ثلاثة أعوام مضوا على أحداث 30 يونيو 2013، تلك الأحداث التي أعادت رسم الخريطة السياسية لمصر من جديد لترفع منسوب الإحباط لدى الحالمين بدولة مدنية، والمؤملين أنفسهم بتداول للسلطة بشكل ديمقراطي على غرار الدول المتقدمة، وذلك بعد الخضوع لعقود طويلة تحت الحكم العسكري للبلاد.
الشعب المصري الذي طالما رفع شعارات الحرية والديمقراطية والمدنية بعد سنوات عديدة من القمع والظلم والاستبداد، وظنّ أن هبته الثورية في 25 يناير ستكون نقطة الانطلاق نحو ترجمة شعاراته إلى واقع عملي ومنهج حياة، لم يكن يتخيل أن هذا الحلم سيتحول سريعًا إلى كابوس يزلزل كيانه، ويعيده إلى الوراء أميالاً تلو الأميال.
وبعد مرور ثلاثة أعوام على تظاهرات 30 يونيو، يبقى السؤال: ماذا حدث في مصر خلال الأعوام الماضية؟ هل تحقق للشعب ما كان يهدف إليه من مشاركته في هذه التظاهرات؟ هل وجد المواطن الفقير ضالته في حياة كريمة وعيشة أفضل؟ هل تحققت العدالة الاجتماعية والعيش والكرامة الإنسانية؟
وعود براقة
نجحت الأجهزة التي قامت بالتخطيط لـ 30 يونيو في العزف على وتر أحلام الثراء والاستقرار والأمن والحياة الكريمة للمواطن المقهور بعدما أدت أذرعها الإعلامية دورها على أكمل وجه، في تجييش الناس وتشويه صورة الثورة، مستغلة أخطاء الإخوان الساذجة في الحكم.
وبالفعل سقط قطاع عريض من الشعب في هذا الفخ، وظن أن الإطاحة بالإخوان هو الضمانة الوحيدة لاستقرار الوطن، لاسيما وأن هناك مخطط لبيع مصر وتحويلها إلى إمارة إسلامية ومفرخة للإرهاب، فضلاً عن التنازل عن بعض المناطق الحدودية الحيوية المصرية لبعض الجهات الخارجية، كذلك خلق الأزمات تلو الأزمات بما أوهم المواطن أن بقاء الإخوان في الحكم ليس له سوى معنى واحد فقط، هو أن مصر ستكون مثل سوريا وليبيا واليمن، ونجحت الخطة.
بعد الإطاحة بمرسي ونظام حكم الإخوان استقر في أذهان كل من شارك في تلك التظاهرات أن المستقبل بلا شك سيكون مزدهرًا ومبهرًا، فقد تخلصت الدولة من النظام الذي كاد أن يوصلها إلى الحالة السورية، وبات كل مواطن يغني على ليلاه، عازفًا على أوتار الوظيفة المرموقة، والراتب المحترم، والمعاملة الكريمة، والحياة الجميلة، والاستقرار المطمئن، لاسيما في ظل الوعود البراقة التي أخذها المجلس العسكري ومساندوه من القوى السياسية والإعلامية وغيرهم على أنفسهم من انتقال مصر إلى مصاف الدول المتقدمة، وهو ما تجسد في تصريحات عبدالفتاح السيسي حين قال في أول لقاء له بعد إعلانه الترشح لرئاسة الجمهورية: “هتشوفوا مصر بعد سنتين، مش هتعرفوها”، فهل تحققت تلك الوعود؟ وهل بالفعل من يرى مصر الآن بعد ثلاثة أعوام من هذه الوعود لا يعرفها كما قال السيسي؟
بيان القوات المسلحة لعزل الرئيس مرسي
تراجع اقتصادي ملحوظ
ثلاث حكومات تعاقبوا على مصر خلال الأعوام الثلاثة الماضية، قدموا خلالها حزمة من الوعود البراقة التي تصب في نهاية المطاف في تحسين الأحوال المعيشية للمواطن، إلا أنها وبعد مرور ثلاثة أعوام تبخرت بشكل كبير، ولم يتبق منها سوى الأحرف المكتوبة بها، لتسجل حجّة ودليلاً موثقًا على فشل تلك الحكومات، وبالرغم من بعض النجاحات التي قامت بها لاسيما على مستوى الإسكان الشعبي وشبكة الطرق وتوفير مصادر الطاقة، إلا أنها لم ترتق لطموحات المواطن الذي علق آمالاً كبيرة على تلك الحكومات.
