تمر المفاوضات بين تركيا والاتحاد الأوروبي بانفراجة جديدة بعدما تأزم الوضع بين الطرفين عقب رحيل رئيس الوزراء التركي السابق أحمد داوود أوغلو، الذي قطع شوطًا كبيرًا في ملف الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي وإتمام خطوة إعفاء المواطنين الأتراك من تأشيرة “شينغن”.
كان الخلاف التركي – الأوروبي ظاهره الجدل حول قانون مكافحة الإرهاب في تركيا، لكن العديد من المراقبين أرجعوا هذا الخلاف إلى أمور سياسية متعلقة بأوضاع تركيا الداخلية في محاولة أوروبية لممارسة ضغط على حكومة العدالة والتنمية في بعض الملفات بالإضافة إلى اتفاق اللاجئين الذي لم ترض به الأطراف الأوروبية كلها رغم توقيعه مع الجانب التركي، وقد تفاقم الوضع عقب رحيل البروفسير داوود أوغلو الذي كان وجهًا مفضلًا للتفاوض لدى أوروبا.
إلى أن الوضع عاد إلى نقطة التفاوض بشكل أكثر سلاسة مما هو متوقع بعد حرب إعلامية دارت بين تركيا والمفوضية الأوروبية، جرى خلالها التهديد بإلغاء اتفاقية اللاجئين الأخيرة، في حين كاد الاتحاد الأوروبي أن يُعلق المفاوضات الخاصة بإلغاء تأشيرة “شينغن” بالنسبة للمواطنين الأتراك بسبب رفض الجانب التركي لتغيير قانون مكافحة الإرهاب.
إنفراجة جديدة
لكن بدون سابق مقدمات قررت الطرفان (تركيا والاتحاد الأوروبي)، الخميس 23 يونيو الماضي، عقد اجتماع جديد للتباحث حول مسألة تغيير قانون مكافحة الإرهاب الذي يشترطه الجانب الأوروبي، لإلغاء تأشيرة الدخول إلى منطقة “شنغن” عن المواطنين الأتراك.
هذه الخطوة يمكن قراءتها في خضم تفاعلات داخل السياسة الخارجية التركية قضت بتصفير مشاكل إقليمية عدة لعل أبرزها كان اتفاق المصالحة مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، وبدء مفاوضات مع الجانب الروسي لإعادة العلاقات بين البلدين إلى طبيعتها، ولا يمكن نزع العودة التركية إلى طاولة المفاوضات الأوروبية عن سياق هذه التحولات التصفيرية للمشاكل المتراكمة خارجيًا لدى تركيا.
جاءت هذه الانفراجة خلال لقاء جمع وزيري الخارجية وشؤون الاتحاد الأوروبي التركيين مولود جاويش أوغلو، وعمر جليك التركيين، مع النائب الأول لرئيس المفوضية الأوروبية فرانس تيمرمانس، في العاصمة البلجيكية بروكسل.
حيث تناقش الجانب التركي مع الاتحاد الأوروبي في استيفاء المعايير المتبقية من أجل تحقيق شرط إلغاء التأشيرة عن الأتراك، وقد توصل الجانبان إلى تفاهمات يضعان من خلالها اللمسات الأخيرة لإلغاء تأشيرة شنغن، لكنهما قرّرا عقد اجتماع جديد للبت في المسألة الخلافية المتعلقة بتغيير قانون مكافحة الإرهاب التركي، دون أن يتم تحديد موعد للاجتماع.
جدير بالذكر أن الموقف التركي كان مبنيًا في السابق على التمسك بقانون مكافحة الإرهاب الحالي ورفض تغييره بسبب ما أسموه مواجهة تركيا ظروفًا استثنائية يصعب معها تقديم تنازلات في هذا الجانب، وعلى أوروبا أن تتفهم الموقف التركي في هذا الظرف، وفقًا لما أبلغته أنقرة للمفوضية الأوروبية في العاصمة البلجيكية بروكسل، وهو ما أكد عليه الرئيس التركي بعد ذلك مرارًا في تصريحاته لوسائل الإعلام عقب احتدام الخلاف بين الطرفين.
كان تقرير المفوضية الأوروبية قد تضمن في السابق قرار توصية برفع التأشيرة المفروضة على دخول الأتراك “شنغن” بحلول نهاية يونيو الجاري، لكنه لم يطبق بسبب الاختلاف حول شرط تغيير قانون مكافحة الإرهاب.
وتأجل الأمر إلى حين استيفاء تركيا للشروط الخمسة المتبقية من أصل 72 بند خاص بعملية الإعفاء من التأشيرة، كانت تركيا قد طبقت منهم 67 شرطًا، والبنود المتبقية هي: “تطبيق فعال للاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد، وتعاون فعال مع أعضاء الاتحاد الأوروبي في مجال إعادة مرتكبي الجرائم، وتوقيع اتفاق تعاون عملي مع يوروبول (الشرطة الأوروبية)، واعتماد قانون حماية البيانات الشخصية بما يتفق مع معايير الاتحاد الأوروبي، وتعديل قانون الإرهاب والجرائم المنظمة بحيث يتماشى مع الاتحاد الأوروبي”.
يشير مراقبون إلى أن هذه الجولة من المفاوضات شهدت أبعادًا سياسية وتنازلات مقدمة الطرفين على خلفية مواقف سياسية لا علاقة لها بشروط الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، فقد اقتربت تركيا من روسيا مجددًا، وعلى الأوروبيين ألا يفقدوها تمامًا وألا يجعلوا العلاقات مع تركيا تصل إلى طريق مسدود، خاصة وأن اقتراب تركيا من روسيا في هذا الوقت بالتحديد سيكون له تبعاته على الملف السوري.
وكانت تركيا قبل بدء هذه الجولة من المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي لوحت على لسان رئيسها رجب طيب أردوغان بإمكانية إجراء استفتاء شعبي حول مواصلة المفاوضات بشأن انضمام بلاده للاتحاد الأوروبي من عدمها.
أما الآن بعد تسلم سلوفاكيا رئاسة الاتحاد الأوروبي للأشهر الستة المقبلة و خلال هذه الفترة، تأمل تركيا بأن تسرع سلوفاكيا في مسألة البت في ملفات انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، ولكن يرى البعض أن الأمر سيكون مرهونًا بالتقلبات السياسية رغم حدوث الانفراجة الأخيرة بين الطرفين.