واحد من الأسماء التي فرضت نفسها بقوة على بورصة كرة القدم العالمية، لقب بـ” الفرعون الصغير” و”الساحر”، فكان خير سفير للكرة العربية في الملاعب الأوروبية، لذا استحق أن يتربع على عرش قلوب الملايين من عشاق الساحرة المستديرة في مصر والعالم أجمع، إنه اللاعب المصري محمد صلاح.
دماثة خلقه، وتواضعه، والتزامه الديني، ومهارته الكروية الفطرية، كانت أبرز المقومات التي صنعت اسم اللاعب المصري ووضعته على منصات التتويج ليصبح أفضل لاعب وافد في الدوري الإيطالي أحد أقوى الدوريات الأوروبية المعروفة، متجاهلاً كل ما رُمي به من سهام النقد والتشويه الممنهج.
المقاولون العرب واكتشاف الفرعون الصغير
ولد محمد صلاح حامد غالي طه، بمركز بسيون بمحافظة الغربية، في الخامس عشر من يونيو 1992م، ثم التحق بنادي مقاولون طنطا في الـ 13من عمره، حيث بزغت موهبته التي لفتت أنظار مدربه الذي رشحه فورًا للانضمام لفريق الشباب بنادي المقاولون العرب (أحد أندية الدوري المصري العريقة) في 2007، ومن هنا كانت البداية.
خاض اللاعب أولى مبارياته الرسمية مع المقاولين العرب أمام نادي المنصورة في الدوري الممتاز موسم 2010/ 2011 حيث فرض نفسه على تشكيله فريقه الأساسية لتنتهي المباراة بالتعادل الإيجابي بهدف لكل فريق، نجح صلاح خلالها في تقديم نفسه للجمهور بصورة لائقة، وضعته بعد ذلك تحت ميكروسكوب الاهتمام والمتابعة من قبل “سماسرة” الأندية ورؤساء مجالس الإدارات، وهو ما أهله للترشح للانتقال لأندية الزمالك والأهلي قطبي الكرة في مصر إلا أن صغر سن اللاعب وقلة خبرته كانت العائق الوحيد أمامه، ليبدأ صلاح في التفكير خارج الصندوق، ويبحث جديًا عن الفرصة التي طالما انتظرها طويلاً في الملاعب الأوروبية، ومن هنا كانت الخطوة الأولى نحو العالمية حيث بازل السويسري.
صلاح بقميص المقاولين العرب
بازل السويسري: نقطة الانطلاق الأولى
الظهور الرائع للاعب المصري مع منتخب بلاده خلال مباريات كأس العالم للشباب في كولومبيا 2011 دفعت نادي بازل السويسري لوضع اللاعب تحت مجهر العناية الفنية، لاسيما وقد قدم صلاح نفسه بصورة رائعة خلال مباراة المنتخب الوطني المصري مع نظيره الأرجنتيني حيث سجل هدفًا قيل عنه حينها إنه الأفضل في البطولة، فضلاً عن هدفه الآخر أمام البرازيل.
وعلى الفور تسلم المنتخب المصري للشباب طلبًا رسميًا من نادي بازل السويسري لخوض مباراة ودية في 16مارس 2012، نجح صلاح خلالها في الكشف عن مهاراته التي أقنعت الإدارة الفنية للنادي السويسري ومن ثم تعاقد مع الفرعون المصري الصغير لمدة 4 مواسم مقابل 2 مليون يورو.
وقد شارك اللاعب مع ناديه الجديد في حوالي 49 مباراةً رسميةً في أول موسم للاعب في 2012-2013، أحرز خلالها 10 أهداف، ساهمت في حصول بازل على بطولة الدوري، واختير صلاح حينها أفضل لاعب في الدوري السويسري عام 2013، كما حصل على جائزة أفضل ناشئ في إفريقيا 2012.
