تعمل الجمعيات الخيرية لسد ثغرة مهمة في المجتمع الذي يعاني من الفقر والبطالة والفساد المجتمعي لما تتمتع به من صلاحيات واسعة ومرونة في الحركة داخل المجتمع تمكنها من معرفة مشاكله واحتياجاته والقدرة على جمع الأموال بشكل قانوني ويسير.
تحمل الجمعيات الخيرية على عاتقها مسؤولية كبيرة من حيث تطوير عملها للابتعاد عن الجانب الإغاثي الصرف لصالح الجانب الإنمائي وابتكار أدوات عمل جديدة لمساعدة الشباب في حياتهم العلمية والمهنية والاجتماعية وبالتالي النهوض بالمجتمع نحو الازدهار والتطور، وإبعاد الصبغة السائدة عليها والتي جعلتها مختصة بالفقراء والمحتاجين فقط، بحيث تقتصر مهمتها على إحصاء الفقراء وإيصال المساعدات العينية والمالية لهم، وهي طريقة أصبحت قديمة وتقليدية لا تلبي حاجة المجتمعات التي من المفترض أنها تسعى للتطور والنهوض لمحو التخلف الذي أصابها في العقود الماضية.
ومن بين الكثير من الجمعيات استطاع القليل منها توفير نموذج فريد في المجتمع عملت من خلاله على تغيير طريقة عملها وبلورة أسلوب جديد أفاد فئة كبيرة من الشباب في المجتمع ممن يعاني من مشاكل وإعاقات في الحياة في مختلف المجالات.
فكرة أوستن في تركيا
منذ العام 1990 لامس رجل الأعمال التركي أمين أوستن صاحب كبرى المجموعات الاقتصادية في تركيا العاملة في مجال الإنشاءات والعقارات، الصعوبة التي يلاقيها أفراد المجتمع من الفقراء وذوي الدخل المحدود في تأمين متطلبات الحياة التي تصبح صعبة مع مرور الزمن، فالبيت والزواج والعمل والسيارة كلها أو بعضها أصبحت حلمًا يراود الشباب بسبب الغلاء من جهة ومن جهة أخرى الدخل المحدود الذي يحصل عليه والذي لا يمكنه من تأمين طلبات وشروط البنوك التي تفرض شروطًا صعبة وتأخذ فوائد عالية.
فلمعت فكرة عند أوستن في مساعدة أولئك الأشخاص بتأسيس جمعية (أمينافيم)، بها مجموعة من الأشخاص المشتركين في الجمعية يدفعون قسطًا صغيرًا من المال كواجب شهري لتلبية حاجة الأفراد، فيشترك الكل في شراء بيت أو تزويج شاب أو شراء سيارة أو تأسيس عمل، واختيار ذلك الشاب يكون عبر قرعة تجري بحضور جميع أفراد المجموعة.
واستطاعت الجمعية في ظرف سنوات قليلة تحقيق ما لم تستطع كثير من الجمعيات تحقيقة في عقود حيث تم شراء ما يقرب من ستين ألف سيارة لستين ألف مشترك في الجمعية، وحتى الآن تم شراء 35 ألف بيت لـ 35 ألف محتاج، وارتأى أمين أوستن احتساب عمولة وقدرها 5% تدفع لمرة واحدة فقط بعد تنفيذ العملية وذلك لتضخم العمل والمسؤوليات على الجمعية.
فكرة الجمعية عززت التكافل المجتمعي بين أفراد المجتمع الواحد واستطاعت من خلال توظيف فكرة بسيطة تلبية حاجة آلاف الأسر والشباب في المجتمع وتأمين ظروف الاستقرار لهم.
وفي حال وقوع الجمعية بعجز في الأموال سرعان ما يقوم أوستن بضخ الأموال للجمعية لمساعدة المشتركين الذين قد تعيقهم ظروفهم الاجتماعية عن دفع واجباتهم الشهرية أو المشتركين الذين لا يكون بإمكانهم انتظار مدة تفوق العشرين شهرًا للحصول على بيت.
هل الفقر ينتصر في النهاية؟!
يطرح دائمًا تساؤل في المجتمعات العربية كيف تصرف أموال الصدقات والزكاة والتبرعات ولصالح من توزع؟ ولماذا لا تنجح الجمعيات الخيرية في (دولة، مدينة، بلدة) بالقضاء على الفقر المنتشر فيها؟! والجواب هو أن الأموال تذهب لمستحقيها من الفقراء والمساكين وتوزع لهم وفق الحاجة، إلا أن المشكلة أن الأسرة الفقيرة تبقى فقيرة ولا تصبح منتجة بفضل ما تقدمه لها الجمعية من أموال، وهو التحدي الذي تواجهه الجمعية ومن المفترض أن تصرف عليه جل جهدها ووقتها في نشل الأسرة من الفقر لتصبح منتجة ومفيدة في محيطها خصوصًا في ظل تطور الحياة وتسارعها وبروز صعوبات كبيرة أمام الأسرة الفقيرة في الحياة العامة.
تتعدد الطرق والوسائل لتحقيق تلك الغاية ويمكن اختصارها بالتنمية المستدامة، فبعض الجمعيات باتت تضع ما يردها من أموال لتشغيلها في قنوات استثمارية تدر عليها أموالاً تقي نفسها الفاقة والعجز في الأموال، ومن جهة أخرى تخلق فرص عمل تمنحها للفقراء الذين يملكون الخبرات اللازمة ويعانون من البطالة، وبهذا تتحول الجمعية من دور رعوي يقتصر على المنح المالي للأسرة الفقيرة إلى دور تنموي يبني الإنسان والمجتمع وتصل من خلالها لخيار التنمية المستدامة القائم على تطوير الإنسان والمجتمع فتسعى إلى الوفاء بالكثير من الأهداف في إطار التنمية المستدامة التي تسعى لتطوير المجتمع كالقضاء على الفقر والجوع وتحقيق الرفاه والصحة لجميع الأسر والاهتمام بالتعليم والمساواة والنظافة وتنمية الاقتصاد الوطني فضلاً عن أهداف أخرى.
الابتكار بات أمرًا ضروريًا
تطوير عمل الجمعيات من خلال الانتقال نحو حضانة الأعمال الناشئة بتزويدها بمجموعة من موارد الدعم والخدمات المصممة والمدارة من قبل إدارة مؤسسة الحاضنة أصبح أمرًا بالغ الأهمية ومطلوب على مستوى كل الجمعيات العاملة في مختلف الظروف في جميع المجتمعات، فالانتقال نحو دعم الشركات الناشئة يسهم بشكل فعال في استيعاب الكثيرمن الفرص الخلاقة والرائدة في الاقتصاد وخلق المزيد من فرص العمل للتخفي من حدة معدلات البطالة.
حيث تسهم الحاضنة بتقديم الخدمات الأساسية التي تؤدي إلى نجاح الشركة من التواصل وبناء العلاقات في السوق إلى المساعدة في الحسابات المالية وتسهيل عمليات الاقتراض والتواصل مع الشركات الأكبر والمستثمرين وتقديم برامج تدريبية للعاملين وتقديم الاستشارة والتعريف بكيفية العمل في ظل وجود التكنولوجيا والتقنية العالية في العالم، فحضانة تلك المؤسسات تسهم يشكل كبير في نجاحها واستمراريتها، حيث أثبتت دراسات أن نسبة 87% من الشركات الناشئة التي استفادات من دعم الحاضنات نجحت واستمرت في السوق، ونسبة نجاح الشركات الناشئة التي لم تتلق رعاية من حاضنات الأعمال كانت حوالي 44%.