يشهد شهر رمضان المبارك في تونس حركية كبيرة في المقاهي ليلا، حيث يلجأ التونسيون إلى قضاء سهراتهم بعد موعد الإفطار وقبل وقت السحور في المقاهي التي تنتشر على يمين و يسار الشوارع وفي كل نهج في تونس ورغم كثرة المقاهي في تونس بدرجة قياسية إلا أن هناك بعض المقاهي المميزة التي بقيت تمثل الوجهة الأولى للتونسيين رغم مرور الزمن، حيث يتهافتون عليها بمختلف اعمارهم وشرائحهم الاجتماعية للجلوس فيها حتى لو كلفهم ذلك القدوم من أماكن بعيدة حتى رغم غلاء أسعارها، وذلك لأسباب عديدة أهمها المكانة التاريخية لهاته المقاهي أو مكانها الجذاب أو حتى اشتهارها بخاصيات مميزة عن غيرها من المقاهي
.وسنحاول في هذا التقرير أن نعرفكم بأكثر 5 مقاهي ذائعة الصيت في تونس حتى لا تفوتوا زيارتها في رحلاتكم القادمة نحو تونس :
مقهى الشواشين
يعود تاريخ تأسيس هذا المقهى إلى نهاية القرن التاسع عشر، وهو قبلة أهل الفن والثقافة والأدب خلال ليالي الشهر الكريم، وهو أحد الأماكن الأكثر حيوية في المدينة العتيقة, كسوق البركة و نهج جامع الزيتونة, حيث لا تهدأ الحركة فيه و ذلك بسب كثرة زواره الذي يأتونه من مختلف نواحي العاصمة تونس بالإضافة إلى السياح الذين يكملون زيارتهم “للمدينة العربي” بالجلوس في هذا المقهى وذلك لديكوره التقليدي البسيط الذي يجعلك تحس بالراحة داخله، ورغم أن هذا المقهى يقدم شاي ذو جودة عالية إلا أن سرا شهرته ليس ما يقدمه من منتوج وإنما مكانه الجذاب في وسط أنهج المدينة العربي في تونس العاصمة والبعد التاريخي الذي يجعل من هذا المقهى مميزا.
قديما, كان الشيوخ و علية القوم من سكان المدينة العتيقة يفضلون الجلوس في مقهى الشواشين للاستماع إلى أغاني المالوف و الإنشاد الصوفي التي كانت تميّز ليالي رمضان و أسواق المدينة العتيقة و مقاهيها العريقة, هذه السهرات تتميز بكثرة القادمين إليها إلى حد الآن خصوصا في شهر رمضان, كما يشهد المقهى العديد من التظاهرات الثقافية المتعلقة بأصالة المدينة العتيقة أو الموروث التقليدي التونسي.
مقهى الصفصاف
يقع هذا المقهى في ضاحية «المرسى» الرّاقية بالعاصمة التونسيّة ويملك سحرا خاصا وعراقة ربّما لا تجد لها مثيلا، حيث لن تستطيع أن تجد ذلك العبق وتلك الأصالة في أي من المقاهي الأخرى ،إلا في مقهى الصفصاف حيث يترامى إلى مسامع زائريها أنغام «المالوف» مع شدو عازف العود في السّهرات الرّمضانيّة، ورغم تضارب الأقوال عن عمر قهوة الصّفصاف، لكنّ أشجار الصّفصاف التّي تسكن باحتها يناهز عمر بعضها المائة عام بعقود وربّما احتلّت المكان قبل إنشاء المقهى الذّي يجاور قصر «الناصر باي» أو ما تبقّى من أطلاله التّي تشهد على اندثار جزء مهم من تاريخ البلاد دون أدنى التفاتة أو اهتمام من أحد.
ويزيد هذا المقهى جمال ضاحية المرسى الفخمة جمالا، حيث تتوسط بئر صغيرة باحته المظلّلة بالأشجار «وساقيته» التّي يديرها جمل لا يمر شخص دون أن يأخذ معه صورة سيلفي، فيما يتعالى صوت الموسيقى التّونسيّة الأصيلة تعزفها الفرقة التّي خصص لها «كشك للموسيقى» في صدر المكان، أين يقابلك مسرح تقدّم عليه العروض الموسيقيّة خاصّة الإنشاد الدّيني في المهرجانات وشهر رمضان، وهو ما جعل مقهى الصفصاف مكانا مميزا في كل الفصول حيث يمكنك الجلوس فيه في فصلي الصيف والربيع لتستمتع بظلّ الأشجار أو «برجولات» الباحة المنفتحة على النّسيم، أو لك ذلك في الشتاء حيث يمكنك الاحتماء من الرّياح والأمطار في الأجزاء الداخليّة المغلقة التّي تشبه «الأواوين» على جانبي المقهى، وإحداها إيوان مرتفع مغلق يبرز المستويات الثّلاثة التّي يتميّز بها المقهى والذّي تحول جزء من حديقة المستوى السّفلي لها إلى مطعم يقابله مسرح.