تألق صلاح مع ناديه السويسري بصورة لفتت أنظار جميع مدربي الأندية المنافسة له سواء في الدوري المحلي أو الأوروبي، لاسيما مشاركته أمام نادي تشيلسي الإنجليزي في دوري الأبطال حيث نجح صلاح في هز شباك النادي الإنجليزي العريق ذهابًا وإيابًا ليضع نفسه بقوة في دائرة اهتمام المدرب العالمي جوزيه مورينيو الذي قال عنه حينها جملته الخالدة: “محمد صلاح لاعب ممتاز، وأيضًا سريع جدًا، من الصعب اللعب ضده”، وعلى الفور بدأت مفاوضات انتقال اللاعب المصري من الدوري السويسري لأحد أفضل أندية الدوري الإنجليزي.
صلاح بقميص بازل السويسري
تشيلسي: صفقة الحظ السيء
كان انتقال اللاعب المصري لصفوف نادي تشيلسي في 26 يناير 2014، بصفقة قدرت بحوالي 9.3 مليون يورو، علامة بارزة في سجل الرياضة المصرية، إذ تعد هذه الصفقة هي الأكبر في تاريخ اللاعبين المصريين المحترفين في الخارج، إلا أنها لم تكن كذلك عند الفرعون الصغير، حيث تعرض خلالها لهزات عنيفة نتيجة جلوسه على دكة البدلاء لفترات طويلة.
غياب صلاح عن الملاعب كان له تأثير سلبي على أدائه، فضلاً عن حالته النفسية التي أثرت بشكل كبير في مدربه العالمي، والذي عبر عن تقديره لمهارات اللاعب لكنها لا تتلاءم في الفترة الحالية مع طريقة اللعب داخل النادي الإنجليزي، ومن ثم يحتاج إلى تمرين من نوع خاص يتمثل في ضرورة الانتقال على سبيل الإعارة للعب في نادٍ آخر ومن ثم يعود إلى تشيلسي مرة أخرى.
ونجح صلاح مع ناديه تشيلسي قبيل رحيله في الحصول على كأس رابطة الأندية الإنجليزية المحترفة، ليكون أول لاعب مصري يحصل على هذه البطولة، وفي موسم الانتقالات الشتوية، انتقل صلاح في صفقة تبادلية إلى نادي فيورنتينا الإيطالي على سبيل الإعارة لمدة 6 أشهر قابله للتجديد، مقابل انتقال كوادرادو إلى نادي تشيلسي من فيورنتينا.
أثناء مشاركته مع تشيلسي الإنجليزي
فيورنتينا: صفقة استعادة الثقة بالنفس
بانتقاله إلى فيورنتينا، نجح صلاح في عبور كبوة تشيلسي، واستعاد ذاكرته التهديفية مرة أخرى، وبات اسمه يتردد داخل وخارج مدرجات الأندية الإيطالية، وأصبح القميص رقم 74 الذي يرتديه صلاح أكثر المنتجات مبيعًا في سوق الملابس الرياضية الإيطالية.
لعب صلاح مع نادي فيرونتينا في الدوري الإيطالي الممتاز 16 مباراةً، سجل خلالها 6 أهداف، فضلاً عن صناعته للعشرات من أهداف زملائه داخل الفريق، كما لعب مبارتين في كأس إيطاليا، سجل خلالهما هدفين، وظهر في الدوري الأوروبي بقميص فيرونتينا 8 مرات، سجل خلالها هدفًا واحدًا، أي أنه ظهر إجماليًا 26 مرة، سجل خلالها 9 أهداف، ليصبح اللاعب المصري حديث الساعة في إيطاليا.
قبيل انتهاء فترة إعارته تمسك نادي فيرونتينا بحقه في شراء اللاعب من تشيلسي بشكل نهائي، مقدمًا لأجل ذلك الكثير من الإغراءات المادية والأدبية للاعب وناديه الأصلي، إلا أن الفرعون الصغير كان لديه حلم آخر، حلم اللعب في أحد الأندية التي ترضي غروره الكروي، وبالفعل تلقى اللاعب عروضًا كثيرة من عدد من الأندية الأوروبية، لاسيما الإيطالية في مقدمتها إنتر ميلان وروما، حيث استقر صلاح في نهاية الأمر على التعاقد مع نادي روما الإيطالي، بوابة الوصول للعالمية.
