“نعم بكل تأكيد” هكذا كانت إجابة وزير المالية البريطاني على سؤال من قناة “بي بي سي” وجه له أمس الثلاثاء حول احتمال أن تقوم الحكومة برفع الضرائب وتخفيض الإنفاق العام، وقال أيضًا “يجب علينا أن نبين للبلد والعالم أن الحكومة يمكن أن تعتمد على مواردها”.
بريطانيا لا تزال تتأثر من قرار الخروج من الاتحاد، حيث خسرت آخر تصنيف ممتاز لها بعد خفض وكالة ستاندرد آند بورز للتصنيفات الائتمانية درجتين عن مستوى “AAA” وحذرت من مزيد من التخفيضات في حال استمرار وضع عدم اليقين الذي يلف الاقتصاد البريطاني، مع العلم أنها المرة الأولى التي تقوم الوكالة بتخفيض تصنيفًا ائتمانيًا في مستوى “AAA” بمقدار درجتين دفعة واحدة، فحسبما تقول الوكالة عن الاستفتاء إنه “حدث مفصلي” سيؤثر سلبًا على الاستقرار المالي في المملكة المتحدة.
وزير المالية البريطاني: يجب علينا أن نبين للبلد والعالم أن الحكومة يمكن أن تعتمد على مواردها.
على بريطانيا أن تبدأ بمفاوضات الخروج “فورًا”
رئيس المفوضية الأوروبية جان كلو يونكر قال “ليس لدينا أشهر للتأمل، يجب أن نتحرك” في إشارة إلى كاميرون وادعائه أنه بحاجة للوقت للشروع بتطبيق المادة 50 حتى تشرين الأول/ أكتوبر لتقرر الحكومة ما إذا كانت سترسل طلب الخروج إلى بروكسل، وقال يونكر مشددًا على الأمر “أريد الحصول عليه فورًا”، وأردف “ما لا أفهمه هو أن يكون أولئك الذين يرغبون في المغادرة غير قادرين تمامًا أن يقولوا لنا ما الذي يريدونه”، كما وصف رئيس البرلمان الأوروبي مارتن شولتز قرار كاميرون بالاستقالة أنه “مخزٍ” فعندما أعلن في العام 2013 عزمه المضي في الاستفتاء حول بقاء بريطانيا في الاتحاد الأوروبي أو الخروج منه فإنه بذلك “رهن قارةً بأكملها من أجل مفاوضاته التكتيكية”.
كما طالب وزراء خارجية الدول الأوروبية الست المؤسسة للاتحاد الأوروبي في اجتماعهم الأخير في برلين أن تجري مفاوضات الخروج من الاتحاد “فورًا” وبدون أي تأخير.
رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر: ما لا أفهمه هو أن يكون أولئك الذين يرغبون في المغادرة غير قادرين تمامًا أن يقولوا لنا ما الذي يريدونه.
ما خيارات بريطانيا الآن؟
بمجرد البدء بمحاثات الانفصال عن الاتحاد الأوروبي ستظهر العديد من النماذج التي يمكن أن تتبعها المملكة المتحدة لتحديد شكل العلاقة مع الاتحاد، في مارس/ آذار نشرت الحكومة البريطانية ورقة جاء فيها خمسة خيارات متاحة أمام بريطانيا للتعامل معها، أولها أنه لا تفاوض ولا اتفاق مع الاتحاد الأوروبي على الإطلاق والاكتفاء بالانفصال عنه فقط، ثانيها علاقة مبنية على عضوية بريطانيا في منظمة التجارة العالمية، الخيار الثالث هو اتحاد جمركي على غرار تركيا والرابع اتفاقية تجارة حرة كالتي تربط الاتحاد الأوروبي بكندا علمًا أنها لا تزال قيد التفاوض، والخيار الأخير الذي أمام بريطانيا هو سلسة من الاتفاقيات الثنائية المتنوعة مثل النموذج السويسري أو كما هو حاصل في عضوية النرويج في اتفاقية المنطقة الاقتصادية.
معظم تلك الخيارات غير مقبولة بالنسبة لبريطانيا أو للاتحاد الأوروبي أو لكليهما معًا، وبحسب تقرير لبلومبيرغ فإن تعامل بريطانيا مع الاتحاد الأوروبي تحت مظلة منظمة التجارة العالمية لهو أسوأ من العلاقة السابقة، فقوانين منظمة التجارة العالمية ليست أفضل من تلك التي كانت تربط بريطانيا مع الشركاء الرئيسيين في الاتحاد.
بالنسبة لتركيا فإن حدود الاتحاد الجمركي بين تركيا والاتحاد، خيار غير مناسب لبريطانيا فهي تحد من قدرة الدولة للقيام بصفقات تجارية مع الدول الأخرى كما أنها لا تغطي مجالات هامة أخرى كالزراعة مثلاً، وبخصوص الوضع المشابه لكندا فإن النموذج القائم بين الاتحاد وكندا لم يعط البنوك الكندية حق العمل وحرية الحركة داخل الاتحاد الأوروبي وهذا لا يناسب وضع مدينة لندن وسيكون كارثيًا عليها لما تحتاجه من حرية في الحركة ومرونة في انتقال رأس المال.
أما سويسرا فلديها 120 اتفاقية مختلفة مع الاتحاد الأوروبي والتي تواجه صراعًا في إدارة كل تلك الاتفاقيات كما أن ماهية العلاقة التي تربط بين الاتحاد الأوروبي وسويسرا لم تكتمل بعد، ففي العام 2014 صوتت سويسرا لتحديد حصص الهجرة وهذا شكل خطرًا على العلاقة المربوطة مع الاتحاد الأوروبي ويعرض كل تلك الاتفاقيات لخطر الإلغاء.