الدكتور إيهاب الدسوقي رئيس قسم الاقتصاد بأكاديمية السادات، قال إنه رغم مرور ثلاثة أعوام علي ثورة 30 يونيو 2013 وإسقاط جماعة الإخوان، إلا أن الأوضاع الاقتصادية لم تتغير بشكل جذري، مشيرًا إلى أن الفساد والمحسوبية والبيروقراطية في الجهاز الحكومي مازالوا قائمين.
وأضاف الخبير الاقتصادي في تصريحات صحفية له أن مستوى معيشة المواطنين خصوصًا الفئات الأقل دخلاً لم يتحسن، موضحًا أن التصريحات الحكومية المتكررة بتغير الأوضاع ليست صحيحة، فالمعيار الحقيقي يتم قياسه بمدى رفاهية المواطنين وتحسن مستويات الخدمات المقدمة لهم من تعليم وصحة وغيرها، ومتابعًا أن مؤشرات البطالة والتضخم زادت والتصريحات المتعلقة بتراجعها غير صحيحة.
ومن المؤشرات التي تكشف حجم الكارثة التي وصلت إليها مصر خلال الآونة الأخيرة تلك البيانات التي كشف عنها البنك المركزي في تقريره الأخير، حيث ارتفع حجم الدين الخارجي المصري بنسبة 34% خلال الفترة من يوليو وحتى مارس من العام المالي 2015-2016، كما أن إجمالي الدين الخارجي بلغ نحو 53.4 مليار دولار، تساوي 475 مليار جنيه، أي ما يعادل 16.5% بالنسبة للناتج المحلي الإجمالي خلال تلك الفترة، مقابل نحو 39.85 مليار دولار تساوي 354.7 مليار جنيه، أي ما يعادل 12.3% من الناتج المحلي في الفترة المماثلة من العام المالي السابق.
وأوضح التقرير أن الدين الخارجي يتوزع إلى ديون نادي باريس بقيمة 3.55 مليار دولار بنهاية مارس 2016، مقابل نحو 3.03 مليار دولار في مارس 2015، فيما تبلغ الديون لصالح مؤسسات التمويل الدولية والإقليمية نحو 13.8 مليار دولار، إضافة إلى ديون تم إصدارها عبر السندات والصكوك وتبلغ 3.5 مليار دولار، ونحو 14.9 مليار دولار ودائع طويلة الأجل لدول أجنبية، وتبلغ أعباء خدمة الدين الخارجي نحو 1.08 مليار دولار خلال التسعة أشهر الأولى من العام المالي 2015-2016، مقارنة بنحو 1.05 مليار دولار خلال الفترة المماثلة من العام السابق.
وأشار البنك المركزي إلى أن معدل التضخم الأساسي ارتفع على أساس سنوي إلى 12.23% في مايو، مقابل 9.51% في أبريل الماضي، ملفتًا إلى أن معدل التضخم الأساسي الشهري بلغ 3.15% في مايو 2016، مقابل 1.24% في أبريل الماضي.
الدكتور رائد سلامة الخبير الاقتصادي، وصف تلك الأرقام التي أعلن عنها البنك المركزي بأنها “كارثة اقتصادية”، مشيرًا إلى أن زيادة حجم الديون دون زيادة تتعداها في الناتج القومي قد يؤدى إلى عدم القدرة على سداد الالتزامات المالية في مواعيد استحقاقها، مضيفًا: “المشكلة الأكبر التي أتصور أيضًا أننا قد بدأنا في الدخول لمرحلة “لركود التضخمي، وهذه في حد ذاتها محصلة السياسات المالية والاقتصادية البائسة خلال الفترة الماضية”.
