ترجمة وتحرير نون بوست
شهد العقد الأخير من حكم حماس لقطاع غزة في فلسطين العديد من الأحداث المهمة، ابتداءًا من الانتصار المذهل وغير المتوقع لحماس في الانتخابات البرلمانية لعام 2006 في الضفة الغربية وقطاع غزة، تليها الخلافات السياسية العقيمة ما بين فتح وحماس، والتي أسفرت عن إحداث شرخ مدمر ما بين الفلسطينيين أدى إلى تشكيل حكومتين متنافستين.
أعقب ذلك الحصار الخانق واللاإنساني للقطاع، والذي بلغ ذروته في حروب الإبادة الجماعية الثلاثة التي شنتها إسرائيل على الجيب المتهالك، فضلًا عن تزامن حكم حماس مع أحداث الربيع العربي وموجات الاضطرابات التي اجتاحت منطقة الشرق الأوسط.
أخطاء قاتلة
ضمن هذه الساحة السياسية المضطربة، لابد أن تسفر الخيارات غير المستقرة والمتزعزعة بلا شك عن إحداث عواقب وخيمة؛ فعلى مدار الـ10 سنوات الماضية، ارتكبت حماس، الحركة التي تأسست أصلًا كحركة مقاومة تعمل على تنظيم الكفاح المسلح ضد الاحتلال، خمسة أخطاء – حتمية ربما- ولكنها لا تغتفر.
لا أحد يجرؤ على الادعاء بأن حماس، وباعتبارها لاعبًا محوريًا ضمن الطيف السياسي الفلسطيني، لا تتمتع بكامل الحق في متابعة برنامجها السياسي، ولكن في عام 2006، ابتلعت حماس الطعم الذي رُمي لها طواعية، عندما شاركت بقوة في الانتخابات البرلمانية، ومع ذلك، شكّل انتصارها الساحق هزيمة دامغة لمحاولات واشنطن في “ترويض النمرة”.
شكّل انخراط حماس ضمن ما يسمى بالعملية الديمقراطية صعقة للكثيرين باعتبارها خطوة ساخرة بعمق؛ فمن ناحية أولى، لا تؤيد حماس البرنامج السياسي لمنظمة التحرير الفلسطينية، ومن جهة أخرى لا تعترف بشروط اللجنة الرباعية للشرق الأوسط، والتي تعد شروطًا مسبقة للاعتراف الدولي بحركة حماس.
من هذا المنطلق، تم تزوية حماس حرفيًا وفَرَضَ المجتمع الدولي إجراءات عقاب جماعية بائسة بغية إجبار حماس على التنازل، حيث شملت هذه الإجراءات معاقبة كلًا من حماس وسكان غزة، وفي ظل وجوب استشراف وتوقع الحركة لتلك الخطوة، كان من المتوجب عليها أن تضع خطة بديلة للطوارئ.
معزولة ومنبوذة
ولكن على العكس من ذلك، وللأسف الشديد، ارتكبت حماس في هذه النقطة خطأها الإستراتيجي الثاني، عندما دخل عناصر كتائب عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، إلى مكتب محمود عباس في غزة، وجلس أحدهم ملثمًا على مكتبه معلنًا نهاية السلطة المدعومة من الغرب في قطاع غزة، من خلال محادثة هاتفية تخيلية مع الولايات المتحدة، قال فيها ممازحًا وهو يتحدث افتراضيًا عبر هاتف من مكتب عباس: “مرحبا كوندوليزا رايس، لا يوجد غيري، أبو مازن غير موجود“.
حينها، أقال الرئيس الفلسطيني على الفور رئيس الوزراء إسماعيل هنية، أيدت واشنطن قرار عباس بشكل قاطع، علّق الاتحاد الأوروبي المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، وتم عزل ونبذ حماس بشكل تام.
