لم يعتقد اللاجئون أن تطول إقامتهم بعيدا عن بلادهم، لكنها طالت وستطول فيما يبدو أكثر من ذلك، فالأوضاع العسكرية والسياسية لا تنذر بحل وشيك للأزمة في سوريا، وفق ما قال اللاجئ السوري عامر الحموي.
بكاء على أطلال ذكريات الوطن
التقينا أحمد الحموي في مكان عمله وسط عمان، حيث تحدث عن كيفية استقبال شهر رمضان بقوله “الحقيقة أننا لا نستشعر فرحة قدوم رمضان، ونحن في بلدان الغربة والشتات بين جريح ومفجوع وغريب”.
وأضاف الحموي الذي يعمل في إحدى المطاعم: “يوميا نستقبل أخبار الشهداء والجرحى من الأقارب والأصدقاء والجيران”، متسائلا “كيف لنا أن نهنأ بعد هذه الفواجع والمصائب”.
وأردف الحموي في وصف حالته وحالة عائلته السيئة قائلا : “الوالد والوالدة في سوريا والأبناء والبنات في الأردن، فلك أن تتخيل المشاعر والأفكار الحزينة التي تصاحب العائلة، في ظل التشرد والبعد المصاحب للجوع والذل التي نلاقيه يوميا”.
أما يزن جعفر الذي يعمل في إحدى المولات التجارية، فقد استذكر أيام وليالي شهر رمضان التي كان يقضيها في مدينته حلب بين أهله وأصدقائه وجيرانه.
وقال جعفر “كنا نجتمع أنا وأصدقائي وجيراني ليلة الإعلان عن بدء شهر رمضان، ونتجه إلى شراء الزينة والفوانيس لنملأ بها منازلنا، ابتهاجا بقدوم الشهر الفضيل”.
وأضاف جعفر : “من بعد الأزمة ولجوئنا إلى الأردن، باتت تلك الأعمال ذكريات ليس أكثر، فقد افتقدت حارتي وأصدقائي وجيراني، حتى الصيام لم يعد له المذاق والطعم نفسه”.
وواصل جعفر بقوله “لقد كنا نتبادل الأطباق مع الجيران وقت الفطور، ونلتقي في صلاة التروايح، ونتسابق مع الأهل إلى الأسواق لشراء حاجيات وملابس العيد، لقد غابت تلك الذكريات الجميلة الدافئة عن السوريين”.
المخيم يواسي الحال
يعيش اللاجئون السوريون في مخيم الزعتري فيما يشبه المدينة، حيث يتوسط المخيم سوق تجاري ضخم، يضم حوالي 850 مطعما و300 محل تجاري، يتزود منها اللاجئون بحاجياتهم وأغراضهم التي يحتاجونها في رمضان، وفقا للمتحدث باسم المفوضية السامية لشئون اللاجئين السوريين محمد الهواري.
وقال الهواري حول مدى توفر كل ما يحتاجه اللاجئ من مستلزمات رمضان بالمخيم إنه “تنتشر في المخيم محال بيع العصائر الرمضانية كالتمر الهندي والخروب وعرق السوس وقمر الدين، كما تنتشر محال بيع الحلويات الرمضانية، وخاصة القطايف”.
وأضاف الهواري “يقيم اللاجئون في المخيم طقوسهم وعاداتهم الرمضانية، حيث تنعقد الولائم الجماعية بشتى أصناف الوجبات السورية عند الإفطار، كما يتكرر ذلك عند السحور، إضافة إلى إقامة الشعائر الدينية طوال الشهر الكريم”.
يحن اللاجئون السوريون إلى ديارهم خصوصا مع قدوم شهر رمضان الذي تتجمع فيه الأسر في العادة حول طعام الإفطار والسحور، طبقا لما قالته اللاجئة المسنة أم حسام.
أم حسام التي تسكن مع 4 من أولادها، قتل زوجها جراء القصف في حمص، قالت: ” تتحلق عائلتي المكلومة حول مائدة الإفطار التي تفتقر إلى اللحوم أو الدجاج، تستذكر الحنين والشوق للعودة إلى حضن الوطن”.
وترى أم حسام أن “شهر رمضان لم يعد أكثر من عبادة، فطقوس الفرح والابتهاج والطعام باتت مجرد ذكريات، خاصة أن الكثير من عائلات اللاجئين فيها جريح أو شهيد أو مهجر، لم يعد يعني لنا تنوع الطعام على المائدة شيء كثير، المهم أن التفكير متوجه نحو العودة إلى البلاد قبل وقوع الأجل وساعة مغادرة هذه الدنيا”.
وأبدت أم حسام في نهاية حديثها اشتياقها لليوم الذي تتمكن فيه من العودة إلى منزلها، بتناول طعام الإفطار والسحور في سوريا.
من ناحيته، أقر اللاجئ السوري عمار جواد أن “كل شهور رمضان التي مرت علينا ونحن خارج سوريا كانت صعبة للغاية، فكما ترون نزوح ولجوء وخيم وموت وجرحى وقتلى”.
وقال جواد الذي يعمل في مهنة دهان المنازل مستذكرا الأجواء الرمضانية في ريف دمشق: “كانت شوارع حارتنا تتزين بالفوانيس والقناديل، واللافتات المرحبة بقدوم الشهر الكريم، في حين تزدحم الأسواق ويكثر الناس في المساجد، وتنتشر أجواء البهجة والاطمئنان”.
وأشار جواد إلى “الاشتياق للطقوس والأجواء الرمضانية التي كان يعيشها في سوريا”، لكنه أبدى تفاؤله بإمكانية صيام شهر رمضان العام المقبل في منزله، متمنيا رجوع كل أبناء وطنه إلى ديارهم ومنازلهم”.
بينما لم يكن حال اللاجئ محمد صفوان أفضل من غيره، فصفوان الذي يعمل بائعا في محل أحذية، يبين أن أبنائه وبناته يبكون كلما يقترب شهر رمضان والعيد، وذلك لابتعادهم عن منزلهم وبلدهم.
وقال صفوان: “تحاول زوجتي إضفاء أجواء رمضان على المنزل، حتى لا تبعد الأولاد عن أجواء الحزن التي تعاودنا كل شهر رمضان، فتعمل على تحضير أنواع الطعام والمأكولات السورية، بهدف العيش بأجواء تشبه أجواء العائلة في الوطن، بالرغم من الظروف الصعبة”.
“لم أتوقع أن أقضي رمضان لاجئا أنتظر صدقة الآخرين”
وكان آخر من التقينا بهم الشاب اللاجئ عبد الرحمن شحادة، الذي يتناول إفطاره في شهر رمضان متنقلا بين موائد الإطار الخيرية التي تقيمها منظمات وجمعيات خيرية تهتم بشؤون اللاجئين في البلاد.
وعبر شحادة في حديثه عن فرحته بتوفر طعام إفطار في رمضان دون التفكير بكيفية الحصول عليه لصعوبته، مؤكدا أن ما تقوم به الجمعيات والمنظمات لفتة إنسانية رائعة ومقدرة.
واعتبر شحادة أن مثل هذه الموائد تعزز علاقات التواصل والتعاضد في شهر الخير والرحمة وخصوصاً في ظل الظروف المعيشية الصعبة التي يعيشها اللاجئون في الأردن.
وبين شحادة أنه يعيش وحيدا في الأردن، فعائلته قضت تحت القصف في حمص، الأمر الذي دفعه مرغما إلى اللجوء إلى الأردن، لافتا : “لم أتوقع أن أقضي رمضان لاجئا أنتظر صدقة الآخرين”.
المصدر: أردن الإخبارية