نشر موقع “ميدل إيست آي” تقريرا للصحفي روي دوناغي، يشير فيه إلى أن صحفيا فلسطينيا شابا قال إنه اضطر للعيش في المنفى؛ بسبب التهديدات بالموت التي تلقاها من السلطة الفلسطينية، بعد أن كشف عنف الشرطة في الضفة الغربية.
ويشير التقرير إلى أن الصحفي هو عبد القيسي، وعمره 24 عاما من مخيم بيت جبرين للاجئين في بيت لحم، حيث نشرت له تقارير في “ميدل إيست آي” و”الجزيرة” الإنجليزية و”فايس” وغيرها.
ويذكر الموقع أن القيسي غادر الضفة الغربية في 15 أيار/ مايو إلى أوروبا؛ لحضور دورة قيادة مدتها ثلاثة أسابيع، لكن عندما حاول دخول الأردن، عن طريق جسر الملك حسين، أوقفته السلطات الإسرائيلية لمدة سبع ساعات، قاموا خلالها بالتحقيق معه أكثر من مرة حول رحلته، مشيرا إلى أنه بعد إعطائه الإذن بالسفر أخيرا، تم إخباره بأن عليه العودة بعد يومين إلى بيت لحم للتحقيق، وبدلا من ذلك، قرر القيسي السفر إلى أوروبا لحضور الدورة، وبقي بعدها هناك؛ خوفا من أن يسجن، أو يقابل ما هو أسوأ من ذلك إن عاد.
ويلفت دوناغي إلى أن تحقيق السلطات الإسرائيلية جاء بعد أشهر من التخويف والتهديد من حكومة السلطة الفلسطينية في رام الله، بحسب زعم القيسي، الذي قال إن استهدافه جاء على خلفية فيديو نشره على موقع “ميدل إيست آي” في شهر أيلول/ سبتمبر الماضي، حيث أظهر الفيديو قوات أمن تابعة للسلطة تضرب الفلسطينيين في بيت لحم، خلال مظاهرة ضد اعتداءات المستوطنيين على المسجد الأقصى في القدس.
ويكشف التقرير عن أن الفيديو أظهر حوالي عشرة عناصر أمن يحيطون بشابين مراهقين ملقيين على الأرض، ويقوم أفراد الأمن بركلهما وضربهما بالهراوات، لافتا إلى أنه تمت مشاهدة الفيديو أكثر من 60 ألف مرة، وتسبب بغضب شديد عندما انتشر في وسائل الإعلام العربية والإنجليزية في المنطقة.
ويقول القيسي: “كانت المرة الأولى التي رأى فيها الفلسطينيون السلطة الفلسطينية تضرب شعبها، كما صورتها الكاميرا”، حيث تسبب الغضب الشعبي باضطرار السلطة الفلسطينية لتحويل أربعة ضباط كبار إلى التقاعد المبكر، بما في ذلك نائب قائد قوات الأمن لمنطقة بيت لحم عصام نبهان، ونائب مدير العمليات شاهر القيسي، كما تمت معاقبة ستة أفراد شرطة أقل رتبة بالسجن لمدة ثلاثة أشهر، بالإضافة إلى حرمانهم من الترفيع لمدة عام، بحسب الموقع.
وينقل الموقع عن رئيس الوزراء الفسطيني رامي الحمدالله، قوله وقتها إن سوء سلوك قوات الأمن “لا يعكس سياسة الحكومة الفلسطينية أو قوات الأمن الفلسطينية”، مستدركا بأن القيسي يقول إن قوات الأمن تحدثت معه بعد ذلك عن المشاهد التي صورها، حيث طلبت منه في البداية العمل مع المخابرات الفلسطينية، لكنه رفض.
ويقول القيسي للموقع: “بعد عشرة أيام بدؤوا بالتحقيق معي، وقالوا لي أمامك ثلاثة خيارات: أن تموت في حادث سيارة، أو أن يقبض عليك وعندك أسلحة في بيتك، أو أن تتهم بأنك عميل لإسرائيل”، حيث إن تهديد القيسي بالقتل بسبب عمله، جعله يخشى على حياته، حيث يقول: “لا أزال قلقا من أن يأتوا لأخذي”.
وينوه الكاتب إلى أن هذا الخوف تزايد، حيث إنه بعد أن غادر القيسي إلى أوروبا، وبعد تركه لبيته في بيت لحم، اتصل به ضباط مخابرات السلطة عبر “فيسبوك”، وقالوا له إنهم يريدون التحقيق معه.
وقد رأى “ميدل إيست آي” في 27 أيار/ مايو، رسالة على “فيسبوك” من شخص يدعي أنه من المخابرات الفلسطينية، يعرف تاريخ القيسي وقضاياه الحالية مع المخابرات، ويقول له إنه “مستدعى للتحقيق”.
