتفاق النووي.
ملفات الاستخبارات
السؤال الآن كيف يمكن لمجلس صيانة الدستور الموافقة على ترشح نجاد، على الرغم من قضايا الفساد الكثيرة التي طالته خلال فترة حكمه بولايته الثانية، والتي دعت عضو اللجنة المركزية لجامعة علماء الدين في قم آية الله جعفر شجوني، إلى الإفتاء بجلده، ووضعه قيد الإقامة الجبرية، بسبب قضايا الفساد والاختلال التي شهدتها الولاية الثانية له، بالإضافة إلى تعيين شخصيات عن طريق الواسطة والمحسوبية، و”شجوني” قريب من المرشد ومن رئيس مجلس الصيانة، ولكن من يجرؤ على فتح ملفات أحمدي نجاد؟
هناك أسباب تمنع تلك الملاحقة، خاصة أن الملفات التي استحوذ عليها خلال توليه رئاسة وزارة الاستخبارات، تحول دون ذلك وتؤمن موقفه، كونها تحوي تجاوزات للحكومة، وعلى هذا الأساس فإن الكثيرين لديهم نقاط ضعف، يمكن لنجاد الضغط عليهم بواسطة تلك الملفات، ولهذا السبب لا يجرؤ أحد على مواجهته.
تبرز هنا عقبات ترشح نجاد نفسه للرئاسة وبديل المتشددين عنه، قياسا على سجله المفتوح أمام المحاكم، وإدانة العديد من مساعديه بجرائم فساد، وإيداع بعضهم السجن، إضافة إلى أن المرشد خامنئي لم يعد راغبا به كما كان في فترة رئاسته الأولى، وبداية رئاسته الثانية في مواجهة احتجاجات الإصلاحيين، لكن الكثير من أعضاء مجلس صيانة الدستور، المعنية بدراسة أهلية المرشحين للانتخابات، يدعمون أحمدي نجاد نكاية بروحاني، ما يعني أن نجاد قد يفكر في طرح بديل آخر في حال رفض ترشيحه، كما فعل هاشمي رفسنجاني عندما طرح روحاني، لكن هويته لم تتحدد بعد، إذا ما تم التركيز على أقل الملفات فجاجة في عهده، والمتعلقة بعزل وزير الخارجية الأسبق منوتشهر متكي، والاختلاس من بيت المال، والإضراب عن العمل الذي استمر 11 يوما.
أزمة الإصلاحيين والاحتمالات المفتوحة
خلاصة القول أن كل الاحتمالات مفتوحة في الانتخابات الرئاسية المقبلة في إيران، إلا نقطة وحيدة تتمثل في تجنيب الإصلاحيين لروحاني؛ لتفادي أزمته في استطلاعات الرأي الأخيرة مع الناخبين، خصوصا وأن موسوي وكروبي لازالا رهن الإقامة الجبرية، كما أن الإصلاحيين أنفسهم والحركة الإصلاحية الكرتونية بشكل عام، فشلوا في إحداث أي تغييرات في الداخل، وبالتالي من باب أولى لا يمكنهم أن يغيروا من السياسات الخارجية الإيرانية في ولايتها الجديدة، التي تستلهم استراتجياتها من نفس العقيدة الأصولية المتشددة للولي الفقيه، والتي تريد توسيع نفوذها في المنطقة، وتتعاطى مع كافة الأمور من منطلق عقيدة قائمة على التوسع؛ بغية تكوين إمبراطورية مذهبية “الشيعة”، وقومية “فارسية”، وهي حقيقة دعمتها نتيجة الانتخابات الرئاسية الأخيرة التي صوت فيها أكثر من 21 مليون شخص لصالح الإصلاحيين، قبل أن يخرج روحاني ليؤكد للجميع بأنه “مجرد” رئيس علاقات عامة! حتى عندما خرج أكثر من ثلاثة ملايين محتج إلى شوارع العاصمة، لم يحرك ساكنا أو يستطيع تغيير أي قانون أو قرار أو توجه، ما يعني صعوبة أن تتراجع السلطة الإيرانية المقبلة – أيا كانت خلفيتها – عن دعم بشار الأسد وحزب الله وتتوقف عن التدخل في الشأن العراقي والمناطق الأخرى.