أشارت صحيفة الواشنطن بوست في تقرير لها إلى اعتزام قيام الاتحاد الأفريقي لإصدار جواز سفر إفريقي موحد صالح للاستعمال ضمن جميع الدول الأفريقية.
ربطت الصحيفة في تقريرها بشكل هزلي ما بين خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وإعلان الاتحاد الأفريقي في 13 يونيو، أي قبل أسبوعين من استفتاء المغادرة، عن إصدار جواز السفر الأفريقي الجديد، كما شبّهت المناقشة التي سبقت إصداره بالنقاش السابق الذي دار ضمن الجماعة الاقتصادية الأوروبية، المنظمة التي سبقت تأسيس الاتحاد الأوروبي.
يقول أنصار جواز السفر الأفريقي، بأن هذا الجواز سيعزز التنمية الاجتماعية والاقتصادية في القارة لأنه سيلغي الحواجز التجارية ويسمح بحرية تدفق الأشخاص والأفكار والسلع والخدمات ورؤوس الأموال عبر الحدود، ولكن على الجانب الآخر، يقول المنتقدون بأن جواز السفر الأفريقي الإلكتروني قد يساعد على تصعيد الإرهاب وعمليات التهريب والهجرة غير الشرعية، وفقًا لما جاء في التقرير.
جزء من خطة طويلة الأجل للقارة الأفريقية
جواز السفر الأفريقي الإلكتروني هو وثيقة إلكترونية تسمح لحامله بدخول أي من الدول الأعضاء الـ54 في الاتحاد الأفريقي دون الحاجة إلى تأشيرة، وتشير الصحيفة إلى أنه سيُكشف النقاب عن هذا الجواز خلال قمة الاتحاد الأفريقي المقبلة في كيغالي/رواندا.
في بداية الأمر، ستكون الجوازات الإلكترونية متاحة فقط لرؤساء دول الاتحاد الأفريقي ووزراء الخارجية والممثلين الدائمين في مقر الاتحاد الأفريقي في أديس أبابا، وعلى المدى الطويل، يهدف الاتحاد إلى توسيع نطاق الجواز ليشمل جميع المواطنين ضمن الاتحاد الأفريقي بحلول عام 2018، علمًا بأن مبادرة جواز السفر الإلكتروني هي جزء من “أجندة الاتحاد الأفريقي 2063″، وهي خطة لحشد الموارد الهائلة في أفريقيا بغية تعزيز الاعتماد على الذات، تمتين القوة الاقتصادية العالمية، وتقوية التضامن.
أهمية الجواز الأفريقي الموحد
يعد الجواز خطوة نحو القضاء على الحدود في القارة، ويهدف إلى تعميق التكامل وزيادة التبادل التجاري وتحقيق المزيد من التطور، فضلًا عن اعتباره رمزًا قويًا للوحدة في جميع أنحاء أفريقيا وخطوة باتجاه ربط البلدان الأفريقية اقتصاديًا وسياسيًا بشكل متزامن.
بالإضافة إلى ذلك، تشير الواشنطن بوست إلى أن جواز سفر الاتحاد الأفريقي هو أحدث محاولة لخلق سوق مشتركة ضمن القارة الأفريقية شبيهة بسوق الاتحاد الأوروبي، حيث أوضحت بأن تاريخ هذه الجهود يعود إلى عام 1963 الذي شهد إنشاء منظمة الوحدة الأفريقية، والتي كانت تهدف إلى توحيد الدول الأفريقية وإذابة الحدود فيما بينها، مركّزة من خلال ذلك على تعزيز الهوية القومية لكل البلدان بغية مكافحة الإرث الاستعماري.
على مدار السنين اللاحقة، نشأت العديد من الكيانات الأفريقية لتنسيق النشاط الاقتصادي في القارة بالتوافق مع الحدود الوطنية، وفي النهاية شهد عام 2002 تأسيس الاتحاد الأفريقي ليستبدل منظمة الوحدة الأفريقية، حيث عمد الاتحاد للنأي عن نهج مركزية الدولة الذي اتبعته منظمة الوحدة محاولًا تحقيق التوازن بين مبدأ السيادة وضرورة الإسراع في تأمين الحقوق السياسية والنمو الاجتماعي والاقتصادي والتعاون؛ فعلى سبيل المثال، علّق الاتحاد الأفريقي عضوية 12 دولة بعد “التغييرات غير الدستورية في الحكومة”، بما في ذلك ليبيا وجمهورية أفريقيا الوسطى ومصر وبوركينا فاسو.
رغم كافة هذه الجهود التوحيدية، لم تستطع أيًا من المنظمات الإقليمية الأفريقية تأسيس سوق أفريقية مشتركة، ولكن بقي هذا الحلم حيًا رغم التحديات السياسية واللوجستية الهائلة التي تستتبعه، وفي الواقع، فإن الاتحاد الأفريقي يسترشد بفرضية إن تعميق التكامل الاقتصادي هو الطريق الأمثل للازدهار والاستقرار، وهو ما حذا به للإعلان عن جواز السفر الأفريقي الموحد كخطوة أولية لتحقيق هذا النهج.
سلبيات ومخاطر الجواز الإلكتروني الموحد
أوضحت الواشنطن بوست في تقريرها بأن معارضي جواز السفر قلقون من مجموعة المخاطر الأمنية التي قد تتمخض عن إصداره، حيث يشير المنتقدون إلى أن السفر بدون تأشيرة من شأنه أن تسهيل حركة الإرهابيين داخل البلدان وفيما بينها، فضلًا عن إمكانية استفادة تجار البشر ومهربي المخدرات من حرية الحركة والتنقل التي يفسحها هذا النظام الجديد.