هل يصلح النموذج النرويجي؟
أبرزت الحكومة البريطانية برئاسة ديفيد كاميرون مساوئ اتباع النموذج النرويجي مع الاتحاد الأوروبي فكل من النرويج وآيسلندا وليختنشتاين عضو في المنطقة الاقتصادية الأوروبية ولكن أيًا من تلك الدول لا تعتبر جزءًا من الاتحاد الجمركي للاتحاد الأوروبي سوى أنها يجب أن تسمح بحرية حركة الناس من وإلى الاتحاد الأوروبي، وكونها ليست عضوًا في الاتحاد فهذا يعني أن صادرتها إلى دول الاتحاد تخضع لرسوم وتفتيش الجمارك، بالإضافة إلى أن تلك الدول لا تستفيد من الـ 53 اتفاقية تجارية للاتحاد الأوروبي مع بلدان ثالثة أخرى، فالاتحاد الأوروبي له اتفاقيات تجارية ككتلة موحدة مع دول عديدة حول العالم وكون الدولة عضوًا في المنطقة الاقتصادية الأوروبية لا تؤهلها للاستفادة من تلك الاتفاقيات، كما أن هذا النوع من الاتحاد يحتم على الدول أن تدفع بعض الرسوم للاتحاد الأوروبي ولا يعطيها الحق في التصويت على قواعد الاتحاد الأوروبي.
ولكن النموذج النرويجي هو الأقرب للتطبيق!
ومع ذلك فإن شكل هذه العلاقة قد يكون جيدًا بالنسبة للاتحاد الأوروبي وبالنسبة لمناصري المغادرة أيضًا والسبب أنه يتمتع بمزايا مهمة أحدها حل قضية الخروج بشكل سريع فاتفاقية المنطقة الاقتصادية الأوروبية، مناسبة لمثل الظروف التي يمر بها كل من الاتحاد وبريطانيا.
وللحيلولة دون سقوط بريطانيا في غياهب الشك وعدم اليقين في علاقاتها مع الاتحاد والعالم فيمكن أن تتلاشي كل تلك المخاوف والاضطرابات من خلال اتفاقية المنطقة الاقتصادية الأوروبية وعندها سيكون على بريطانيا أن تتحلى بالمرونة وتقبل ظروف وشروط قد تكون ساهمت بشكل ما لميل كفة الخروج من الاتحاد، بمعنى آخر على بريطانيا السماح بحرية الحركة للمواطنين من أعضاء المنطقة الاقتصادية من وإلى الاتحاد، وهناك أمر جوهري ومهم لم تكن برطانيا تتمتع به سابقًا وهو “مكابح الطوارئ” التي تخولها تعليق الاتفاقية مع الاتحاد في أربعة أمور هي “حرية حركة الناس والسلع والخدمات ورأس المال”، حيث استخدمت ليختنشاتاين المكابح للحد من الهجرة بعد تزايد موجهة الهجرة على دول الاتحاد الأوروبي، كما استخدمتها آيسلندا كذلك لفرض ضوابط على رأس المال من وإلى الاتحاد بعد الأزمة المالية العالمية 2008 ويمكن للنرويج أن تستخدم تلك المكابح أيضًا في حال استشعرت بخطر ما من أحد الحربات الأربعة المحددة.
كاميرون فشل في الحصول على حق تلك المكابح في مفاوضات فبراير/ شباط الماضي مع المفوضية الأوروبية ولكن من الممكن أن يحصل عليها مناصرو الخروج وإعلان النصر الذي وعدوا به واستخدام المكابح في وجه أية مخاطر محتملة.
الرئيس الآيسلندي: خيار النموذج النرويجي بالنسبة للمملكة المتحدة يعد أمرًا مفروغًا منه.
ومن خلال تلك الاتفاقية من الممكن عندها أن تستمر المصالح التجارية لبريطانيا وتحافظ على مزاياها مع دول الاتحاد دون التعرض لبيروقراطقراطية بروكسل وطلباتهم.
وقد لخص أحد الخبراء الاقتصاديين في لندن مزايا اتباع النموذج النرويجي على الشكل التالي: ستتخلص بريطانيا من بيروقراطية بروكسل وستكون خالية من الآثار الخانقة للثروة السمكية المشتركة والسياسات الزراعية للاتحاد، كما ستبقى أحد المشاركين في السوق الموحدة ولكن بدون أي مظاهر لاتحاد سياسي هذه المرة، وستكون بريطانيا غير ملزمة بمعاهدة ضريبة القيمة المضافة في الاتحاد الأوروبي فيكون لديها القدرة على تخفيض معدلات ضريبة القيمة لتحفيز الاقتصاد.
وتشير العديد من المقالات المنشورة في الصحف البريطانية أن المملكة المتحدة ستحافظ على بعض المزايا التجارية وأن البريطانيين سيبقون قادرين على العمل والدراسة في الاتحاد الأوروبي مع فرض قيود على الهجرة وإن كانت مؤقتة، وهذه المزايا تتفق مع اتفاقية المنطقة الاقتصادية الأوروبية، وصرح دانيال حنان من حملة المغادرة أنه قد نضطر للموافقة على حرية تنقل الأشخاص كشرط للبقاء في السوق المشتركة، كما أن المؤسسات المالية ستشكل أداة ضغط على الحكومة لدعم الخيار النرويجي لأنه سيحافظ على مزايا العمل في جميع أنحاء أوروبا، وكذلك يرى رئيس آيسلندا أن خيار النموذج النرويجي بالنسبة للمكلة المتحدة يعد أمرًا مفروغًا منه.
وتبقى الأيام القادمة لتكشف الصورة الحقيقية لشكل العلاقة التي يفكر بها مناصرو الخروج كيف ستكون! ومن سيقود عملية المفاوضات مع الاتحاد!