في هذا السياق، ينبغي علينا ألّا ننسى بأن المؤامرة التي حيكت ضد حماس كانت هائلة، وكان من الواضح تمامًا بأنه يجري دفع حماس على عجل تجاه تسوية الصراع السياسي بالوسائل العسكرية، وهنا كان على الحركة أن تختار ما بين برنامج المقاومة ومطالب الحياة اليومية التي تمخضت عن كونها حاكمًا فعليًا للقطاع.
حاولت حماس كل طاقتها لتحقيق التوازن المطلوب، ولكن الأمور ساءت بسبب الحروب غير المنقطعة التي شنتها إسرائيل على التوالي، والتي استنزفت شعب غزة وأمعنت في تدمير اقتصاد القطاع المحطم أساسًا.
بعد كل اعتداء، تسامى الفلسطينيون فوق جراحهم، وخرجوا من تحت الرماد معلنين انتصارًا رمزيًا تاريخيًا على الوحشية الإسرائيلية، باحثين عن قيادة رشيدة وحكيمة، تحمل إستراتيجية واضحة لتحقيق تطلعاتهم في التحرر ونبذ حل الدولتين المخادع، أو ما أسموه بـ”حل السجنين”.
فشلت حماس في لعب هذا الدور، وإخفاقها في ذلك يرجع أساسًا لما يعد خطأها الثالث المتمثل بترددها وانقسامها الواضح حول المفاوضات المباشرة مع إسرائيل.
لا محادثات مباشرة مع إسرائيل
جرت العادة أن تكون محادثات السلام مع إسرائيل هي نقطة الخلاف الرئيسية ما بين حماس ومنظمة التحرير الفلسطينية؛ فلطالما انتقدت حماس بشدة السلطة الفلسطينية لانخراطها في جولات عقيمة ولانهائية من المفاوضات مع إسرائيل، ولكن مع ذلك، وعندما تصبح الحقوق الأساسية لسكان قطاع غزة على المحك، يجب إفساح المجال لإمكانية تحقق الإستراتيجيات التي يجري اعتبارها من المحرمات.
من هذا المنطلق، تفاوضت حماس بشكل مباشر مع الإسرائيليين لانتزاع حقوق المعتقلين الفلسطينيين، ولهذا، وضمن مثل هذه السابقة الفريدة من نوعها، من الحكمة سياسيًا بالنسبة لحماس أن تعمد إلى تنفيذ مناورة سياسية على أقل تقدير، من خلال التلويح بقرب التغيير الجذري في مواقفها، حيث يعد هذا الأمر مهمًا بشكل خاص ضمن وسط سياسي يسوده الوسطاء المنحازين، الدول التي تتمع بعلاقات حميمية مع إسرائيل وبعداء مستحكم لسكان غزة، والموقف العنيد وغير المتعاون للسلطة الفلسطينية.
ولكن مع ذلك، وإذا استحضرنا تداعيات الثورة المصرية على القضية الفلسطينية، سنذكر بأن حماس ارتكبت زلتها المفجعة الرابعة من خلال إهدارها للفرصة الاستثنائية للمصالحة مع حركة فتح، عندما توسط الرئيس المصري، المخلوع الآن، محمد مرسي، ضمن هذه الخطوة.
زخم الربيع العربي، وصعود الروح المعنوية للحركة الإسلامية، وضعها في موقع قوة لفرض شروطها وسحب عباس إلى اتفاق مرضٍ.
وهنا، دعونا نأمل بأن تتجنب حماس الوقوع في خطئها الخامس من خلال إهدار التسوية المقترحة مع عباس في اجتماع الدوحة قريبًا.
أخيرًا، وفي ضوء الخطة العربية السرية المزعومة للإطاحة بعباس واستبداله بالشخصية المدعومة خارجيًا والمثيرة للجدل، محمد دحلان، المدعوم من مصر والإمارات وإسرائيل، تواجه حماس تحديات لم يسبق لها مثيل، قد تتمخض عن عواقب وخيمة ليس على الحركة الإسلامية، بل على القضية الفلسطينية بأسرها أيضًا.
المصدر: الجزيرة الإنجليزية