تمتلك مصر ثلث آثار العالم، هكذا يقول الإعلام المصري، بل إن الأمر ذهب إلى ما هو أبعد من ذلك وهو أن الأقصر وحدها تمتلك ثلث آثار العالم، مع العلم أن منظمة اليونسكو التي تسجيل تراث البشرية من الآثار التاريخية والطبيعية، تقول أن مصر لديها 6 مواقع أثرية تاريخية وموقع واحد طبيعي، في الوقت الذي نجد فيه أن إيطاليا تمتلك 44 موقعا تاريخيا و 3 مواقع طبيعية، وإسبانيا لديها 39 موقعا تاريخيا و 3 مواقع طبيعية وموقعان مختلطان، والصين في المرتبة الثالثة ولديها 30 موقعا تاريخيا و 9 مواقع طبيعية و 4 مواقع مختلطة، وبالنظر إلى تسجيلات اليونسكو نجد أن العالم به نحو 890 مواقع للتراث تقع في نحو 148 بلدًا ونصيب مصر منها 7 مواقع!.
أذا الأمر واضح ولا مجال للخداع والكذب فيه من أجل كسب نصيب كبير من السائحين حول العالم، واستخدامه لا يدل على شيء سوا الجهل وهو بالطبع لن يجذب السائحين، وبعيدا عن جدلية أن المقولة الشائعة حقيقية أو خرافة، فعلينا أن نتفق أن الفكرة ليست في الكم، ولكن جذب السياح في العصر الحديث مختلف كثيرا عن العقود الماضية التي يصر البعض ألا يخرج منها.
عموما ليست العبرة بعدد المواقع الأثرية، فربما تمتلك مصر مواقع قليلة العدد حقا لكنها شاسعة الامتداد ولها درجة كبيرة جدا من المنافسة العالمية، كما أن الفكرة في كيفية إدارة هذه المواقع، وللحق نحن رائدون في هذا المجال، فمصر وبلا منازع أكثر دول العالم فشلا في الإدارة السياحية ونماذج الفشل لا يوجد أكثر منها.
ولعل أحدث النماذج هو ما أعلنته وزارة المالية المصرية مؤخرا من أن إيرادات قطاع السياحة سجلت 2.707 مليار دولار في الفترة من يونيو 2015 وحتى مارس 2016، حيث قال التقرير الشهري لشهر مايو الماضي، أن إيرادات قطاع السياحة خلال العام المالي السابق 2014/2015 بلغت 7.370 مليار دولار، التي تزادت بشكل كبير عن إيرادات السياحة في العام المالي 2013/2014 حيث بلغت 5.073 مليار دولار.
التقرير قارن أيضا بين عدد السياح الوافدين لمصر خلال الفترة من يونيو 2015 وحتى مارس 2016، والذي بلغ 5.689 مليون سائح، بعدد السياح في العام المالي الماضي الذين بلغوا، 10.242 مليون سائح، ولا شك أن هذا التقرير نموذج صارخ للفشل في إدارة أحد أهم مصادر الدخل القومي المصري، والمصدر الرئيسي للعملة الأجنبية، ومصدر رزق ملايين المصريين.
“200 % نسبة تراجع إيرادات السياحة في مصر خلال الربع الأول من العام الجاري”
الفشل كان قد بلغ ذروته عندما أعلنت وزارة السياحة عن تراجع الإيرادات السياحية خلال الربع الأول من العام الجاري إلى مستوى 500 مليون دولار مقابل 1.5 مليار دولار خلال نفس الفترة من العام الماضي.
ومهما كان سبب غياب السياح عن مصر في الآونة الأخيرة سواء عن طريق التوافد السياحي من روسيا أو بريطانيا، فلا بد من الاعتراف بالفشل في هذا الملف الحساس جدا بالنسبة للمواطن المصري لأنه يمس قوته بشكل مباشر.
