ما الدروس التي نتعملها من خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي؟

441

استفاقت بريطانيا يوم 24 الشهر الحالي على وقع زلزال هز الأسواق المالية العالمية والجنيه الإسترليني عقب إعلان النتائج الأولية التي كشفت عن فوز مناصري الخروج على مناصري البقاء في الاتحاد الأوروبي، الوضع الجديد يفرض على بريطانيا تحديات جديدة في السنوات المقبلة سيواجه فيها الاقتصاد هشاشة وقلة في السيولة المالية وانسحاب الاستثمارات الأجنبية ومزيج غير مسبوق من الاضطرابات السياسية التي بدأت برغبة إسكتلندا وإيرلندا الانفصال عن بريطانيا وعمل استفتاء مماثل.

وأشار الملياردير الأمريكي جورد سوروس في مقال له أن تفكك الاتحاد الأوروبي بات “أمرًا لا رجعة فيه تقريبًا” بعد نتائج الاستفتاء غير المتوقعة على الإطلاق، فالخروج سيؤثر على بريطانيا على المدى القصير والمتوسط وحدوث عملية معقدة من المفاوضات حول “الطلاق السياسي والاقتصادي” عن الاتحاد الأوروبي، كما يشير أن دول الاتحاد الأوروبي لم تعد تلبي احتياجات وتطلعات مواطنيها وأنه يتحرك باتجاه التفكك العشوائي، وهذا سيضع أوروبا في مأزق أسوأ مما لو لم ينشأ الاتحاد الأوروبي.

وفي تقرير على بلومبيرغ حول مغادرة بريطانيا للاتحاد يفتح المجال لطرح أسئلة كثيرة تمكن من استقاء دروس من تجربة انفصال بريطانيا عن الاتحاد ومحاولة الإجابة على العديد من الأسئلة العالقة ومن تلك الدورس ما يلي:

النخب السياسية والاقتصادية التي كانت تنصاع لقرارات القادة السياسين أصبحت لا تكترث بهم على الرغم من التحذيرات والآثار والارتدادت الكثيرة التي من الممكن أن يحملها هكذا قرار، حيث قاد كاميرون وحكومته ومؤيدو البقاء في الاتحاد، حملات كبيرة وعملوا تقاريرًا كثيرة تبين حجم الضرر الذي سيلحق ببريطانيا إذا غادرت الاتحاد اقتصاديًا وسياسيًا وأمنيًا، ومع كل هذا فقد تفوقت حملة المغاردة على البقاء بأغلبية ضئيلة تقدر بـ 4% لصالح الخروج، حيث صوتت فئة كبيرة من الناس تتراوح أعمارهم بين 50-64 عامًا بنسبة 49% لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي.

انتصار حملة المغادرة وإعادة السيطرة على البلاد غذت تيارات أخرى تدعم الانقسام والتفكك عن المملكة المتحدة من جهة وقوت شوكة الأحزاب اليمنية من خارج بريطانيا التي تقف ضد الاتحاد والبقاء فيه، فمن إسكتلندا التي تطالب بإعادة الاستفتاء مجددًا للخروج من بريطانيا والانضمام للاتحاد الأوروبي إلى الأزمة مع إيرلندا وإثارتها نعرة الانقسام حيث سيتعزز موقفهم بعد فوز حملة الخروج، إلى هولندا التي طالب أحد الأحزب فيها إلى عمل استفتاءً شعبيًا للخروج من الاتحاد الأوروبي.

الافتراضات التي كانت صحيحة في الماضي لم تعد تنطبق على الأحزاب الحالية، كما حدث في الحزب الجمهوري في الولايات المتحدة الأمريكية عندما نأى بنفسه عن اتفاقيات التجارة الحرة، كذلك انقسم حزب المحافظين البريطانيين والذي يعد من أبرز الأحزاب الرئيسية في بريطانيا، على نفسه أيضًا حول مكاسب أكبر منطقة للتجارة الحرة في العالم.

خروج بريطانيا أصبح واقعًا بعدما كان من الأمور غير المتوقعة والمستبعدة، فهناك أشياء غريبة قد تحدث في الاقتصاديات المتقدمة التي تطول فترة انخفاض النمو ومعدلات الفائدة السلبية لتحضر بدونالد ترامب في الولايات المتحدة كمرشح عن الحزب الجمهوري ويخرج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.

التنبؤ بالنتائج السياسية بالاعتماد على أداء الأسواق المالية وحركة العملة لا يعد أفضل طريقة للتنبؤ بما ستكون النتيجة، فالإسترليني قبل الاستفتاء ارتفع إلى أعلى معدل له في العام الحالي وشهدت أسواق الأسهم تحسنًا ملحوظًا، فتوقع الكثير من الناس أن النتيجة ستكون لصالح البقاء، وهناك فئة من الناس غيرت رأيها وتساند البقاء الآن، وفي اليوم التالي تبددت كل المكاسب التي اكتسبتها العملة المحلية والأسواق المالية وسجلت أدنى مستوى لها منذ ربع قرن بعد ظهور النتيجة لصالح المغادرة.

يمكن للسياسة أن تنتقل من بلد لآخر وتتعدي الحدود وتغير أفكار الساسة ليتبنوا سياسات غريبة عنهم، فبريطانيا والحياة السياسية فيها تأثرت بصعود دونالد ترامب في الولايات المتحدة وبالتيار الذي حمله معه والذي بدأ في بريطانيا ويتمدد إلى بلدان أخرى في أوروبا ليهدد القارة بمزيد من الاستفتاءات الجديدة وبالتالي انقسامات أخرى.  

مواجهة الخطر من بعض معارضي حزب المحافظين جعل ديفيد كاميرون يعد باستفتاء شعبي لتقرير مصير بريطانيا مع أوروبا وراهن أنه سيحرز انتصارًا فيه ويؤمن بإعادة انتخاب حزبه مرة أخرى في الانتخابات المقبلة، ولكن حصل ما لم يكن في الحسبان وخسر الرهان بخروج بريطانيا من الاتحاد وانقسم حزبه عليه وأعلن أنه سيتنحى عن رئاسة الحكومة في خلال ثلاثة أشهر بحجة أن البلاد تحتاج لقيادة جديدة ولا بد أن يقوم شخص آخر بالتفاوض مع أوروبا في مرحلة الانفصال.