يتوقع العديد من المحللين أن تنفك العقدة المربوطة بين روسيا وتركيا بعد إرسال الرئيس التركي أردوغان رسالة إلى الرئيس الروسي بوتين يعتذر فيها عن إسقاط الطائرة الروسية سوخوي أواخر العام الماضي 2015 ويعرب عن عميق حزنه إزاء مقتل الطيار الروسي، وأعرب عن أمله في عودة العلاقات بين البلدين إلى سابق عهدها في أقصى سرعة ممكنة والعمل من أجل التخلص من الوضع السائد الذي يضر بمصالح كلا البلدين، وإمكانية التعاون في إيجاد حلول للمشاكل الإقليمية.
فمنذ إسقاط الطائرة والقرارات الروسية تنهال على تركيا بفرض عقوبات وإجراءات من مؤسسة الرئاسة الروسية للتأثير على تركيا واقتصادها كعقاب لها على إسقاط السوخوي، ووفق الترتيب الزمني لصدور القرارات استدعت وزارة الدفاع الروسية الملحق العسكري التركي في السفارة التركية بموسكو وتذرعت الوزارة أن الطائرة لم تخترق الأجواء التركية، ومن ثم تم قطع جميع العلاقات الحربية مع تركيا، وبعدها تم إيقاف التأشيرات الحرة مع تركيا ووقف رحلات الطيران الجوي وحظر شركات السياحة الروسية من تنظيم رحلات للمواطنين الروس إلى تركيا، فضلاً عن وضع قيود على أنشطة الشركات التركية المتواجدة في روسيا.
كما تم حظر توظيف عمال أتراك في روسيا، وأعلن وزير الدفاع الروسي عن نشر منظومة إس 400 للدفاع الجوي في سوريا لتأمين طائراتها عقب حادثة الإسقاط، وأوقف رجال أعمال أتراك في روسيا على خلفية مشاركتهم في فعاليات معرض زراعي دولي في روسيا، وتم ترحيلهم إلى تركيا بعد إيقافهم لمدة عشرة أيام.
كل تلك العقوبات والإجراءات الروسية ما كانت لتكون لو تم تنفيذ الطلب الروسي بإرسال اعتذار رسمي من القيادة التركية لروسيا جراء إسقاط الطائرة كما طلبت روسيا وقتها لحل الأزمة بين البلدين.
العلاقة بين البلدين أشبه بالزواج الكاثوليكي
على الرغم من حدة الخلاف بين البلدين إلا أن خبراء وصفوا العلاقة الروسية التركية بكونها “زواجًا كاثوليكيًًا”، ولا يمكن لأي من البلدين التخلي عن الأخرى واعتبار أنها غير موجودة، فكما تضررت تركيا من العقوبات الروسية فإن روسيا نفسها تضررت أكثر، فالعلاقة القائمة بين البلدين قوية وتربطهما مصالح تجارية عميقة.
فقطع العلاقات كان سهلاً بين البلدين في العديد من المحطات عبر التاريخ، ولكن حالما تدخل العلاقات التجارية على الخط سرعان ما يتم تنحية موضوع الثقة جانبًا ليحل الاقتصاد ما عجزت عنه السياسة.
فالعلاقة بين البلدين قائمة على عدة مرتكزات اقتصادية لا يقدر كلاهما تجاهلها، فتركيا تستمد ما يقرب من 75% من استهلاك الطاقة من مصادر أجنبية ويأتي من روسيا وحدها 20%، وهناك مشروعي طاقة ستقوم بهما روسيا في تركيا الأول يتعلق ببناء 4 مفاعلات نووية تبلغ تكلفتها 22 مليار دولار والثاني خط أنابيب رئيسي لنقل الغاز الطبيعي باسم “السيل التركي” أو “ساوث ستريم” بكلفة 16 مليار دولار والذي يعتبر مشروع استراتيجي لكلا البلدين.
وعلى صعيد التجارة فكان من المتوقع أن تصل التجارة البينية بين البلدين إلى 100 مليار دولار بحلول عام 2020، ويبلغ حجم التبادل التجاري حسب بيانات العام الماضي 32 مليار دولار وهو لصالح روسيا حيث تصدر ما قيمته 21 مليار دولار إلى تركيا يأتي معظمه من الغاز الروسي، كما تعد تركيا خامس شريك تجاري لروسيا بحصة تبلغ 4.6% من إجمالي التجارة الخارجية الروسية، كما تقدر قيمة العقود الموقعة بين البلدين حتى نهاية نهاية العام 2014 بحوالي 44 مليار دولار.
هل يعود السياح الروس إلى تركيا؟
ملف السياحة بالنسبة لتركيا يعد بالغ الأهمية، فعدد السياح الروس الذين قصدوا تركيا في العام 2014 بلغ نحو 4.38 ملايين شخص من أصل 42 مليون سائح زاروا تركيا في ذلك العام، أدخلوا ما يقدر بـ 36 مليار دولار إلى الاقتصاد التركي.
المنتجعات السياحية التركية لم تشهد هجمات إراهابية منذ فترة وهذه إشارة جيدة يمكن أخذها بعين الاعتبار
السائح الروسي يأتي بعد السائح الألماني من حيث الأهمية في تركيا، حيث صدرت ألمانيا 5.4 ملايين سائح إلى تركيا في العام 2014، بينما استقبلت تركيا 3.3 مليون سائح من روسيا وبعد إسقاط الطائرة السوخوي أعلن نائب رئيس رابطة منظمي الرحلات السياحية في روسيا إلغاء الرحلات السياحية إلى تركيا بفعل الحظر المفروض على تركيا من قبل الحكومة الروسية، علمًا أن العديد من الشركات السياحية الروسية ذكرت أن تركيا تعد المكان المفضل للسائح الروسي منذ مدة طويلة وسجلت خسائر فادحة بعد الحظر المفروض.
وقد انخفض عدد الروس الذين كانوا يمثلون مصدرًا رئيسيًا للسياحة في تركيا بنسبة 79% كما تراجع عدد السياح الألمان التي تشكل نسبتهم الإجمالية 35% من إجمالي السياح في تركيا بعد تفجيرات في وسط إسطنبول استهدفت معالم سياحية وراح ضحيتها عدد من السياح من جنسيات مختلفة.
وبعد إرسال تركيا للاعتذار عن مقتل الطيار الروسي وإسقاط الطائرة أعلنت شركات السياحة الروسية أن حظر بيع تذاكر الرحلات السياحية إلى تركيا قد “فرض لأسباب أمنية تتعلق بالتفجيرات الأمنية” التي حدثت مؤخرًا في تركيا في عدة أماكن، وحسب المتحدثة باسم الاتحاد فإن المنتجعات السياحية التركية لم تشهد هجمات إراهابية منذ فترة وهذه إشارة جيدة يمكن أخذها بعين الاعتبار أما من اشترى تذاكر سفر ورحلات سياحية إلى مناطق أخرى داخل روسيا وخارحها لن يغيروا وجهاتهم السياحية بعد رفع الحظر الذي سيلزم شهر من تاريخ صدور قرار رفع الحظر.
ويبقى التساؤل سيد الموقف حول سرعة ردة الفعل الروسية بعد تلقي الاعتذار للسماح لشركات السياحة الروسية بالحجز إلى تركيا وعودة المياه إلى مجاريها بين البلدين.