صوت البريطانيون لصالح الخروج من الاتحاد الاوروبي بنسبة بلغت 52% مقابل 48%، حسبما ذكرت شبكة “بي بي سي” الإعلامية البريطانية،صباح اليوم الجمعة، عقب فرز كل الأصوات في استفتاء البقاء في الاتحاد الأوروبي من عدمه.
الإحصاءات أشارت إلى أن أكثر من 16,8 مليون ناخب بريطاني صوتوا مع الخروج من الاتحاد (52%) مقابل 15,7 مليونًا (48%) أيدوا البقاء فيه، بعد شهد الاستفتاء نسبة مشاركة كبرى بلغت (72,2%).
وهو ما على إثره أعلن رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون نيته الاستقالة من الحكومة، مؤكدًا أن رئيس حكومة آخر يجب أن يجري مفاوضات الخروج من الاتحاد الأوروبي.
هذا الزلزال ساهم في في نزول أسهم كبرى المصارف البريطانية بنسبة 30% عند افتتاح بورصة لندن، كما انخفض سعر الجنيه الاسترليني إلى أدنى مستوى له منذ العام 1985، كما هبط مؤشر فايننشال تايمز 100 البريطاني أكثر من 8% عند فتح السوق اليوم الجمعة بما قلص القيمة السوقية للأسهم القيادية الكبرى في بريطانيا بأكثر من 100 مليار جنيه إسترليني (136.7 مليار دولار) بعد التصويت لصالح خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
بريطانيا في خطر قبل أوروبا
هذا الاستفتاء لا يمثل خطرًا على الاتحاد الأوروبي فحسب، بعدما أظهرت نتائجه دولة منقسمة إلى أبعد الحدود، حيث صوتت لندن واسكتلندا وإيرلندا الشمالية لصالح البقاء في الاتحاد الأوروبي، فيما صوت شمال إنجلترا أو ما يعرف بويلز للخروج، وهو ما يهدد وحدة المملكة المتحدة.
إذن أن اسكتلندا المقاطعة الشمالية للمملكة المتحدة هي التي صوتت قبل أشهر لصالح البقاء في المملكة المتحدة على أمل بقاء بريطانيا داخل الاتحاد الأوروبي، وهو ما دفع رئيسة وزراء اسكتلندا نيكولا سترجون في الحال للإعلان أن اسكتلندا ترى مستقبلها ضمن الاتحاد الأوروبي، ممهدة بذلك الطريق أمام استفتاء جديد حول الاستقلال.
وقد تلحق بها إيرلندا الشمالية في أقرب فرصة بعدما دعا “الشين فين” المؤيد للبقاء في الاتحاد الأوروبي إلى تنظيم استفتاء حول إيرلندا موحدة مع جارتها الجنوبية، وهو نفس الإجراء المرشح غالبا أن تتخذه ويلز بعيدًا عن التاج البريطاني.
لا يمكن إغفال دور اليمين المتطرف في بريطانيا الذي كان عماد حملة الانفصال عن الاتحاد الأوروبي خشية أزمات اللاجئين والهجرة، ولا شك أن الانسحاب البريطاني سيؤثر على سياسات أوروبا بشكل عام تجاه المهاجرين وبخاصة أنه سيعزز نزعات اليمين الأوروبي الداعي لإغلاق الحدود، وتضييق تدفق اللاجئين من مختلف دول العالم لاسيما الشرق الاوسط، وهو ما سيخلق مواجهات جديدة ربما في المستقبل.
إلا أن أشد أزمة تواجهها المملكة المتحدة الآن بجانب مواجهة الأزمة الاقتصادية التي سيخلفها قرار الانفصال عن الاتحاد هي حالة التشظي التي بدأت تظهر بوادرها في المقاطعات البريطانية المختلفة منذ الإعلان عن نتيجة الاستفتاء.
هل يتفكك الاتحاد الأوروبي قريبًا؟
لا صوت يعلُ في الاتحاد الأوروبي الآن فوق صوت النعرات العرقية والقومية، وهي الأزمة الأكبر التي يواجهها الاتحاد منذ نشأته بعيدًا عن الأزمات الاقتصادية والتحديات السياسية، حيث أنتجت الانتخابات الداخلية للعديد من البلدان الأوروبية الأجنحة اليمنية المتطرفة التي يُطالب الكثير منها بالانفصال عن الاتحاد الأوروبي.
النموذج الأبرز زعيمة اليمين المتطرف الفرنسي مارين لوبن التي طالبت على الفور باستفتاء في فرنسا عقب ظهور نتيجة استفتاء بريطانيا، فقد خطبت لو بن في حشد من أحزاب أقصى اليمين بفيينا مؤكدة أن لدى فرنسا ربما 1000 سبب فوق أسباب الإنجليز تجعلهم يرغبون بالخروج من الاتحاد الأوروبي.