بقميص فيورنتينا الإيطالي
روما واللعب مع الكبار
طريق صلاح للانتقال لروما الإيطالي لم يكن ممهدًا كما توهم البعض، بل واجه صلاح حربًا شرسة من قبل اللوبي اليهودي المسيطر على نادي العاصمة الإيطالية، فبالرغم من قناعة الإدارة الفنية للنادي الإيطالي بمهارة صلاح الفنية وقدراته الخاصة التي ستضيف – بلا شك – للفريق، إلا أن الضغوط التي مورست عليها للحيلولة دون إتمام الصفقة كانت كبيرة للغاية، وذلك باعتراف فيتوريو بابونتشلو عضو البرلمان اليهودي الأوروبي وصاحب النفوذ الكبير في نادي العاصمة، والذي أكد أن الجالية اليهودية ترفض بشدة استقدام صلاح إلى صفوف الفريق، نظرًا لاتهامه بـ “العنصرية ومعاداة السامية” لرفضه تحية لاعبي فريق إسرائيلي خلال مباراة له مع بازل السويسري حين كان يلعب له منذ عامين.
وما بين تصميم اللوبي اليهودي على رفض الصفقة وقناعة الإدارة الفنية للنادي الإيطالي بأهمية اللاعب للفريق، فضلاً عن عقبة اتفاق فيورنتينا – تشيلسي الذي يمنح الفيولا حق ملكية اللاعب حال موافقته، فقد تم التواصل إلى حل وسط، يتمثل في عدم شراء اللاعب بشكل نهائي، لكن يتم الاستعانة به على سبيل الإعارة من ناديه المالك، حيث لجأ روما مع رومان إبراموفيتش مالك تشيلسي إلى حل الإعارة لحسم الصفقة لمدة موسم نظير مليوني يورو يحصل عليها تشيلسي بخلاف 3 ملايين يورو ينالها محمد صلاح في فترة الإعارة، بإجمالي 5 ملايين يورو، علي أن يكون لروما أولوية شراء المهاجم المصري في يونيو 2016 في حالة سداد 20 مليون يورو إلي تشيلسي.
وبالفعل نجح صلاح في استغلال الفرصة بصورة كبيرة، حيث فرض نفسه كلاعب أساسي بجوار نجوم العالم، فضلاً عما حققه من شعبيه جارفة داخل الوسط الرياضي الإيطالي بصورة خاصة والأوروبي بصفة عامة، وهو ما أهله ليكون أفضل لاعب وافد في إيطاليا هذا الموسم.
مع روما الإيطالي
أفضل وافد في الدوري الإيطالي
توج اللاعب المصري محمد صلاح مشواره الكروي في عامه الأول مع فريق العاصمة “روما” والذي أحرز فيه 14 هدفًا، بحصوله على جائزة أفضل وافد في الفريق عن الموسم المنصرم 2015/ 2016، حيث منحت الجماهير الإيطالية اللاعب ثقتها الكبيرة والغالية بعد موسم من الإبداع والتألق والأخلاق العالية نجح من خلالها صلاح في التربع على قلوب الملايين من عاشقي “الكاليتشو”، فحل في المرتبة الأولى، متفوقًا على مديره الفني لوتشيانو سباليتي والذي جاء في المرتبة الثانية، ثم الأرجنتيني دييجو بيروتي، في المرتبة الثالثة.
مشواره مع منتخب مصر
نجح صلاح في فرض نفسه على التشكيلة الأساسية لمنتخب بلاده في شتى المحافل الدولية منذ سن مبكرة، حيث لعب مع منتخب مصر للشباب في كأس العالم للشباب بكولومبيا عام 2011، كما شارك مع المنتخب الأوليمبي في بطولة أولمبياد لندن 2012 سجل خلالها 3 أهداف.
