تعاني مدن عديدة حول العالم من الهبوط أو الغرق بمعدلات متفاوته بسبب سحب المياه الجوفية أو لعوامل أخرى وفقًا لباحثين جولوجيين عاملين في مجال الاستشعار عن بعد وبمساعدة الأقمار الصناعية، فمدينة “مكسيكو سيتي” في المكسيك تغرق بنسبة تصل إلى 28 سم في العام ومدينة “جاكرتا” في إندونيسيا تهبط بمعدل مماثل، مدينة “بانكوك” في تايلند تنخفض سنويًا بمعدل يصل إلى 12 سم على غرار عاصمة الصين بكين.
بكين تغرق 11 سم كل عام
يبلغ عدد سكان بكين عاصمة الصين ما يناهز 20 مليون نسمة وهي تعد المدينة الثانية بعد شانغاهاي في التعداد السكاني وتعتبر محور خطوط المواصلات في البلاد كلها وتوجد فيها أغلب الأجهزة الحكومية والسفارات الأجنبية وأجهزة المعلومات ووسائل الإعلام، واستقبلت المدينة دورة الألعاب الألمبية 2008 واعتبرت من أكبر الدورات للأولمبياد في التاريخ من حيث الدول المشاركة وميزانية الألعاب.
بحسب دراسة لباحثين يرصدون وضع المدينة تبين معهم أنها تغرق بمعدل سنوي يقدر 11 سم أي ما يزيد عن أربع بوصات
وتعاني المدينة بسبب الاكتضاض السكاني والازدحام من الضباب الدخاني وفي بعض الأحيان تتعرض المدينة للعواصف الرملية وتعاني من تلوث في الهواء بلغ مستويات خطيرة في السنوات الماضية، ولكن ما يعد تهديدًا أكبر للمدينة يقع تحت الأرض وليس فوقها فالمدينة وبحسب دراسة لباحثين يرصدون وضع المدينة تبين معهم أنها تغرق بمعدل سنوي يقدر 11 سم أي ما يزيد عن أربع بوصات، وخاصة في منطقة الأعمال الرئيسية تشاويانغ حسب الدراسة، وحذر الباحثين من استمرار غرق المدينة على سلامة القاطنين فيها مع ما تحويه من بنى تحتية وأهمها سكك القطارات السريعة.
لماذا تغرق بكين؟
وفقًا للدراسة المنشورة في مجلة الاستشعار عن بعد قام بها فريق من الباحثين مؤلف من سبعة أشخاص قاموا بدراسة آثار هبوط مستوى المدينة على البنية التحتية مثل السكك الحديدية عالية السرعة بالاعتماد على نتائج رادار يقوم بمراقبة تغييرات مستوى اليابسة، فإن السبب الرئيسي لهبوط مستوى المدينة يعود إلى الإفراط في ضخ المياه الجوفية بسبب الحفر العشوائي للآبار في عموم المدينة.
فبكين تقع في الطرف الشمالي من سهل شمال الصين الذي يعتبر سهلا جافًا تجمعت فيه المياه الجوفية على مدى آلاف السنين، ويؤدي حفر الآبار الإرتوازية في المدينة إلى انخفاض منسوب المياه وبالتالي تقلص تماسك التربة، كما يحصل بعد جفاف الإسفنج من الماء، وبحذر الباحثون في الدراسة أن تفاوت معدلات الهبوط في المدينة يشكل خطرًا كبيرًا على المباني والبنى التحتية.
الهبوط المفاجئ بنسبة عالية في بكين وخصوصًا في منطقة تشاويانغ يعود إلى النمو السريع الذي شهدته المدينة في العقود الأخيرة
حيث خلصت الدراسة أن المدينة بأكملها تغرق ولكن الهبوط الأكثر وضوحًا يتركز في حي تشاويانغ في بكين الذي تكثر فيه ناطحات السحاب والأبنية الشاهقة بعد ازدهار المدينة منذ العام 1990.
عشرات الآلاف من آبار المياه الجوفية الموجودة في بكين وحولها والمستخدمة لأغراض الزراعة وسقاية المسطحات الخضراء في المدينة غير خاضعة للتنظيم من قبل الدولة وتعتبر غير قانونية على الرغم من قدرة الدولة على تنظيمها، حيث عملت الدولة على وضع قوانين وقواعد لتنظيم الآبار ولمنع سحب المياه الجوفية بشكل عشوائي ولكن تلك القوانين لا تطبق على المستوى المطلوب الذي يحد من استنزاف خزان المياه الجوفية تحت الأرض.
وبحسب مدير معهد الشؤون العامة والبيئة في بكين، فإن الهبوط المفاجئ بنسبة عالية في بكين وخصوصًا في منطقة تشاويانغ يعود إلى النمو السريع الذي شهدته المدينة في العقود الأخيرة، ومع ارتفاع معدل النمو ترتفع معها نسبة مصروف المياه التي تسحب من المياه الجوفية.
هل تقف بكين متفرجة على المدينة كيف تهبط!
لمعالجة هذه الأزمة افتتحت الصين مشاريع هندسية ضخمة في بكين في العام 2015 تهدف لتخفيف حدة أزمة المياه في المدينة من خلال شبكة من القنوات لتحويل المياه من الجنوب إلى الشمال تمتد إلى ما يقرب 2400 كيلو متر قادرة على تحويل 44.8 مليار متر مكعب من المياه إلى بكين.
وفي يناير/كانون الثاني عام 2015 أعلنت المدينة عن خطط للتخلص من 367 بئرًا من المياه في حي تشاويانغ والحد من استخدام 10 مليون متر مكعب من المياه الجوفية القابعة تحت المدينة.
ويقول الخبراء أنه لا يزال من السابق لأوانه معرفة ما إذا كانت شبكة المياه التي تبنيها الصين فيما إذا ستساعد في إعادة التوازن للمياه الجوفية وتبطئ من معدل هبوط المدينة، وأوصت الدراسة حظر حفر آبار المياه الجوفية بالقرب من خطوط السكك الحديدية عالية السرعة من أجل تجنب خروج قضبان السكك الحديدية.