لقاء أردوغان مع خالد مشعل قبل يومين من التوقيع على اتفاق عودة العلاقات الدبلوماسية بين تركيا وإسرائيل له دلالات سياسية بعيدة الأثر، أهمها التأكيد على أن العلاقة بين تركيا وحركة حماس خط أحمر لا يحق لإسرائيل أن تتجاوزه، وفي ذلك تأكيد أيضًا على أن رفع الحصار عن غزة كان السبب المباشر في قطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، وبالتالي فإن عودة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين مشروط بفك حصار غزة، رغم كل ما يشاع في وسائل الإعلام الإسرائيلية عن تخلي تركيا عن هذا المطلب، والاكتفاء بتخفيف الحصار كما يفهم من تصريح وزير التجارة التركي الذي قال: إن المحادثات مع الجانب الإسرائيلي أسفرت عن السماح بدخول البضائع التركية إلى قطاع غزة من دون عرقلة، كما أكد الوزير أن كل المساعدات الإنسانية سيتم نقلها إلى القطاع عن طريق المؤسسات التركية إلى حين رفع الحصار.
وإذا صح حديث الوزير عن “دخول البضائع التركية إلى قطاع غزة دون عرقلة” فهذا يعني دخول الإسمنت التركي إلى غزة، وكذلك الأخشاب وأنابيب الحديد وكل تلك القائمة من الممنوعات التي أعاقت تطور الحياة في غزة، وكل ذلك مقدمة لرفع الحصار الذي يتجاوز مفهومه السياسي الأبعاد السياسية، ويتعداها إلى حرية الخروج والدخول إلى قطاع غزة، مع حرية تصدير المنتجات إلى العالم الخارجي، كما صرح ضمنًا وزير الخارجية التركي مولود أوغلو الذي قال: “إن الهدف الأساسي من القضية كلها رفع الحصار غير الإنساني عن غزة”.
رفع الحصار عن غزة هو الهدف الأساسي لعودة العلاقات الدبلوماسية مع تركيا، هذا ما نخلص إليه من تصريح وزير الخارجية، وهذا ما ستنبئنا به الأيام القادمة، ولاسيما أن الالتزام التركي بفك الحصار عن قطاع غزة لا يعكس موقف الرئيس التركي رجب أردوغان كما يظن البعض، ولا يمثل موقف الحكومة التركية، وإنما يمثل إرادة الشعب التركي الذي يحرص أردوغان نفسه على نيل ثقته، قبل أن يحرص على تحقيق المكاسب السياسية في الوطن العربي لموقفه المبدئي الحريص على فك الحصار عن غزة.
وقد دلل الشعب التركي على مر العصور أنه سند للقضية الفلسطينية حتى في ذلك الزمن الذي سيطر فيه النظام العسكري العلماني على مقدرات الشعب التركي، فقد رفضت تركيا سنة 1947 قرار تقسيم فلسطين إلى دولتين يهودية وفلسطينية، وفي أواخر الستينات، نشبت أزمة في العلاقات بين الدولتَين، إثر حرب 1967 ونتائجها السلبية، وفي عام 1980، تجددت الأزمة بين البلدين إثر إعلان إسرائيل عن توحيد القدس، وإعلانها عاصمة لإسرائيل، مما أسفر عن إغلاق القنصليّتَين وإعادة الممثّلين الدبلوماسيين.
ورغم التحسن الذي طرأ على العلاقة بين البلدين إثر زيارة أردوغان لإسرائيل سنة 2005، إلا أن الفتور عاد ثانية جراء العدوان الإسرائيلي على لبنان صيف سنة 2006، والذي أثار حالة من الاستياء داخل القيادة التركية، ليصل الأمر إلى تباعد بين الدولتين إثر العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة سنة 2008، حيث ألغت تركيا التدريبات العسكرية المشتركة مع إسرائيل.
فإذا كانت تلك هي تركيا في الحقبة الماضية، وهي في مرحلة التشكل، فكيف حالها اليوم، وهي في مرحلة الرقي الاقتصادي الذي وضعها في مصاف الدول العظمى؟ وهي تتقدم أخلاقيًا وحضاريًا إلى المستوى الذي يؤهلها للقيام بدورها التاريخي في الحفاظ على استقرار الإقليم وحرية شعوبه، وأزعم أن هذا الموقف التركي هو الذي شجع خالد مشعل ليعرب عن تقديره لموقف تركيا في خدمة الشعب الفلسطيني، والتفاعل مع قضيته العادلة وبذل الجهود لإنهاء الحصار عن قطاع غزة، وبدء إعمار ما خلفته الحرب الصهيونية الأخيرة.
وإذا كانت الأيام القادمة تحمل البشري لعدد 400 ألف إسرائيلي اعتادوا السياحة السنوية في تركيا، فإن الأيام القادمة تحمل البشائر أيضًا لسكان قطاع غزة الذين ينتظرون الرحمة من الله، ومن كل مسلم ومن كل عربي ومن كل فلسطيني يؤمن بحق سكان غزة بالحياة كبقية البشر.