هذا بالإضافة إلى الزيادة الهائلة في أسعار السلع والخدمات نتيجة تراجع قيمة العملة المحلية (الجنيه المصري) أمام الدولار، إضافة إلى التراجع الواضح في قيمة الرواتب الشهرية والدخل اليومي، ليجد المواطن نفسه فريسة سهلة أمام وحش الأسعار الذي بات يلتهم كل شيء حتى كرامة الإنسان وحياته أحيانًا.
وبالرغم من الوعود المتتالية من الرئيس وحكومته بشأن عدم زيادة الأسعار مهما تراجع الجنيه أمام الدولار، مؤكدًا على قدرة الدولة على إحكام سيطرتها على الأسواق، إلا أنه وبالتجربة اليومية للمواطن كانت هذه الوعود ليست سوى “مسكن” جديد لرفع الروح المعنوية للشعب كما كان الحال في إقامة قناة السويس الجديدة والتي كلفت الدولة ما يزيد عن 60 مليار جنيه دون عائد يذكر حتى كتابة هذه الكلمات.
البطالة في مصر: وحش يلتهم أحلام الغلابة
ملف الحريات والحقوق: حدث ولا حرج
وبالانتقال إلى ملف الحريات وحقوق الإنسان بعد مرور ثلاثة أعوام على 30 يونيو، يلاحظ أن السجون المصرية تلقت أرقامًا للمعتقلين خلال العامين الماضيين لم تشهدها طيلة تاريخها الطويل، وبالرغم من تباين الأرقام حول عدد المعتقلين إلا أن الرقم يتراوح بين 42 – 50 ألف معتقل، وهو ما أكدت عليه تقارير المراكز الحقوقية المصرية والعربية، إضافة إلى ما يقرب من خمسة آلاف قتيل خلال هذه الفترة.
وحسب التقارير أيضا، فقد قتل ما لا يقل عن 10 صحفيين وإعلاميين، وتم غلق 4 قنوات فضائية، ومداهمة 12 مكتبًا لمؤسسة إعلامية وفصل 30 صحفيًا ومنع إعلاميين من الظهور على الشاشات، واعتقال 150 صحفيًا وإعلاميًا وتم رصد 250 حالة اعتداء على صحفيين وإعلاميين أثناء ممارستهم لعملهم وخاصة تغطية المظاهرات، إضافة إلى التحفظ على أموال 902 معارض و1096 جمعية و532 شركة و82 مدرسة و28 مستشفى ومركزًا طبيًا.
كذلك تم حبس 3284 طالبًا وطالبة، وما يقرب من 164 حالة اختفاء قسري، فيما تم فصل 1200 طالب، وأحيل 184 طالبًا وطالبة إلى القضاء العسكري تنفيذًا لقانون 136 الخاص بحماية المنشآت العامة والحيوية من القوات المسلحة.
ما بين 40 – 50 ألف معتقل داخل السجون المصرية
العلاقات الدولية: مصر تخسر حلفاءها
تعاني الخارجية المصرية من إشكالية سياسية خطيرة، تتمثل في الاعتماد بشكل كبير على دول الخليج بصفتهم الدول الداعمة للنظام في الآونة الأخيرة، فضلاً عن المساعدات والمنح التي تقدمها ليل نهار، في مقابل اللامبالاة حيال علاقاتها مع الدول الأخرى لاسيما الأوروبية، وهو خطأ فادح يقر بجسامته العاملون في مجال العلاقات الدولية.
وقد أدى أسلوب تعامل النظام المصري مع بعض الملفات الشائكة إلى خسارتها لأقرب حلفائها ممن ساندوها عقب 30 يونيو، وهو ما تجسد في خسارتها للدب الروسي عقب الفشل الواضح في التعامل مع الطائرة التي سقطت في سيناء وكان على متنها عدد من السائحين الروس، كذلك خسرت مصر إيطاليا بعد “فضيحة” التعامل مع مقتل الطالب ريجيني والذي دفع إيطاليا إلى اتخاذ عقوبات ضد مصر حتى وإن كانت غير معلنة كان في مقدمتها وقف السياحة الإيطالية لمصر كما فعلت روسيا أيضًا.
