تلهو الطفلة منار الوادية حافية القدمين في فناء مدرسة صفد الابتدائية بحي الزيتون جنوب غزة بعدما لجأت أسرتها إلى مراكز الإيواء التي خصصتها الحكومة للأسر المتضررة جراء المنخفض الجوي الذي عصف بالأراضي الفلسطينية نهاية الأسبوع.
الصبية صاحبة السنوات العشرة هربت وأسرتها بعدما تطاير سقف منزلهم المصنوع من الصفيح نتيجة رياح شديدة اقتلعته وملأت غرف معيشتهم بمياه الأمطار.
“منار” التي استيقظت وأشقائها الصغار منتصف ليلة الجمعة على أصوات تطاير ألواح الصفيح عن سقف بيتهم الذي غمرته المياه باتت اليوم وثمانية من أفراد أسرتها بلا مأوى.
حال أطفال الوادية رغم أن الذعر دبَّ في قلوبهم نتيجة الأجواء العاصفة لم يكن بأفضل من وضع أسرة الفتى محمد أبو سل (12 عاماً) فقد لجأت أسرته لمدرسة قريبة بعيداً عن منزلهم الذي غمرته المياه مقابل مسجد الغفران شرق غزة.
الطفل محمد الذي بدى الإعياء واضحاً على وجهه نتيجة الأجواء شديدة البرودة أيقظته أمهُ في ساعة متأخرة من ليلة الجمعة التي شهدت غرق عشرات المنازل في غزة ليفاجئ بتحول غرفته إلى مستنقع مائي.
ترك الطفل أبو سل وأشقائه غرف منزلهم في الطابق الأرضي مذعورين من هول المشهد وصعدوا مسرعين نحو الطابق الأول لكن دون جدوى فمياه الأمطار الغزيرة التي غمرت منزلهم حاصرتهم لعدة ساعات قبل أن تتمكن طواقم الإنقاذ من إخلائهم إلى أماكن آمنة مستعينين بقوارب الصيد.
لم تكن البيوت بما تحتويها من مقتنيات فقط عرضة لمياه الأمطار التي هطلت بغزارة طيلة الأيام الأخيرة فالشاب دياب الجدبة في نهاية العقد الثالث من عمره بات ما يصف ما حال بهم بـ “الكارثة”.
فيضانات المياه لم تترك شيئاً إلا وأتت عليه فأسفرت عن نفوق 25 رأس غنم وعدد من الماشية هي كل ما يملكه المواطن الجدبة لإعالة أسرته الفقيرة.
فالغزي “الجدبة” صاحب البشرة القمحية عاطل عن العمل بعد توقفه عن الخياطة نتيجة الحصار وإغلاق المعابر ويُعيل ثلاثة عشر فرداً من عائلته.
غمرت مياه الأمطار التي تسبب بها المنخفض الجوي الحاد منزل عائلة الجدبة بمنطقة النفق المكون من طابقين بالكامل ولم يتسنى لأفراد الأسرة الخروج بأي من ممتلكاتهم.
ويقول الجدبة حاملاً طفلته الرضيعة بين يديه أثناء تواجده في أحد مراكز الإيواء “تركنا كل شئ في البيت وخرجنا .. الأجهزة الكهربائية والأثاث وكل ما في منزلي تعطل”.
ليلة المأساة كما يروي الثلاثيني “دياب” بدأت حينما اشتدت الرياح والعواصف وانهمرت مياه الأمطار بغزارة على منزلهم فغمرت الجزء السفلي منه بالكامل.
ويضيف “اضطررنا للصعود للطابق العلوي لكن دون جدوي فأصبحنا رجالاً ونساء وأطفالاً محاصرين بين مياه الأمطار حتى استغثنا بطواقم الدفاع المدني التي قدمت لنجدتنا”.
بعد ساعات من محاصرة الأمطار المنزل وصلت نجدة طواقم الإنقاذ عبر قوارب مائية صغيرة اضطر رجال الدفاع المدني لاستخدامها نتيجة الارتفاع الكبير في منسوب المياه.
لم يتمكن الشاب “دياب” وأسرته النزول للطابق الأول الذي غمرته المياه عن بكرة أبيه فاضطروا لاستخدام سلالم الألمنيوم التي وضعتها طواقم الدفاع المدني على نوافذ الطابق الثاني.
“هربنا بالأطفال والنساء من المنزل ولجأنا لمراكز الإيواء دون أن نأخذ معنا شئ سوى الملابس التي نرتديها” كما قال الجدبة.
اليوم وبعد أربعة وعشرون ساعة على ما حل بهم من كارثة يرقد أفراد أسرة الجدبة في
غرفة صغيرة داخل مدرسة مصعب بن عمير بمنطقة الشيخ رضوان شمال غزة بالكاد تكفيهم ولا تقي أطفالهم الرضع لسعات البرد القارصة في انتظار العودة المأمولة لمنطقتهم التي تحولت إلى بركة مياه.
وغمرت المياه عشرات المنازل في مناطق متفرقة من خانيونس ورفح جنوب قطاع غزة والمحافظة الوسطى ومنطقتي الزيتون والنفق بغزة.
وتَواصل سقوط الأمطار على غزة أربعة أيام متتالية وقامت طواقم الدفاع االمدني وبلدية دير اليلح اليوم بفتح مركز جديد للإيواء في مدرسة عبد الله بن رواحة
وبلغت عدد الأسر بمراكز الايواء المنتشرة في عدد من المدارس الحكومية ومدارس وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الأونروا في قطاع غزة 1183 أسرة و5246 فرد.
وقدمت لجان الطوارئ التابعة للحكومة وحركة “حماس” يتقدمهم قادة الحكومة والتشريعي والحركة مساعدات عينية ونقدية لعشرات الأسر المتضررة خلال جولات ميدانية في المناطق المتضررة بالقطاع.