في الحقيقة تكمن المشكلة الحالية في طريقة الإدارة مع الاعتراف بالطبع بالظروف الصعبة، ولكن إدارة الملف السياحي في مصر هو الأسوأ على الإطلاق بين كل الملفات الاقتصادية، ولعل تصرف وزير السياحة المصري السابق، هشام زعزوع، خير دليل على الواقع المتردي لإدارة الملف، فقد تبلور حله لمشكلة السياحة في مصر خلال أكبر ملتقى لكبرى شركات ووكلاء السياحة في العالم، حيث استعان الوفد السياحي المصري خلال مشاركته في بورصة برلين السياحية العالمية بعدد من الراقصات لجذب انتباه رواد البورصة، وذلك من خلال تأدية وصلات من الرقصات المصرية الشعبية.
“شركات سياحية مصرية تطلق مبادرة لجذب السائح العربي تحت عنوان “تعالوا زور مصر بريال”، تحت برعاية وزارة السياحة”
ربما يكون حل زعزوع هذا كان سببا في مغارته الوزارة بعدها بأيام ولكن الوضع ازداد سوءا بعد إقالة زعزوع، لكن المبادرة الجديدة التي جاءت تحت رعاية وزير السياحة يحيى راشد، خليفة هشام زعزوع، ستنام من سمعة السياحة المصرية أكثر من عروض الرقص في برلين، حيث أطلقت عدة شركات سياحية مبادرة لجذب السائح العربي تحت عنوان “تعالوا زور مصر بريال”، برعاية وزارة السياحة، الأسبوع الماضي، وذلك بهدف إنعاش الحركة السياحية الوافدة إلى شرم الشيخ والغردقة، ومثل هذه الدعاية ستكون سلبية جدا، لأن الفكرة لا تتناسب على الإطلاق مع الطبع العربي الذي يعشق الفخامة، فهل يذهب إلى مصر بريال ؟!
عموما يبدوا أن الرقص ومبادرة الريال هو كل ما في جعبة الحكومة المصرية، فلا يوجد حل حقيقي أو إستراتيجية واضحة لحل هذه المعضلة، وأستغرب جدا من عدم اعتراف الحكومة بالفشل في إدارة هذا الملف، فالوضع حقا لا يحتمل التجارب فقطاع السياحة يمر بفترات عصيبة، وعدم عدم وضوح الرؤية على المدى القريب أو البعيد يفاقم الأزمة.
“الإعلام المصري أحد أهم الأسباب وراء تراجع أعداد السائحين القادمين إلى البلاد”
ثقافة إدارة الأزمة غائبة تمام سواء عن طريق الإدارة المباشرة للأزمة أو عن طريق الإدارة الغير مباشرة، والتي تتمثل في الإعلام من وجهة نظري، وهو يستخدم أسوء استخدام في هذا الصدد حيث أن الإعلام المصري أهم العوامل الطاردة للسياحة بسبب استخدام ألفاظ وعبارات مبالغ فيها أحيانا وواقعية أحيانا لكنها في النهاية تؤدي إلى هروب السياح من البلاد كما أن كلمة الإرهاب هي أكثر الكلمات المستخدمة إعلاميا في مصر فمن العاقل الذي سيزور دولة تحارب الإرهاب!.
هذا النوع من الإعلام يعصف بالسياحة بشكل كامل ولن تنقذ وصلات الرقص أو ريالات السعودية هذا الوضع، فخبركهذا “تمكنت السلطات المصرية من ضبط تشكيل عصابي لتصدير أسماك القرش لسواحل مصر، بهدف ضرب السياحة وتخويف السائحين ومنعهم من زيارة مصر”، كفيل بالقضاء على البقية الباقية التي تفكر أن تزور مصر.
الخلاصة: السياحة المصرية هي مفتاح إخراج الاقتصاد المصري من عنق الزجاجة واستمرار التعامل معها بهذه الطرق العجيبة سيعقد الأمور كثير، ومن باب أولى أن تستعين الحكومة بالخبراء في هذا المجال لوضع إستراتيجية عاجلة على المدى القريب والبعيد لحل الأزمة التي أرها أحد أقصر الطرق لإنعاش الاقتصاد المصري في المدى القصير.