سنة من آخر هجوم إرهابي ضرب السياحة التونسية في مدينة سوسة الساحلية، هجوم أربك السياحة وثقة السياح في الوجهة التونسية وأزّم الاقتصاد الوطني، في وقت كانت تونس تسعى فيه للتعافي من هجوم متحف باردو وسط العاصمة الذي أسفر عن مقتل 22 سائحًا وشرطيًا.
هجمات أسفرت عن تراجع إيرادات السياحة التونسية سنة 2015 بنسبة 35%، وتراجع عدد السياح بنحو 31% في نفس الفترة، وفق إحصائيات رسمية، فيما أعلن المجمع المهني للسياحة (غير حكومي) في تقرير أصدره عن وضعية القطاع السياحي في تونس، أن 270 نزلًا ووحدة فندقية أغلقت أبوابها حتى 15 ديسمبر 2015 (طاقة استعاب 116 ألف سرير) من جملة 570 نزلًا مصنفًا في البلاد، وماتزال الرحلات البحرية من كبرى الشركات العالمية معلقة باتجاه تونس منذ الهجوم الإرهابي على متحف باردو في مارس من العام الماضي.
تحاول تونس الخروج من هذه الأزمة عبر التوجه لجذب أسواق سياحية جديدة بعد تراجع نسبة السياح الأوروبيين القادمين إليها بنحو 54% مقارنة بسنة 2014، وتعزيز الإجراءات الأمنية في المنشآت السياحية، خاصة بعد إقرار رئيس الحكومة الحبيب الصيد، إثر هجوم باردو بوجود “إخلالات” في عمل قوات الأمن، وإقراره بـ “تباطؤ” الشرطة في التدخل بعد هجوم سوسة، بالإضافة إلى تنويع المنتج السياحي.
وتساهم السياحة في تونس بنسبة 7% من إجمالي الناتج المحلي، وتوفر أكثر من 450 ألف موطن شغل، وتمثل مصدرًا رئيسًا للنقد الأجنبي للبلاد التي تشهد عملتها تراجعًا كبيرًا في الوقت الحالي أمام الدولار الأمريكي واليورو الأوروبي (1 يورو = يساوي 2.43 دينارًا، 1 دولار أمريكي يساوي 2.17 دينارًا).
التوجه نحو جذب أسواق جديدة
في ظل تواصل ضعف الإقبال على الوجهة السياحية التونسية، نظمت وزارة السياحة في الأشهر الأخيرة 27 رحلة نحو تونس لحوالي 1900 وكيل أسفار ومتعهد رحلات تم استقدامهم من 14 سوقًا لإطلاعهم على مميزات السياحة التونسية وتحسن الظروف الأمنية في الفنادق والمناطق السياحية، ورصدت الوزارة اعتمادات فاقت 94 مليون دينار تونسي لدعم الترويج والإشهار للقطاع السياحي سنة 2016، وتعمل تونس على استقطاب نحو 5.5 ملايين سائح خلال 2016، من خلال البحث عن أسواق جديدة أوروبية وخليجية.
وأمام تراجع نسبة السياح الأوروبيين، توجهت تونس نحو السوق الروسية في محاولة لجذب ما يزيد عن نصف مليون سائح روسي وخصصت لذلك ما يقارب 1.5 مليون يورو للترويج لتونس كوجهة سياحية في السوق الروسية، وقدمت تونس دعمًا لشركات السياحة الروسية بهدف تمكينهم من تنفيذ رحلات سياحية إلى مناطق مثل الحمامات، وسوسة، وجزيرة جربة، حيث قامت السلطات التونسية بتخصيص 4 آلاف يورو لكل رحلة تصل تونس ما بين الـ 1 من مارس والـ 15 من يونيو الجاري.
واستقبلت تونس سنة 2014، 760 ألف سائح من فرنسا و425 ألفًا من ألمانيا و400 ألف بريطاني، وفقًا لشركة يورو مونيتور الدولية، وما تزال دول أوروبية على غرار بريطانيا تنصح رعاياها بعدم التوجه إلى هذا البلد.