وخلال مشاركته مع منتخب مصر الأول في تصفيات بطولة كأس العالم 2014، نجح في إحراز 6 أهداف، توُج بها “هداف” التصفيات، ليكون إجمالي ما أحرزه صلاح خلال 27 مباراة شارك فيها مع المنتخب الوطني المصري 17 هدفًا دوليًا حتى الآن.
بقميص منتخب مصر
جوائزه وألقابه
لم يكن يتخيل البعض أن صلاح البالغ من العمر 24 عامًا، قادر على تحقيق ما وصل إليه داخل الملاعب الأوروبية، حيث تعرض اللاعب منذ احترافه لحملات تشويه خبيثة، أغلبها كان بسبب التزامه الديني، وهو ما لم يعره اللاعب أي اهتمام، ليفرض نفسه بعد ذلك كأفضل لاعب مصري محترف، ويصبح حديث فخر واعتزاز لكل مصري وعربي مقيم في أوروبا أو خارجها.
أصبح محمد صلاح أكثر لاعب عربي مسجلاً للأهداف في تاريخ الدوري الإيطالي، وأول لاعب عربي في التاريخ يسجل أكثر من 10 أهداف بموسم واحد، متفوقًا على لاعبي تونس والجزائر والمغرب وليبيا، وبالرغم من مشاركة 28 لاعبًا عربيًا في الدوري الإيطالي إلا أنه ليس بينهم من حقق ما حققه الفرعون المصري الصغير.
حصل صلاح على عدة بطولات وألقاب خلال مشواره الاحترافي داخل الأندية الأوروبية، حيث حصل مع ناديه القديم بازل على بطولة الدوري السويسري عام 2012، وعلى كأس رابطة الأندية الإنجليزية مع تشيلسي عام 2014، كما حصل على جائزة أفضل ناشئ إفريقي من الاتحاد الإفريقي لكرة القدم 2012، وأفضل لاعب في الدوري السويسري 2013، وهداف تصفيات كأس العالم 2014، إضافة إلى جائزته الأخيرة كأفضل لاعب أجنبي في الدوري الإيطالي.
في حقه… قالوا
استطاع صلاح بمهاراته الفنية الرائعة، وأخلاقه العالية، أن يكسب ثقة واحترام الجميع، مدربين ولاعبين وجماهير، وهو ما تجسد في شهادة بعضهم في حق الفرعون المصري الصغير، حيث قال عنه شقيقه الأكبر ومثله الأعلى في الملاعب المصرية، الخلوق محمد أبو تريكه، وذلك عقب إحرازه هدفين في اليوفنتوس: “بالنسبة لي المباراة انتهت الآن، مبروك محمد صلاح استمر”، وقال عنه دروجبا أيضًا بعد نفس المباراة بعد مباراة: “Bro you are a V12!!!!!!!!!!!!!” أي أنه مثل موتور V12 الموجود في عربيات السباق، بينما قال زميله هازرد بعد مباراة اليوفي: “Momo salah on fire” محمد صلاح في حالة رائعة، أما لاعب فيورنتينا السابق جايتانو دي اجوستينو فقال عنه: “مع محمد صلاح كل شيء ممكن”.
كما قال عنه مدربه الأسبق في فيورنتينا فيتشينزو مونتيلا: “صلاح لاعب رائع، قدم لنا الكثير منذ جاء لنا”، أما ماسيمو اليجري المدير الفني ليوفنتوس قال عنه: “صفقة ممتازة للفريق البنفسجي”، بينما أشاد به فرناندو سانز دوران لاعب ريال مدريد السابق، والمدير العام لرابطة الدوري الإسباني في الشرق الأوسط، حين قال: “صلاح لاعب ممتاز ولاعب موهوب، ومازال صغيرًا في السن، وقادرًا على تقديم كل ما لديه في أوروبا، وأثبت أنه لاعب ذو شخصية بعد فترة الاهتزاز مع تشيلسي وتألقه مع الفيولا”.