كما أدى المضي قدمًا في سياسة انتهاكات حقوق الإنسان، وعدم الاستجابة لمقررات الأمم المتحدة في هذا الشأن، وتجاهل ما ينشر بشأن ما يحدث في مصر، إلى اتخاذ مواقف سلبية ضد مصر من قبل بعض الدول الأوروبية، في مقدمتها بريطانيا وألمانيا، وهو ما ساهم بشكل كبير في التأثير على سمعة مصر خارجيًا في مجال حقوق الإنسان.
“ريجيني” الطالب الإيطالي المقتول في مصر
الأمن المائي والقومي
من الملفات الخطيرة التي ساهمت بشكل كبير في زيادة منسوب الإحباط لدى مؤيدي 30 يونيو، ودفعت بعضهم إلى التراجع عن موقفه، الملف الأمني والملف المائي.
كان “سد النهضة” من ضمن القواعد التي استند عليها إعلام الثورة المضادة لتجييش المواطنين ضد حكم مرسي، لاسيما وأن تعامل الحكومة حينها مع هذا الملف كان ساذجًا، وليس بث اللقاء الرئاسي الشهير لمناقشة هذا الملف على الهواء مباشرة ببعيد، حيث اعتبره البعض سقطة لا تغتفر لرئيس يفترض ألا يقع في هذه الخطيئة.
وبالرغم من أن المفاوضات كانت سارية، ولم تبدأ إثيوبيا في بناء السد بعد، إلا أن الشعب لم يغفر لرئيسه تلك السقطة – المشينة – في التعامل مع هذا الملف، أما الآن فالأمر مختلف، حيث أعطى السيسي “شرعية قانونية دولية” لإثيوبيا لبناء السد من خلال الاتفاقية الموقعة معها بمشاركة السودان، لتبدأ أديس أبابا بعدها مباشرة في بناء السد الذي انتهت من أكثر من 70% من مساحته، ليشعر المواطن المصري بعدها أن مستقبله المائي بات في خطر، وهو ما تجسد في حالة العطش التي حذر منها الخبراء خلال الفترة المقبلة، كذلك النقص الشديد في مياه الري ولجوء بعض المزارعين إلى تبوير أراضيهم لعدم وجود مياه.
كذلك فإن من الأسلحة التي استخدمها الإعلام المناهض للثورة قبل عامين لتجييش الشعب ضد نظام مرسي محاولة إيهام الناس بأن الحكومة حينها تعتزم التنازل عن سيناء لصالح حركة حماس، وتأجير أهرامات الجيزة لقطر، والتخلي عن حلايب وشلاتين لصالح السودان، وبالفعل هناك من تلقى هذه “الخزعبلات” على محمل الجد، وبات العزف عليها ليل نهار، وأتهم مرسي حينها بـ “الخائن” و”العميل” الذي ينتوي بيع أرضه للأجانب.
وتمر الأيام ولم يستطيع أي مسؤول أن يخرج عقدًا أو مستندًا يؤكد هذه الاتهامات، إلى أن جاء تنازل مصر عن جزيرتي تيران وصنافير لصالح السعودية وفق اتفاقية إعادة ترسيم الحدود بين مصر والسعودية لتصيب الجميع بحالة من “الشلل الدماغي السياسي”، وبات الحديث عن مصرية هاتين الجزيرتين جريمة يؤخذ صاحبها بالنواصي والأقدام، ليقف بعض الشعب على جزء من الحقيقة في هذا الملف.
