آلاف الأطفال والنساء والشيوخ باتوا بلا مأوى، فبالكاد نجوا بأجسادهم فقط، في حين غرقت بيوتهم وأمتعتهم وضاعت أموالهم وممتلكاتهم بل وذهب أدراج الرياح، نتيجة المياه التي غمرت منازلهم، وباتوا يتحركون بين شوارع الأحياء السكنية بالقوارب البحرية والمنقذين ورجال الدفاع المدني! في زاوية مأواها الجديد تجلس الحاجة الثمانينية “مريم” – وتحديدا في مدرسة حكومية – ترتجف من شدة البرد وتبدو عليها ملامح اصفرار وجهها وازرقاق أطرافها العلوية والسفلية .. ملابسها المبللة لم ترحمها، ولم ترحم حفيدها الصغير الذي هرب من الصقيع إلى حضن جدته المبلل علّه يجد دفأ مفقود. هذا هو حال الأسر الفلسطينية المنكوبة التي هربت من بيوتها بالكاد إلى مراكز الإيواء التي وفرتها الحكومة الفلسطينية، حيث وصلت عدد مراكز الإيواء التي افتتحتها الحكومة ما يزيد عن 25 مركزا وهي عبارة عن 25 مدرسة حكومية احتوت على 460 عائلة بواقع 3000 نسمة غالبيتهم من الأطفال والنساء والشيوخ.
غزة من جديد تستقبل “كارثة إنسانية” في ظل إغماض المجتمع الدولي والمؤسسات الحقوقية عينيه عنها، وإدارة ظهورهم إلى مصيبتها الجديدة! .. الصمت يلفُّهم ولم بنسبوا بكلمة واحدة تدعو إلى إغاثة المنكوبة. وهذه الكارثة الجديدة تضاف إلى سلسلة الأزمات التي تعاني منها غزة الحزينة، فالتيار الكهربائي ما زال منقطعا عنها منذ قرابة 50 يوما، بسبب توقف محطة توليد الكهرباء الوحيدة فيها بعد نفاد الوقود عنها، حيث يُمنع الوقود من الدخول إلى غزة بلا رأفة أو شفقة! سابقا كانت تُشغّل تلك المحطة من خلال كميات الوقود القليلة الذي كانت تدخل إلى القطاع عبر الأنفاق الممتدة بين مصر وغزة، بيد أن تلك الأنفاق ردمتها السلطات المصرية عقب الانقلاب العسكري الذي نفذه الجيش على الرئيس المعزول محمد مرسي.
ويترافق ذلك مع إحكام الأطراف المتعاهدة على حصار غزة لسياستي الإغلاق والحصار، فمعبر رفح الحدودي هو المعبر الوحيد الذي يربط غزة بالعالم الخارجي والذي تسيطر عليه دولة عربية، حيث أن المعابر الأخرى والتي تسيطر عليها سلطات الاحتلال مغلقة بفعل الحصار والإغلاق! ويقولون في المثل الشعبي الدارج “كلما ضاقت حلقاتها فرجت” ولكن أهالي غزة باتوا يشككون في هذا المثل، خاصة في الوقت الذي تتكاتف فيه يد العدو والصديق لاستهداف غزة وامتهان كرامتهم وشطبها عن الوجود ليس إلا.