نشر مالتوس عالم الاقتصاد الإنكليزي والباحث في النمو السكاني مؤلفه “بحث في مبدأ السكان” الذي صاغ فيه نظريته حول السكان والذي ثارت ضجة كبيرة حوله، حيث ورد فيها أن الرجل الذي ليس له من يعيله والذي لا يستطيع أن يجد له عملاً في المجتمع سيجد أنه ليس له نصيب من الغذاء على أرضه، فهو زائد في وليمة الطبيعة حيث لا صحن له بين الصحون فتأمره الطبيعة بمغادرة الزمن، كما تعرض في مقالاته عن حتمية النقص في المواد الغذائية بالنسبة لزيادة عدد السكان.
يتوقع علماء الديموغرافيا أن يصل عدد سكان الأرض إلى 10.8 مليار نسمة في العام 2100
إلا أن العالم الحديث نقض نظرية مالتس وذكرت الأبحاث أن مساحة الأرض قادرة على استيعاب أعداد تفوق المعدلات السكانية، كما أنه لا يوجد شيء اسمه أزمة غذاء يواجهها العالم بل يوجد سوء في توزيع الثروة والموارد في العالم، أما البلدان النامية والمتخلفة والتي تعاني من الفقر فهي ليست كذلك بسبب زيادة عدد السكان بل بسبب النظام العالمي الاستعماري والاستغلالي الذي يستغل ثروات تلك البلدان دون أدنى مراعاة لحياة السكان وظروفهم المعيشية، كما أن ارتفاع مستوى دخل الفرد في البلدان الغنية يترافق مع انخفاض مستوى دخل الفرد في البلدان الفقيرة وهذا يعود إلى الاستغلال.
اختلال التركيبة السكانية في العديد من بلدان العالم
الطبيعة البشرية تحث على التكاثر دائمًا وفي كل الظروف ومنذ خلق الإنسان والتكاثر يتفاوت بنسب مختلفة تبعًا للظروف المحيطة من انتشار الأمراض وصعوبة الحياة واختلاف الثقافات وعوامل أخرى، ومع تطور العلم بدأت أعداد البشر تتزايد في العالم ووجد العلماء طريقة لتحديد النسل والتحكم به على مر العقود الماضية في سبيل رفع مستوى معيشة الأسرة ولكي لا يلتهم ازدياد عدد السكان بشكل كبير معدلات النمو في الاقتصاد، فكانت حبوب منع الحمل في العام 1950 ولكنها لم تتوفر بكلفة مناسبة في البدان النامية والفقيرة فبقيت معدلات التكاثر فيها عالية، ما استدعى تدخل الحكومات من خلال قوانين تمنع إنجاب أكثر من طفل واحد كما حصل أواخر السبعينات في الصين.
ويتوقع علماء الديموغرافيا أن يصل عدد سكان الأرض إلى 10.8 مليار نسمة في العام 2100 كما يحذر العلماء من الانهيار الديموغرافي في العديد من البلدان التي تشهد اختلالات في تركيبة السكان فدول مثل اليابان ومعظم دول أوروبا والصين وبعض دول شرق آسيا كسنغافورة وغيرها تجاوز عدد الوفيات عدد المواليد وتبلغ نسبة الولادات في الكثير من هذه الأماكن تقريبًا نصف المعدل اللازم للاستمرار.
لا يوجد شيء اسمه أزمة غذاء يواجهها العالم بل يوجد سوء في توزيع الثروة والموارد في العالم
ويظهر في تلك البلدان أن الحالة الديموغرافية أصبحت غير سليمة ويخشى من فناء مجتمعات بسبب ذلك الاختلال، فهذا الوضع لن يسمح للمجتمع بالصمود كثيرًا خصوصًا مع تزايد نسبة إعالة العجزى، ذلك أن عدد الأشخاص المتقاعدين، أعلى بكثير من عدد الأشخاص المنتجين، وبالتالي فإن الضمان الإجتماعي لن يتحمل ذلك، ففي ألمانيا أغلقت مدارس بسبب عدم وجود أطفال ليدرسوا فيها وأصبحت بعض البلدات خاوية لا يسكنها أحد بسبب ارتفاع نسبة الوفيات، وفي اليابان تجاوزت مبيعات حفاضات الراشدين على مبيعات حفاضات الأطفال والحالة مشابهة في بعض دول أوروبا.
الخطورة الكاملة لهذا الأمر قد تبدو غير واضحة الآن بشكل جيد ولكنها ستصبح مثار اهتمام عالٍ في السنوات المقبلة خصوصًا إذا أصبحت تؤثر على مسيرة التطور والتنمية التي تقودها البلدان المتقدمة، وتحاول تلك البلدان تعويض النقص الديموغرافي الحاصل لديها باستقدام المهاجرين، حيث تستقبل ألمانيا كل سنة مئة ألف مهاجر لسد الثغرات في سوق العمل لديها وفي العام الماضي استقبلت مليون لاجئ من جنسيات مختلفة أغلبهم من السوريين من فئة الشباب.
وفي الصين بعد سنوات طويلة من سياسة الطفل الواحد رفعت الحكومة الحظر عن إنجاب أكثر من طفل وأصبحت سياساتها قائمة على تحفيز الإنجاب لطفل ثانٍ وتغيير العادة الاجتماعية التي اكتسبها الشعب من الاكتفاء بطفل واحد بعد 35 عامًا من قوانين الطفل الواحد، فالوضع الاجتماعي شهد تغييرات عميقة، فإنجاب أطفال أقل، وتوفير بيئة أفضل لتنشئتهم، بات الفهم السائد في المجتمع، ولو أرادت الصين الاعتماد على الهجرة أكثر فستجد أنها بحاجة لمجموع عدد سكان ثلاثة دول كإندونيسيا لتغطية العجز الحاصل لديها ديموغرافيًا.
وبحسب تقارير دولية حذّر فيها خبراء من أن الإبقاء على سياسة الطفل الواحد من شأنه أن يجعل الاقتصاد الصيني “يشيخ أولا قبل أن يصبح ثريًا” مع تقلص نسبة العمال الأفتياء إلى المتقاعدين، كما يتوقع الخبراء أن يكون أكثر من ربع سكان الصين فوق سن الـ 65 عامًا 2050، إذا إن معدل الخصوبة في الصين يعد الأدنى في العالم، فالمعدل الأدنى للولادات هو 2.1 طفل للمرأة وهو الحد الأدنى اللازم لأن يجدد المجتمع نفسه عدديًا عبر الأجيال.
لذا فإن تدخلات الحكومة في الحد أو في منع الإنجاب لها آثار سيئة على المجتمع وتركيبته السكانية تجبر الدولة على استقدام المهاجرين من الخارج لاستمرار عجلة النمو الاقتصادي، والوقوف في وجه الفطرة البشرية في التكاثر بالتلاعب بها من أجل رفع مستوى المعيشة والرفاهية للأسرة قد يؤدي في النهاية إلى انعدم الأسرة بحد ذاتها لتعيش برفاهية.