ومن المنتظر أن تصبح تونس وجهة سياحية مفضلة للروس بعد تراجع الرحلات السياحية الروسية إلى مصر وتركيا، عقب الأزمة السياسية بين موسكو وأنقرة وسقوط الطائرة الروسية في شبه جزيرة سيناء المصرية.
إلى جانب السوق الروسية، تسعى تونس إلى استقطاب أكثر ما يمكن من السياح في المنطقة المغاربية وخاصة من الجزائر، إذ يوفر البلد الجار أكثر من مليون سائح سنويًا.
تعزيز الإجراءات الأمنية في المناطق السياحية
عملت تونس منذ الهجمات الإرهابية التي شهدتها على تعزيز الإجراءات الأمنية المفروضة في الفنادق والمناطق السياحية، خاصة بعد الانتقادات الكبيرة التي واجهتها بسبب تأخرها في التدخل، حتى إن هذه الإجراءات أصبحت تشكل “المحور الرئيسي” لحملات الترويج لسياحة تونس في الخارج، وفرضت تونس، بعد هجوم سوسة، إجراءات أمنية غير مسبوقة في المطارات والمنشآت والمناطق السياحية، وأصبحت معظم النزل في تونس، مرتبطة مباشرة بمديريات الأمن عبر خط هاتفي خاص تتصل به عند الحاجة، وألزمت وزارة الداخلية، كل الفنادق في تونس بتركيز “منظومة أمن ذاتية”.
في هذا الشأن قال توبياس إيلوود وزير الدولة البريطاني للشؤون الخارجية المكلف بشؤون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، أمس الأحد، على هامش موكب وقفة نظّمته وزارة السياحة التونسية اليوم بنزل أمبريال بمدينة سوسة الواقعة شرقي تونس إحياءً للذكرى الأولى للهجوم المسلح الذّي استهدف النزل، بحضور بعثات دبلوماسية من بلجيكا وبريطانيا وألمانيا وإيطاليا والبرتغال، إنّ “الوضع الأمني يشهد تحسنًا في تونس منذ أشهر وهو أمر جيد”.
التوجه نحو السياحة التضامنية
لجذب مزيد من السياح تعمل تونس، إلى جانب تعزيز المنظومة الأمنية، على تنويع المنتج السياحي، في هذا الشأن أطلق الاتحاد العام التونسي للشغل (المركزية النقابية)، في مايو الماضي، بالاشتراك مع الكونفيديرالية العامة للعمال في فرنسا (cgt) ونقابات ولجان مؤسسات فرنسيّة، لجنة عمل لدعم السياحة الاجتماعيّة والتضامنّية في تونس.
وتهدف هذه اللجنة إلى الاستفادة من تجربة التعويل على المنتج السياحي التضامني القادر على استقطاب عدد هام من السياح الفرنسيين في إطار اتفاقيات وعقود مع المؤسسات والنقابات ووكالات السفر الموجهة لهذا النمط السياحي.
وتُعرف السياحة التضامنية أو الاجتماعية على أنها شكل من أشكال الأنشطة السياحية التي تحترم وتحافظ على الأمد الطويل على الموارد الطبيعية والثقافية والاجتماعية التي تساهم بدورها بشكل إيجابي وعادل في تنمية وازدهار الأفراد الذين يعيشون ويقيمون في هذه الفضاءات.
وشهدت تونس السنة الماضية 3 عمليات إرهابية منفصلة في مارس ويونيو ونوفمبر، استهدفت الأولى متحف باردو الوطني وسط العاصمة، وراح ضحيتها 22 سائحًا وشرطيًا، واستهدفت الثانية نزل الأمبيريال مرحبا في محافظة سوسة (شرق البلاد) وراح ضحيته 38 سائحًا بينهم 30 بريطانيًا، فيما استهدف الهجوم الثالث حافلة لنقل الأمن السياحي، خلف مقتل 12 عنصرًا من عناصر الأمن الرئاسي، وفي مطلع مارس من السنة الحالية، هَاجمت جماعات إرهابية مسلحة مقرات عسكرية وأمنية بمدينة بنقردان (جنوب البلاد) الحدودية مع ليبيا في محاولة للسيطرة عليها، ودخلت في مواجهات مع قوات الأمن والجيش قُتل خلالها 55 مسلحَا، و12 من قوات الجيش والأمن، و7 مدنيين.