الأمراض والأزمات الصحية العامة الأخرى يمكن أن تنتشر بسرعة أكبر في أفريقيا المفتوحة، وتمامًا كما حدث في أوروبا، قد تعمل الجوازات الإلكترونية على تكثيف التنافس على الوظائف والخدمات العامة، مما سيؤدي إلى تعميق الخطاب السياسي الذي يستبطن كراهية الأجانب وما ينجم عن ذلك من هجمات قاتلة؛ فالهجرة هي مسألة خلافية بالفعل داخل أفريقية، وهذا الأمر واضح من أعمال الشغب القاتلة المعادية للمهاجرين في جنوب أفريقيا وزامبيا والمناقشات الساخنة حول اللاجئين في كينيا.
العديد من النخب الأفريقية تدعم اقتراح الحركة غير المقيدة للأشخاص والسلع والخدمات، وفقًا لما نقله التقرير، ولكن إذا أُسيء استخدام هذه الميزة، فقد تسفر حرية التنقل والحركة عن إعادة إنتاج حالة من انعدام المساواة الاجتماعية، من خلال مساهمتها في زيادة غنى الأثرياء والإمعان في إفقار الفقراء، ويمكننا أن نرى ذلك بالفعل في حقيقة أن بعض الأفراد فقط هم من سسيتفيدون من جواز السفر في البداية، مما سيخلق هرمًا تراتبيًا بين المواطنين، يسمح لبعضهم فقط بحرية السفر والتنقل.
علاوة على ذلك، تشير الصحيفة إلى خطورة تحوّل جواز السفر إلى أداة تستعملها الأنظمة القمعية لإسكات منتقديها؛ ضاربة مثالًا عن قيام تشاد، جيبوتي، إريتريا، السودان، وزيمبابوي في عام 2007 بمصادرة جوازات سفر مجموعة متنوعة من المعارضين.
ما الذي يجب على الاتحاد الأفريقي أن يتعلمه من تجربة الاتحاد الأوروبي؟
يوفّر الاتحاد الأوروبي نموذجًا يمكن للاتحاد الأفريقي أن يعكف على دراسته لتحديد مكامن التقدم والمزالق ضمن عملية التكامل الإقليمي والتي تشمل إدارة العملة المشتركة، تحقيق التوازن بين الاقتصادات المختلفة بالحجم والهيكلية، وبناء التضامن داخل وبين الدول ذات الثقافات المتنوعة.
وفي هذا السياق، تذكر الواشنطن بوست بأن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي هو علامة على التحديات الكامنة ضمن الفضاء السياسي والاقتصادي المفتوح والمشترك؛ موضحة بأن مناقشات الديون والهجرة والهوية الوطنية، التي أسفرت عن مغادرة بريطانيا للاتحادر الأوروبي، سيتم تضخيمها في أفريقيا تحت وطأة الاقتصادات الصناعية، الحواجز الكبيرة التي تحول دون الوصول إلى التعليم والرعاية الصحية، والصراعات الجارية على الموارد والهوية.
خطوة واعدة ولكن…
تدلف الواشنطن بوست بعد ذلك لطرح حلول للمخاطر الكامنة خلف إصدار جواز السفر الأفريقي، الذي تصفه باعتباره تطورًا مثيرًا وقادرًا على تحفيز النمو وتحسين مستويات المعيشة، ولكن الاستفادة من هذه الإمكانات، كما يشير التقرير، موقوف على وضع الاتحاد الأفريقي لخطط تسبر أغوار المخاطر لخطوتين إلى الأمام على الأقل.
وفقًا لذلك، فإن صياغة اللوائح والقوانين المدروسة بعناية هو أمر ضروري لضمان أن الوعود الاقتصادية التي المرتبطة بإطلاق جواز السفر الإلكتروني هي متاحة للجميع حقًا وغير قابلة لإساءة الاستخدام؛ فعلى سبيل المثال، يجب على التكامل أن يخدم القوي والضعيف، والغني والفقير، ويجب تحقيق نمو الإنتاجية والقدرة الصناعية بشكل متزامن بين جميع الدول؛ لأنه وفي حال فشل بعض الدول في الوصول إلى المرحلة الصناعية في ظل نجاح أخرى بتوسيع أسواقها، سيعمل الأشخاص من الدول الفاشلة على إرهاق وضغط المجموعة المشتركة مما سيسفر عن أزمة بالمحصلة.
علاوة على ذلك، يوضح المقال ضرورة وضع وتنفيذ خطط تهدف لمعالجة العوائق العملية التي تحول دون استحصال الكثير من الأفارقة على وثائق الهوية الأساسية، كمعالجة ضعف نظم التسجيل المدنية، الإجراءات البيروقراطية البطيئة والمكلفة، والفساد؛ فوفقًا للبنك الدولي، 37% من الأشخاص في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى لا يملكون هويات قانونية، وهو شرط أساسي للحصول على جواز السفر.
تختتم الصحيفة تقريرها بالقول بأن الطريق إلى مستقبل ناجح يكمن في ضمان الإنصاف في التكامل؛ فعندما يكافئ النظام القلة على حساب الباقين سيتراجع التضامن وسيدخل مشروع التوحيد في نفق مظلم لا نهاية له.ِ