إسرائيل هي الدولة الوحيدة التي يكاد ينعدم المدنيون فيها، وذلك لأن الخدمة العسكرية إجبارية على الجميع ما إن يبلغوا الثامنة عشر، لتكون ثلاث سنوات إجبارية للذكور بينما تكون سنتين بالنسبة للإناث، وهو الذي يجعل كل إسرائيلي يفني فترة من عمره في خدمة جيش الاحتلال الإسرائيلي، وهو ما يجعل كل إسرائيلي مزوّد بخبرات وتمارين عسكرية تكفيه أن يكون على استعداد للدخول في حالة حرب في أي وقت.
لم تكن هناك حركات معارضة للخدمة في الجيش الإسرائيلي من قِبل الإسرائيلين أنفسهم من قبل، إلا أنه وبعد الحروب الأخيرة على قطاع غزة، باتت الأصوات ترتفع باتهام جيش إسرائيل بأنه جيش غير أخلاقي ولا يتصف بالإنسانية لارتكابه مجازر وجرائم تحرمها قوانين حقوق الإنسان الدولية، كما يتم اتهامه بأنه جيش عنصري نتيجة لأفعال الاضطهاد العنصري لفلسطيني الضفة، والبناء الاستطياني الموّسع، وحملات الاعتقالات والتعذيب المستمرة، بالإضافة إلى هضم حقوق الأعراق الأخرى، كعرب الـ 48 والإسرائيلين الدروز والسامريين ويهود اليمن وإثيوبيا، فالأخيرين يتم معاملتهم وكأنهم مواطنين من الدرجة الثانية وربما الثالثة أحيانًا.
تم رصد حركات مناهضة للخدمة العسكرية في الجيش الإسرائيلي منذ بضعة سنوات، مؤخرًا تحرك وفد إسرائيلي من شباب حركة رفض الخدمة في الجيش الإسرائيلي “ارفض” بين 12 ولاية أمريكية ضمن المشاركة في شبكة التضامن للرافضين أو المعارضين الأمريكية للتحدث عن سبب رفضهم المشاركة في الخدمة العسكرية الإجبارية، وتم عرض أجوبتهم على تقرير تم إعادة نشره على موقع يور ميدل إيست آي، وكانت من ضمن الأسباب ما يلي:
يقول أحد الشباب المُشارك في الحملة بأنه وُلد وتربى في منزل مناهض تمامًا للصهيونية، فوالدته من الدروز، والذين يعتبرهم الكثير من الإسرائيليين بأنهم الفلسطينون الوحيدون المجبورون على الخدمة العسكرية في الجيش، أما والده فهو لا يدافع عن الصهيونية إطلاقًا، وعلى الرغم من عدم وجود أسباب معينة لعدم كونه صهيونيًا، إلا أنه لا يقبل الخدمة العسكرية الإجبارية وحاول التهرب منها بالاستعانة بتقرير من المصحة العقلية.
كان هناك رأي مخالف لشاب تربى في بيت صهويني كغيره من الكثير من البيوت الإسرائيلية، إلا أنه كان يساريًا رافضًا للاحتلال، ولم يفهم ما الاحتلال حقًا إلا بعد الانتفاضة الثانية، حيث بدأ يرى الحركات المعارضة للاحتلال والتي كان أغلبها عنيف بتفجيرات للحافلات في المنطقة التي تحيط به، وهنا فقط فهم الشاب ما الاحتلال من المقاومة، ومن هنا أيضًا بدأت تتشكل عنده صورة كاملة عن الاحتلال، عندما وجد كيف أنه يمكنه أن يعبر كما يحلو له ولكن الفلسطينيين من يعيشون ما يبعد 15 دقيقة منه، لا يمكنهم العبور لزيارة أقاربهم حتى إلا بتصاريح، وبدأ يراقب العنصرية المتبعة من الجيش بإقامة الحواجز والأسوار، كما راقب تعامل الجيش الإسرائيلي العنيف مع المظاهرات التي يقودها شباب إسرائيليون ضد إقامة الحواجز، ليرى على النقيض تعامل الفلسطينيين معهم وتقديمهم المساعدة لهم في حالة تعرض أحدهم للأذى أثناء المظاهرات، ليتكون عند الشاب حالة من التناقضات والانقسامات في تفكيره بحسب كلامه، فهو تربى على أن الجيش يحميه والفلسطيني يؤذيه، ليكبر ويكتشف بنفسه أن ذلك الأمر يصيبه التناقض بشكل كبير.