توقيع اتفاقية بناء سد النهضة بين مصر وإثيوبيا والسودان
الشعبية تتراجع ولا زال النزيف مستمرًا
من الملاحظات التي يجب ألا يغفلها الباحثون بعد مرور ثلاثة أعوام على 30 يونيو، تراجع شعبية السيسي بشكل ملحوظ، تلك الشعبية التي وصلت في بداية التظاهرات حسب مؤشرات المراكز البحثية 98%، لكنها اليوم تتراجع بشكل غير متوقع، حسب إحصاءات المراكز المقربة من النظام، وهو ما أشار إليه الكاتب الصحفي عبدالله السناوي بقوله: “بالفعل شعبية الرئيس تراجعت بشكل أكبر من المتوقع بمعدلات لا يستهان بها وهذا أمر طبيعي بسبب حجم المشاكل والتحديات التي يواجهها، ويجب على الرئيس أن ينظر لتجربته ويقيمها جيدًا”، كما اعتبر الدكتور يسري العزباوي الخبير السياسي بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، أن تراجع شعبية السيسي، أمر عادي وطبيعي جدًا، حيث قال: “إن شعبية السيسي في 30 يونيو منذ عامين كانت في ذروتها، وفي شبه إجماع كلي من قبل المصريين على الإخوان والجماعات الإسلامية، وليس فقط من الشعب ولكن مؤسسات الدولة أيضًا، ومع تولي السيسي للحكم، والمشاكل التي حاول أن يحلها، ظلت شعبية السيسي مرتفعة لكنها قلت عن ذي قبل، نتيجة تلك المشاكل وحالة الإحباط من البعض الذين كانوا يتعجلون لحلها عند توليه الرئاسة في فترة وجيزة”.
حلفاء الأمس: أين هم اليوم؟
لم يخسر نظام السيسي حلفاءه في الخارج وفقط، بل ساهم بسياساته المنتهجة خلال العامين الماضيين في خسارة حلفائه الداخليين بصورة كبيرة، سواء كانوا إعلاميين أو سياسيين أو شرائح مجتمعية مختلفة، كذلك غير النظام بوصلته في القوى التي يعتمد عليها الآن قياسًا بما كان عليه الوضع في الماضي.
سياسيًا: تسببت سياسة الإقصاء التي يتبعها النظام خلال الاعوام الماضية في خسارته لأقرب السياسيين الداعمين له منذ 30 يونيو، والذي كان لهم الدور الفاعل حينها في حشد الناس ضد حكم الإخوان، يأتي على رأسهم حمدين صباحي الذي بذل قصارى جهده للإطاحة بمرسي على أمل تحقيق حلمه المنشود في الإقامة بقصر الاتحادية، وقدم للمؤسسة العسكرية حينها خدمات جليلة لتشويه صورة مرسي وجماعته، وهو ما حدث بالفعل.
صباحي دخل في سجالات عديدة من نظام السيسي في الآونة الأخيرة، كان آخرها قضية تيران وصنافير، إلى الحد الذي طالب فيه بـ “البديل” للسيسي وحكومته، مؤكدًا أن النظام الحالي فشل في تحقيق أهداف ثورة يناير.
وينضم إليه المرشح الرئاسي الخاسر أحمد شفيق، والذي قاد الثورة المضادة من الإمارات، حيث شن هو الآخر هجومًا على النظام الحالي بسبب قضيتي سد النهضة وتيران وصنافير، وقدم في بيان له عدة تساؤلات للحكومة جاء فيها: “أين الوثيقة التاريخية التي تشير إلى ملكية الجزيرتين، سواء لمصر أو السعودية؟ أين الوثيقة التي فوضت المملكة مصر في استخدام الجزيرتين وإدارتهما؟ ما أسباب هذا التفويض إن كان قد حدث؟ هل انتهت الأسباب التي صدر من أجلها التفويض، إن كان صحيحًا؟ إذا كانت أسباب التفويض ما زالت قائمة فلماذا ينتهي الآن وبعد أكثر من مائة عام؟
كما انضم لقائمة السياسيين المنقلبين على السيسي بعد مرور عامين على التظاهرات التي كانوا أبرز الداعمين لها حينها، الدكتور محمد البرادعي الذي اتهم النظام الحالي بالديكتاتورية وفضل الهروب من مصر عن البقاء فيها تحت هذا الحكم غير الديمقراطي على حد قوله، كذلك المهندس حازم عبد العظيم أبرز الوجوه الداعمة لـ 30 يونيو والذي اتهم السيسي بالاستبداد، إضافة إلى بلال فضل وعلاء الأسواني وممدوح حمزة ومصطفى النجار.
