ترجمة وتحرير نون بوست
بالنسبة لآدم نيرب، الطفل الفلسطيني البالغ من العمر 12 عامًا، ولباقي الأطفال المتجمعين على الشاطئ الغزاوي، كانت البالونات التي نُقش عليها شعلة تشبه الشعلة الأولمبية والتي تتمايل بمرح طفولي في سماء مجمع السباحة، تقدّم الإلهام والأمل؛ فالبالونات تمثل فرصة أكبر بالحياة من الطائرات بدون طيار، الانفجارات، وخطر الموت المفاجئ.
لطالما وفّرت الأنشطة الرياضية ودروس الفن التي تقدمها المدرسة التي ترعاها الأمم المتحدة مظهرًا من مظاهر الحياة الطبيعية ومتنفسًا للتعبير أمام أطفال غزة المحاصرين؛ فطوال فصلي الصيف الماضيين، أحب آدم الذهاب إلى المخيم الصيفي، الذي غمره بفرصة نادرة للعب والتعلم في بيئة منعدمة الهموم.
ولكن البالونات، سباقات السباحة، وصفوف التعليم، أضحت جميعها دوارس من الأمس، وذكريات يستحيل الوصول إليها اليوم؛ فأزمة التمويل أسفرت عن إلغاء العديد من ملذات المخيم الصيفي، وعادت حياة أطفال قطاع غزة إلى رتابتها الكئيبة التي تشمل الجوع والملل في أرض تفتقر إلى وجود الكهرباء لمدة 18 ساعة في اليوم.
منذ عام 2007، باشرت وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين (الأونروا)، المعروفة بكونها المنظمة الرائدة في مجال توفير الخدمات للاجئين في قطاع غزة، بتوفير برامج صيفية ترفيهية وتعليمية لأكثر من ربع مليون طفل داخل القطاع، كما استفاد آلاف الأطفال الغزاويين أيضًا من جهود مماثلة بذلتها منظمة اليونيسيف.
وجد الأطفال الذين يعانون من صدمات الحروب، يعيشون تحت الحصار، ويفتقرون للمرافق الأساسية، مُتطلَّعًا في أسابيع الصيف المرحة التي ترعاها منظمة اليونيسيف ووكالة الأونروا، حيث شكّل المخيم الصيفي للأطفال أحد المرافق النادرة التي يرونها على مدار حياتهم والتي يمكنهم أن يعيشوا ضمنها ببساطة مرح طفولتهم.
“المخيم الصيفي أمر مهم للغاية في غزة، حيث يعيش الأطفال في بيئة مرهِقة، ويعانون من مستويات عالية من التوتر، مما ينعكس بتأثير ضار يقوّض تعليمهم” قال لي جون كونوجي، أحد المسؤولين البارزين في منظمة اليونيسيف، وأضاف: “في كثير من الأحيان لا يكون الأطفال في غزة قادرين على حضور الأنشطة اللامنهجية بسبب اكتظاظ الفصول الدراسية، وعمل المدارس بنظام الفوجين”.
منذ الدمار الذي أحدثه العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في عام 2014، تنامى حرمان أطفال المدارس في غزة واطرد سوءًا؛ ففي فصل الشتاء، يتجمد آلاف الأطفال الذين تركتهم الحرب دون مأوى في ملاجئهم المؤقتة، وفي الصيف، تصبح تلك الملاجئ ذاتها مساكن ملتهبة وخانقة جرّاء لهيب الشمس، ولكن، ولبضعة أسابيع، كان المخيم الصيفي يعطي الأطفال مُستراحًا من كافة تلك المعاناة.
أمعنت التدابير المكلفة اللازمة للتقيّد بمضامين الحصار الخانق، الذي تفرضه إسرائيل على استيراد القطاع للامدادات، في تقويض المساعدة الخجولة التي تقدمها وكالة الأونروا؛ حيث بلغت تكلفة هذه التدابير حوالي 8.6 مليون دولار في العام الماضي، وهو مبلغ يكفي لبناء ست مدارس أو إطعام ما يقرب من مليون لاجئ لمدة خمسة أسابيع.
وفي هذا العام، أوقفت الدول المانحة تمويلها لبرامج الصيف التي ترعاها الوكالة؛ مما يعني بأن هذا الصيف لن يشهد انخراط الأطفال المحرومين في القطاع ضمن أنشطة السباحة، بناء القلاع الرمال، لعب الكرة الطائرة، ممارسة كرة القدم، الرسم والتلوين، وتعلّم فن الأوريغامي.
أطفال غزة الذين سجّلوا في عام 2011 رقمًا قياسيًا عالميًا لأكبر عدد من الطائرات الورقية التي تتمايل في الجو في آن واحد، أكثر من 10,000 طائرة، لن يُفسح أمامهم المجال اليوم لتحطيم رقمهم القياسي؛ فابتداء من يوليو، لن يحضر سوى 125,000 طفلًا المعسكرات الصيفية، وهو عدد يبلغ حوالي نصف الأطفال الذي شاركوا في المعسكرات في السنوات السابقة.