من هم الإسرائليون الرافضون للاحتلال؟
1- السامريون
أقدم وأصغر طائفة دينية في العالم، عددهم يُقارب 740 نسمة، هم السامريون، من يعتبرون أنفسهم السلالة الأصلية لبني إسرائيل والمرافقين الأوائل لموسى عليه السلام في خروجه من مصر، فمنذ خروجهم من مصر وبقائهم في أرض كنعان لم يُغادروها إطلاقًا، أي قبل 3645 سنة، وعلى الرغم من حملهم الهوية الإسرائيلية إلا أنهم يعتبرون أنفسهم فلسطينيي الجنسية أكثر من كونهم إسرائيليين، كما يتحدثون العربية بطلاقة، وهم من الطوائف المضطهدة من الإسرائيليين بسبب رفضهم للاحتلال ومناهضتهم القوية للصهيونية.
2- الدروز
في مارس 2014، انطلقت حركة “ارفض، شعبك يحميك” بقيادة مجموعة من الشباب الدروز الرافضين للخدمة العسكرية، والذين يقودون حملة لتوعية الدروز بهويتهم، اعتبرت إسرائيل عام 1962 الدروز إثنية مستقلة عن بقية العرب، وأصبحت بطاقاتهم القومية تقول بوضوح إنهم دروز لا عرب، إلا أنهم إحدى الإثنيات التي يبلغ عددها 130000 داخل إسرائيل والتي ترفض الوطن القومي لليهود، وتناهض الصهيونية، وترفض خدمة أبنائهم في الجيش الإسرائيلي.
3- يهود إثيوبيا
يهود الفلاشا: هم طائفة يهودية إثيوبية، يختلف المؤرخون في جذورها، تم ترحيل عشرات الآلاف منها إلى إسرائيل، لتعزيز ديموغرافية الاحتلال، وتكريس الطابع اليهودي لإسرائيل، لكنها واجهت أوضاعًا عنصرية دفعتها للاحتجاج على الحكومة الإسرائيلية في مايو 2015، وهم أحد الطوائف المهمة المُهمشة في إسرائيل من حيث مقاعد الدراسة أو فرص العمل أو توزيع المنطاق السكنية.
فقام الشباب الإثيوبي بالتبعية بعزل نفسه فظهرت ثقافة إفريقية أمريكية إسرائيلية يتماشى معها شباب الفلاشا ويحددون هوياتهم الجديدة من خلالها وليس من خلال ثقافة إسرائيلية أو يهودية عامة، وعلى الرغم من أدائهم الخدمة العسكرية التي يحق لهم بها الاندماج في المجتمع الإسرائيلي، إلا أنه نتيجة للتهميش والعنصرية المستمرة، أصبح يهود الفلاشا من الطوائف التي ترفض أداء الخدمة العسكرية للجيش الذي وصفته بكونه عنصريًا.
لا يقتصر الأمر على الطوائف أو الإثنيات اليهودية المختلفة، فمنذ حرب غزة في عام 2014، قام العديد من طلاب المدارس الثانوية في إسرائيل بالتظاهر والاعتراض على أداء الخدمة العكسرية لجيش الاحتلال باعتباره جيشًا يقوم بأفعال إجرامية وغير إنسانية تجاه الفلسطينيين، حيث يفضل طلاب الثانوية الدخول إلى السجن أفضل من أدائهم الخدمة العسكرية الآن، وهم الآن في حركة “ارفض” التي تدعو لدعم مادي ومعنوي لكل رافض للاحتلال ورافض لأداء الخدمة العسكرية من الإسرائيليين أنفسهم، على الرغم من الضغط المجتمعي الذي تواجهه تلك الحركة باعتبارهم خونة وهاربين من واجب حماية ما يعتبرونه وطنهم إسرائيل.