القهوة العالية
وهي مكان سياحي مشهور في ضاحية سيدي بوسعيد الجميلة يستقطب العديد من الزوار المحلين والأجانب وخاصة في فصل الصيف، يسمى أيضا قهوة ”الحُصُر” ويعتبر أحد أشهر المقاهي في تونس بواجهته الأمامية المطلة من أعلى سلمه على ساحة السوق والمسلك المتصاعد المؤدي إلى القرية، كما يتسم بالطابع العربي الأندلسي، فأرضيته مفروشة من الحصائر الملونة المصنوعة من السمار ومزين باللون الأحمر والأخضر، وتزين جدرانه بلوحات رسام تونسي، وقد أنشأ هذا المقهى في منتصف القرن التاسع عشر ويتكون من باحة رئيسية يتم الوصول إليها عن طريق مدرج عالي، ويعد هذا المقهى أحد أقدم المقاهي في تونس، وفي فترة حكم البايات كان مقتصراً على أعيان البلاد، ويتكون المقهى من باحة رئيسية في آخر المدرج، وشرفتين تطلان على البحر وعلى أسطح المدينة.
لا أحد يستطيع أن يجزم بأن «مقهى العالية» هي أقدم مقهى في تونس، ولكن الثابت أنه أشهر مقهى على الإطلاق، فلا مفر للمغرمين، أو لمن هم في فترة الخطوبة من سكان العاصمة ومن زوارها من المجيء إلى المقهى لتسجيل لحظة مهمة في علاقة حبهم وأخذ صورة في المقهى، وإن فوتوا على أنفسهم ذلك في هذه الفترة، فمن المؤكد أنهم سيفعلون ذلك بعد الزواج.
مقهى سيدي شبعان
يوجد أيضا في ضاحية سيدي بوسعيد في العاصمة تونس و يسمى أيضاCafé Des Délices ، يستقطب العديد من السياح والزوار رغم غلاء أسعاره، و يتميز بطابعه التقليدي الفولكلوري التونسي، مقاعده مبنية بالحجر القديم ويفرش عليها سجادات تقليدية من التراث التونسي القديم أو ما يعرف “بالكليم أو الحصيرة”، له اطلالة ساحرة على ميناء سيدي بوسعيد تأخذك إلى زمن الذكريات الجميلة حيث عايش هذا المقهى حقبات عديدة برزت في مشاهد عدة أعمال درامية وسينمائية وغنائية عربية وغربية لعل أهمها فيديو كليب الفنان العالمي الفرنسي “باتريك برويال” الذي صوره في هذا المقهى وغنى عليه، بالإضافة إلى بعض الفنانين الآخرين ككاظم الساهر وعبد الحليم حافظ وأنغام.
مقهى ومطعم دار الجلد
من أروع المقاهي التي يمكن زيارتها في تونس فكل شيء فيه مستمد من التراث التونسي القديم، فالأثاث مختلف تماما وقاعات الجلوس أيضا مختلفة والمناضد رائعة وتصميمها تراثي، وفناء المقهى مصنوع من الرخام الإيطالي ومربعات الخزف ومزين بأكاليل الجص، بالإضافة إلى الديكور الرائع حيث الاضاءة الخافتة المريحة للنفس وقد تم اختياره كأفضل مقهى و مطعم سياحي في الجمهورية التونسية حسب الديوان الوطني التونسي للسياحة، ويتميز بتصميمه الداخلي التراثي الرائع الذي يشبه الى حدٍ كبير تميم البيوت التونسية القديمة التقليدية، وقد تمت إعادة تهيئته سنة 1987 ليسترجع تألقه، وقد حولت كل سقيفة، التي تكون عادةً مجرد بهو عبور ضيق بإضاءة ضعيفة، إلى فضاء استقبال يصله ضوء الشارع.
عندما تصل إلى ساحة القصبة وتحديداً إلى نهج دار الجلد، طرقة واحدة بالمزلاج الحديدي على الباب الخشبي، ويفتح الباب ليبدأ أمامك عالم باطني غامض تقودك فيه المضيفة المبتسمة وبيدها مشموم ياسمين أو فل أو وردة حسب الموسم إلى داخل مكان سيذكرك بالقصور العربية القديمة بفخامة أثاثها، حيث ستستمتع في هذا المقهى بأروع قهوة وطيب عشاء يمكن أن تتناوله مصحوبا بموسيقى شرقية وأندلسية منبعثة من آلاتي القانون و العود وغداك على أنغام البيانو أو القيتار.