ولم تتوقف القائمة عند هذا الحد، فها هو الكاتب الكبير وحيد حامد يحمل السيسي مسؤولية كل ما يجري في البلاد، قائلاً له: إن كانت المهمة ثقيلة عليك فلتتركها، معربًا عن عدم تفاؤله من المستقبل، كما حذر محمد أبوالغار من قيام ثورة دموية تحرق مصر يقوم بها المهمشون والفقراء، مؤكدًا غياب أي مؤشرات توحي بتداول السلطة بشكل ديمقراطي، وأن أهداف ثورة 25 يناير فقدت بوصلتها أمام ديكتاتورية النظام الحالي، كذلك المحامي خالد علي والذي يمثل “الغصّة” الآن في حلق النظام لممارساته المعادية للسلطة، والتي كان آخرها تبنيه للحملة المناهضة لتوقيع اتفاقية ترسيم الحدود المصرية السعودية، وصاحب الدعوى القضائية المرفوعة ضد السيسي وحكومته بسبب التنازل عن تيران وصنافير، بالرغم من كونه أحد أبرز الداعين لتظاهرات 30 يونيو.
إعلاميًا: فقد جاءت حادثة ترحيل الإعلامية اللبنانية البريطانية ليليان داود بهذه الطريقة التي وصفها الكثيرون بـ “المشينة” لتضيف حلقة جديدة إلى سجل انفراط عقد الإعلاميين المؤيدين للسيسي، فلم تكن ليليان هي الأولى التي تعرضت لهذا الموقف جراء تغريدها خارج السرب، وإحراجها للنظام بما تتناوله من قضايا وموضوعات لا يرضى عنها، فقد سبقها كوكبة ممن كانوا بالأمس وقودًا يتقد إرضاءً للرئيس ونظامه، منهم على سبيل المثال، محمود سعد، يسري فوده، ريم ماجد، توفيق عكاشة.
كذلك ينضم للقائمة أيضًا وائل الإبراشي وإبراهيم عيسى ويوسف الحسيني وأحمد السيد النجار، حيث باتوا من أكثر المنتقدين لحكومة السيسي ونظامه، وهو ما وضعهم تحت المراقبة خلال الفترة الماضية، ومن المتوقع أن يتم الإطاحة بهم حال تجاوزهم للحد المسموح به، حسبما صرح بذلك بعض المقربين من دوائر صنع القرار.
كما خسر النظام أيضًا جراء سياساته الإقصائية التي لا تتعامل إلا بلغة القوة، العديد من الشرائح المجتمعية، بدءًا بالاطباء ثم المحامين وصولاً إلى الصحفيين، وحملة الماجستير والدكتوراة، وصولاً إلى طلاب الثانوية العامة، وما حدث بميدان التحرير أمس ليس ببعيد.
الإعلامية ليليان داود في مطار القاهرة قبل ترحيلها لبيروت
وبالمجمل، من كان يتابع المشهد خلال 30 يونيو 2013 وما تلاه من تطورات متلاحقة، تصدّر فيها السيسي المشهد بوصفه الرجل المنقذ للبلاد من الوقوع في براثن الاحتلال والسقوط المدوي، ما كان يتوقع مطلقًا أنه وفي خلال ثلاثة أعوام فقط تصل الأمور إلى ما هي عليه الآن من تراجع على شتى المستويات، وانفراط عقد المؤيدين له بهذه الصورة المقلقة، ليبقى السؤال: هل تحققت أهداف وطموحات من شاركوا في 30 يونيو وهم يدخلون عامهم الثالث؟ وماذا لو عاد الزمن إلى الوراء قليلاً؟