الالتزام الدولي للمانحين بمساعدة الفلسطينيين لن يتلاشى ويختفي، ولكن ألا يستحق مستقبل هؤلاء الأطفال، الذين يشكلون حوالي نصف سكان قطاع غزة، الاستثمار فيه؟ تلك المعسكرات لا توفر فقط فرصة متساوية للفتيان والفتيات باللعب والمرح، بل إنها تعلمهم مهارات جديدة ضمن اقتصاد مخنوق تندر فيه الوظائف الجيدة، فضلاً عن غرسها لآليات التأقلم في نفوس أولئك الأطفال الذين يحيون في بيئة غزة المرهِقة والمشحونة للغاية.
“الشوارع غير آمنة للعب”، قال آدم لي، ذو الـ12 عامًا، وتابع: “المشي على الحدود مخاطرة كبيرة للغاية في ظل إمكانية وصول الرصاص من الطرف المصري ليصيب أي شخص يسير هناك”.
اليوم، وبدلًا من تطلعه لفصل الصيف، أضحى آدم يخشى قدومه؛ فخياره الوحيد ينحصر بحضور برنامج ترعاه إحدى الفصائل السياسية العديدة في غزة، والتي ستحاول ضخ ميولها الأيديولوجية في أذهان الأطفال.
ترك غياب برامج الجهات المانحة الدولية فراغًا كبيرًا في حياة أطفال القطاع، ولذلك، أعلنت حركة حماس للتو بأنها فتحت باب التسجيل لمخيم صيفي خاص بها، ومن هنا، فإن خيار معظم الآباء والأمهات سينحصر بالاختيار بين البرامج التي تقدمها حماس أو بإرسال أطفالهم خارجًا للعب في أحد مخيمات اللاجئين القديمة التي تأسست هنا بعد أن طُرد الفلسطينيون، بما في ذلك أسرة آدم، من أراضيهم وقراهم إبان تأسيس كيان الاحتلال الإسرائيلي عام 1948.
والدة آدم، صفاء، تشعر بالإحباط تمامًا كنجلها، حيث أفصحت لنا عن الشكوك التي تساورها حول إرسال أي من أطفالها الخمسة لهذه المخيمات، وأوضحت لنا قائلة: “ولكن، إن لم يتبق خيار آخر، سيعمد الآباء لإرسال أطفالهم إلى هناك، لعدم وجود أي مكان آخر”.
على صعيد آخر، لا يمتلك والد آدم، فريد، العاطل عن العمل والذي يعتمد على مساعدات الأمم المتحدة لإطعام أسرته، الكثير ليفعله إزاء ذلك؛ فوضعه الذي يعيشه هو عرض لمرض أكثر اتساعًا يجتاح القطاع؛ حيث ساهمت ندرة فرص العمل بتنامي التوتر والشعور بانعدم الجدوى، مما أسفر عن ارتفاع معدل حالات الانتحار بين الشباب بزيادة قدرها 35 إلى 40 في المئة في الأشهر القليلة الأولى من عام 2016، مقارنة مع ذات الفترة في السنوات السابقة.
ساعدت برامج الصيف التي ترعاها وكالات غوث اللاجئين سابقًا على توفير فرص عمل صيفية ثمينة لخريجي الجامعات في الآونة الأخيرة، بما في ذلك النساء المتخرجات من الجامعات؛ ففي العام الماضي، تقدم حوالي 34,000 شخصًا للحصول على 2200 وظيفة في منصب معلم أو موجه، ولكن اليوم، تقلّص الخيارات أمام الفتيات يعني بأن عددًا متزايدًا منهن سيختار الزواج على العمل، وقبل كل شيء، حصار غزة، الذي يدخل الآن عامه العاشر، هو المُلام الأول عن خمول الآلاف من شبابنا وتقليص خيارات حياتهم.
أسفر تعنت رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو ومن خلفه الحكومة الإسرائيلية عن وضع حد لمبادرات السلام الأمريكية والفرنسية، ولكن مع ذلك، وحتى في ظل انعدام وجود الرغبة في ضمان حرية الفلسطينيين، لا يزال هناك أمر يمكن للمجتمع الدولي أن يفعله إزاء ذلك: توفير الأمل.
تمويل المجتمع الدولي للبرامج الصيفية يسمح لأطفال غزة أن ينسوا ألمهم لبضع ساعات، يساعدهم على نسيان أنهم لاجئون في وطنهم، ويبيّن لهم بأن هنالك طريقًا بديلًا عن الشقاق والقتال.
وللدول المانحة نقول، قد تبدو الأنشطة الصيفية مجرد أمر تافه بالنسبة لكم، ولكن بالنسبة لأطفال غزة، فإنها تمثل شريان حياة لمستقبل مختلف.
المصدر: نيويورك تايمز