ويورد التقرير نقلا عن محامي القيسي قوله له بأنه إن عاد إلى الضفة الغربية، فإن هناك احتمالا بأن يعتقل ويحاكم في محكمة عسكرية، بالإضافة إلى سجنه ثلاث سنوات على الأقل، مستدركا بأنه قد يواجه سجنا لمدة عشر سنوات، إن اتهمته السلطة بأنه عميل لإسرائيل، كما تم تهديده من قبل.
ويفيد الموقع بأنه لهذا السبب، قرر القيسي البقاء في أوروبا والدراسة، حيث طلب من “ميدل إيست آي” عدم تحديد مكانه؛ خوفا من ملاحقة مخابرات السلطة له حتى في أوروبا، وقال القيسي إن السبب الآخر لإبقاء مكانه سرا، هو أنه تم تخويف عائلته في بيت لحم، ولم يرد أن يكشف عن طبيعة التهديدات؛ خوفا من تعريضهم للخطر، إن قام بنشر المزيد عن الموضوع.
ويقول القيسي إن حياته دمرت منذ نشر ذلك الفيديو على صفحات “ميدل إيست آي”، مستدركا بأنه رغم أن الفيديو “كان مهما بالنسبة لفلسطين”، إلا أنه يندم على نشره، حيث يقول: “شعوري ليس جيدا لكوني قمت بنشر الفيديو، وذلك لأني جعلت نفسي في موقف خطر”.
ويضيف القيسي للموقع أنه يعرف المأزق الذي يعيشه، والمعاناة المحتملة إن حكم بالسجن لمدة طويلة؛ بسبب تجاربه الشخصية، حيث اعتقلته السلطة الفلسطينية عندما كان عمره 16 عاما لمدة شهر في تشرين الأول/ أكتوبر عام 2008؛ لمشاركته في مظاهرات ضد الاحتلال الإسرائيلي، مشيرا إلى أنه بعد إطلاق سراحه من سجون السلطة بعشرة أيام، اعتقلته السلطات الإسرائيلية، وسجنته لمدة سنتين ونصف؛ بتهمة إلقاء الحجارة على الجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية.
ويورد دوناغي أن القيسي كان عمره 19 عاما في 28 نيسان/ أبريل 2011 عندما أطلق سراحه، حيث كان اتخذ القرار خلال فترة سجنه بأن يصبح صحفيا، وقال: “لم أنم كثيرا في السجن، وكنت أفكر كثيرا فيما يجب أن نعمله، كوننا فلسطينيين، لنحصل على حريتنا، ووصلت إلى أن رفع أصواتنا في الإعلام الدولي هو أحد أهم الأشياء التي يمكن أن نفعلها لتحقيق ذلك”.
ويستدرك التقرير بأنه رغم أن عمل القيسي ركز على القضايا الفلسطينية، إلا أنه سافر إلى بلدان المنطقة، وأرسل التقارير من العراق وسوريا وتركيا وأوكرانيا والأردن، لافتا إلى أنه لن يكون قادرا على توفير الصور والتقارير والفيديوهات لحياة الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال، ليس بسبب إسرائيل، بل بسبب حكومته، حيث يقول القيسي: “لا يمكن للصحفي العمل بحرية في فلسطين الآن، فالسلطة الفلسطينية تريد من الصحفيين أن ينقلوا صعوبة الحياة بالنسبة للفلسطينيين، لكن يريدون منك أن تتركهم وشأنهم، وألا تنتقد إسرائيل كثيرا”.
وينقل الموقع عن المتحدث باسم المخابرات الفلسطينية عدنان الضميري، قوله إن لديه علما بقضية القيسي، لكنه أنكر أن يكونوا قد وجهوا إليه أي تهديدات، حيث قال الضميري: “لا نريد شيئا منه، فقد تمت معاقبة الأشخاص الذين كان يجب معاقبتهم، الأفراد والضباط، ونحن لا نلاحقه، ولم نهدده، وأدعوه للعودة، وأضمن ألا يحصل معه شيء”.
ويبين الكاتب أن القيسي انتقد ما وصفه بالفساد في السياسة الفلسطينية، واتهم السلطة الفلسطينية بالتصرف وكأنها “مافيا”، وقال: “إن السلطة الفلسطينية تدار وكأنها شركة عائلية وليست حكومة، وهي سلطة وليست حكومة، وتتصرف كأنها شركة أمن تعمل لدى إسرائيل، ولا تهتم بمصلحة الشعب”.
ويختم “ميدل إيست آي” تقريره بالإشارة إلى أنه لهذه الأسباب، فإن القيسي يرى مستقبله بعيدا عن بيته في بيت لحم، ويقول: “سأعود عندما تتغير الحكومة، وعندما يغادر أبو مازن، لا أستطيع العيش هناك؛ لأنني سأشعر بالتهديد طيلة الوقت، لا أستطيع أن أعيش حياة طبيعية في فلسطين”.
المصدر: ميدل إيست آي – ترجمة: عربي 21