وصبت اليمينة الفرنسية اللوم على الاتحاد الأوروبي في ارتفاع البطالة والفشل في منع دخول ما أسمتهم “المهربين والإرهابيين والمهاجرين لتحسين أوضاعهم الاقتصادية.”
أما على الصعيد الهولندي خرج زعيم حزب الحرية الهولندي ليؤكد أن على الهولنديين أن يتولوا زمام القيادة في بلادهم وأموالهم وحدودهم وسياسة هجرة خاصة بهم، مضيفًا أن هولندا بحاجة ماسة إلى فرصة تقرير مصير عضوية هولندا بالاتحاد الأوروبي بأسرع ما يمكن.
جدير بالذكر أن هولندا ستشهد انتخابات عامة في شهر مارس من العام المقبل، ووفق بعض استطلاعات الرأي فإن أنصار الخروج من الاتحاد الأوروبي يتصدرون نتائج هذه الانتخابات؛ وكذلك أكدت استطلاعات رأي أخرى متعلقة برغبة البقاء في الاتحاد الأوروبي مؤخرًا أن 54% من الشعب الهولندي يريد استفتاء لتقرير المصير.
وفي الدنمارك رحب حزب الشعب الدنماركي القومي، الذي لديه مآخذ على الاتحاد الأوروبي ربما تزداد في الفترة المقبلة،حيث رحب بالقرار “الشجاع” الذي اتخذه البريطانيون، منوهًا في الوقت ذاته أن على الجميع “الاحتفاظ بهدوئهم.”
وعلى الجانب الألماني خرجت بياتريكس فون ستورك من حزب “الحل البديل لألمانيا” المتشكك بالاتحاد الأوروبي لتثني على ما أسمته “يوم استقلال بريطانيا العظمى” مطالبة رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر بتقديم استقالته.
وكذلك لم يختلف موقف حزب رابطة الشمال الإيطالي كثيرًا وهو معروف بموقفه العدائي من المهاجرين مشيرًا إلى أن الآن دور الإيطاليين بعدما هنأ المواطنين البريطانيين بشجاعتهم أمام ما أسماه الابتزاز والتهديد والأكاذيب.
اعتبرت ألمانيا التي تقود راية الاتحاد الأوروبي في هذه الأيام أن هذا اليوم “يومًا حزينًا على أوروبا” بسبب قرار خامس قوة اقتصادية في العالم بالخروج من الاتحاد الأوروبي، في خطوة غير مسبوقة خلال 60 سنة من تاريخ إنشاء الاتحاد الأوروبي، وهو ما سيزيد الأعباء على الألمان بصورة غير مسبوقة، إذ بات الاقتصاد الألماني الأقوى في أوروبا مطالبًا بتحمل الأعباء التي كان يتحملها البريطانيون بعد خروجهم.
وعليه أعلنت وزارة الخارجية الألمانية أن وزراء خارجية الدول الست المؤسسة للاتحاد الأوروبي سيعقدون اجتماعًا عاجلًا السبت في العاصمة الألمانية برلين للتباحث في تبعات الاستفتاء البريطاني.
بينما يؤكد مراقبون أن التشظي الأوروبي بلغ ذورته بعد ظهور الحركات الشعبوية اليمينة المتطرفة على السطح الأوروبي مجتمعة على انتقاد بروكسل، وهو ما يعني أن القرار البريطاني بالانفصال عن الاتحاد لن يكون الأول أو الأخير.
ويعتقد أن الاستفتاء البريطاني لو تكرر في العديد من العواصم الأوروبية في الغد فإن النتيجة لن تختلف كثيرًا عن اليوم في بريطانيا، وهو يعزيه البعض لتوغل البرلمان الأوروبي على الوحدات الأوروبية الداخلية، حيث بات برلمان بروكسل الأوروبي هو المتحكم في صياغة السياسة الأوروبية من الألف إلى الياء، بحيث يشعر المواطن الأوروبي أنه لا يحكم نفسه كما كان يعتقد حتى منتصف الثمانينيات.
وهو ما ساهم في ظهور النزعة التي نفرت من الإجماع الأوروبي بصورته الحالية، وقد ظهر ذلك جليًا في أزمة الهجرة واللاجئين حيث بدأت كل وحدة أوروبية تواجه المشكلة بسياساتها الخاصة رغم تحذير المفوضية الأوروبية من ذلك، وهو ما يعني أن الاتحاد بدأ يتفكك فعليًا حتى وإن ظل الشكل الخارجي ثابتًا.